شد حبال بين طرفي النزاع لاستقطاب المرجعيات الدينية والحرص على كسب تأييدها يعكس عمق المأزق الطائفي

المطران غريغوار حداد: السياسة ليست من اختصاص رجال الدين

TT

بين كنيسة مار جرجس في وسط بيروت والسرايا الحكومية المطلة على ساحات الاعتصام مسافة شهدت شد حبال لاستقطاب رجال الدين من مختلف الطوائف، وذلك ليؤكد كل فريق انه لا يقود «معركته» من زاوية طائفية او مذهبية، وانما يمثل شرائح واسعة من المجتمع اللبناني بمعزل عن الانتماء الديني. لكن حرص طرفي النزاع على كسب تأييد المرجعيات الدينية يؤكد فداحة المأزق الطائفي في البلاد. كذلك «الاجتياح» الكاسح للرموز الدينية في أمكنة الاعتصام و«الصمود» ضمن توليفة «غرائبية» اختلط فيها الحابل بالنابل، يكشف مدى «انحشار» أهل السياسة وحاجتهم الى نجدة «شرعية» لتكرس حقوق طائفة هذا الطرف مقابل ذاك... وكل ذلك وسط محاولات نفي الشبهة الطائفية عن الطرف الآخر.

ابرز هذه «المفارقات» كانت نقل تلفزيون «المنار» التابع لـ«حزب الله» قداس الاحد الماضي مباشرة على الهواء من كنيسة مار جرجس في بيروت. وبعد ذلك نقل صلاة الجمعة، أول من أمس، والتي أمّ المصلين فيها الداعية الاسلامي السني فتحي يكن. كذلك فعل تلفزيون «نيو تي في» العلماني الطابع. ومقابل هذه الصورة حرص تلفزيون «المستقبل» على نقل قداس مواجه اقيم في السرايا لراحة نفس الوزير والنائب بيار الجميل. وكأن الدين تحول جزءا من المعركة. وعن توظيف الرموز الدينية في اعتصام المعارضة قال نائب حزب الله حسن فضل الله: «نحن نقدم معركتنا باعتبارها معركة سياسية. ونسعى الى ابعادها عن الطابع الطائفي والمذهبي. ويمكن في هذا المجال مراجعة كل خطابنا والعناوين التي نستخدمها. وعندما بدأنا تحركنا كقوى معارضة، سعينا الى عدم زج المؤسسات الدينية التي ننتمي اليها في الازمة. لكن حصل خطاب طائفي ومذهبي. وتم الزج برجال الدين من قبل رجال السياسة، وشهدنا كيف تحولت السرايا تارة الى مقر لصلاة الجمعة وطورا الى مكان لصلاة الاحد. ونحن لا مشكلة لدينا في الصلاة والتدين. المشكلة هي في كيفية استحضار رجال الدين الى السرايا. وأمام هذا الخطاب كان لا بد للمعارضة من القيام بخطوات من أجل تقديم الصورة الحقيقية عن انتماء قواها الى الشعب اللبناني بكل طوائفه كما تدل تجمعاتنا الشعبية. ولتقديم هذه الصورة التي تؤكد على مفهوم الوحدة الاسلامية اقيمت صلاة الجمعة التي تشارك فيها الشيعة والسنة وامهم رئيس جبهة العمل الاسلامي الدكتور فتحي يكن».

المطران غريغوار حداد رفض استخدام رموز الدين في الاصطفاف الطائفي الحالي وقال: «كل خلط بين الدين والسياسة خطأ. فالفكر الديني هو فكر مطلق والفكر السياسي نسبي ومتقلب. ولا يمكن لرجال الدين الاختصاص في امور السياسة، لانهم بذلك يقسمون المؤمنين. وانا ضد هذا التقسيم. ولكن على ما يبدو رجال السياسة في لبنان لا يملكون كفاءة لأخذ المواقف. لذا اضطر رجال الدين الى العمل مكانهم. المطلوب ان يبقوا خارج الاصطفاف السياسي والطائفي لأنهم يؤذون الدين. ولا يمكنهم التماهي بين موقفهم وايمانهم. الامر غير معقول التحقيق».

نائب الجنوب السابق ورئيس «المجلس الثقافي للبنان الجنوبي» حبيب صادق اعتبر ان «خلاص لبنان من النظام الطائفي المذهبي لا يكون الا بتوأمة العلمانية والديمقراطية. وما نشاهده ونلمسه لا صلة له بقيم الدين انما هو توسل لاستجلاب الطائفية والمذهبية سواء من هذا الفريق او من ذاك. وهذا امر لا يمكن اطلاقا ان يشكل وسيلة ناجعة لإنقاذ لبنان مما يعاني منه تاريخيا. وفي ضوء ما يحصل لا ارى في توسل رموز الدين الا تعزيزا لبقاء لبنان مشتتا وممزق النسيج الاجتماعي من جهة وبعيدا عن الدخول في روح العصر». رئيس لجنة الحوار الاسلامي المسيحي والامين العام للقمة الروحية الاسلامية محمد السماك قال «اللجنة عملت طوال الفترة السابقة على جمع رجال الدين السنة والشيعة لإيصال رسالة الى المسلمين في العراق وحثهم على عدم التقاتل واعتماد الوحدة الاسلامية اللبنانية ليتجنبوا الفتنة المذهبية. لذلك يبدو خطيرا دفع لبنان الى مشارف فتنة طائفية ومذهبية من خلال هذا التجاذب الحاصل والذي يتناقض مع توجهات المرجعيات والعقيدة الاسلامية. والخطر يكمن في التوظيف السياسي للدين على مقاسات معينة لخدمة اهداف سياسية لا علاقة للدين بها. وبالتالي ما نشهده لا يمكن وضعه في خانة تعزيز الوحدة الاسلامية، لأنه يأخذ طرف فريق سياسي على حساب فريق آخر. نتائجه غالبا ما تكون سلبية. اما بالنسبة الى النيات فالحكم لله وليس عندنا». وعن واقع الساحة الاسلامية على رغم محاولات الايحاء بوحدتها قال السماك: «لا شك ان هناك مشروعا اقليميا يستهدف تمزيق العالم العربي بكل فئاته المذهبية والدينية والعنصرية. وهو قديم وقد جرب اكثر من مرة في السودان والجزائر والعراق، وفشل. لكن اصحاب المشروع لا يزالون يحاولون. وزج لبنان في اطار هذه العملية التقسيمية سينسحب على المنطقة، لأن لبنان بتنوعه الديني يشكل نجاح الخطة فيه ضمانا لنجاح مشروعهم في الدول العربية.