الملك عبد الله محذرا: المنطقة العربية خزان مليء بالبارود ينتظر شرارة لينفجر

قال إن «خلاف الأشقاء» هو الأخطر على قضية فلسطين.. ونبه اللبنانيين من الانزلاق في حرب أهلية ثانية.. وحذر العراقيين من الصراع المجنون

TT

حذر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، من مغبة انفجار المنطقة العربية، وهي التي كما وصفها في كلمته التي ألقاها أمس في مستهل الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الـ27 للمجلس الأعلى لدول مجلس التعاون الخليجي التي سميت بقمة امير الكويت الراحل الشيخ جابر الاحمد الصباح، بأنها «خزان مليء بالبارود، ينتظر شرارة لينفجر»، باعتبار أنها محاصرة بعدد من المخاطر. وشخص الملك عبد الله بن عبد العزيز في خطابه امام قادة دول مجلس التعاون الذين حضروا كلهم القمة التي تستمر يومين حال المنطقة العربية، تشخيصا دقيقا، فيما لم يفته أن يوجه رسائل ثلاثا للمناطق الأكثر اضطرابا في المنطقة؛ وهي: فلسطين، العراق، ولبنان. فعلى صعيد القضية الفلسطينية، أكد خادم الحرمين الشريفين أن الخلاف بين الأشقاء الفلسطينيين هو الأخطر على هذه القضية، منتقدا في السياق نفسه المجتمع الدولي، الذي قال إنه يقف موقف المتفرج إزاء تلك المأساة الدامية، والناتجة عن احتلال العدوان الإسرائيلي، الذي وصفه بـ«العدوان البغيض الذي لا يخشى رقيبا أو حسيبا». ووصف الملك عبد الله المرحلة التي يمر بها العراق بأنها مرحلة من الظلام، محذرا في ذات السياق من أن ينحدر الوضع في العراق إلى الفرقة والصراع المجنون، وخصوصا أنه «لا زال الأخ يقتل أخاه». ونبه خادم الحرمين الشريفين اللبنانيين من مغبة الانزلاق إلى حرب أهلية ثانية، وقال إن هناك سحبا داكنة تهدد وحدة الوطن اللبناني، وتنذر بانزلاقه من جديد في كابوس النزاع المشؤوم بين أبناء الدولة الواحدة. وخليجيا، أكد الملك عبد الله أنه لا تزال هناك العديد من القضايا المعلقة، ولا يزال الغموض يلف بعض السياسات والتوجهات، داعيا إلى تنسيق وتوحيد مواقف دول المنطقة الخليجية، وأن يكون هناك صوت واحد يعبر عن الخليج كله. وأمام وحدة اقتصاد الخليج، رأى الملك عبد الله أن ثمة عقبات حقيقية تقف دون تحقيق حلم الوحدة الاقتصادية، فيما حمل كافة الدول الخليجية بما فيها بلاده، مسؤولية إعاقة مسيرة المجلس الخليجي. وفرق الملك عبد الله بين المراجعة التي تؤخذ بمقاييس الواقع السياسي، وبين تلك التي يكون المقياس فيها طموحات الشعوب الخليجية، مؤكدا أن المراجعة وفقا للمقياس الأخير، ستظهر «أن كل ما توصلنا إليه لا يزال متواضعا وبعيدا عن تطلعات شعوبنا». وجاءت كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود على النحو التالي: «بسم الله الرحمن الرحيم.. الاخوة الأعزاء.. أصحاب الجلالة والسمو قادة دول مجلس التعاون الخليجي.. أصحاب المعالي والسعادة.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. يسعدني باسم الشعب السعودي وباسمي، أن أرحب بكم في وطنكم المملكة العربية السعودية، داعيا المولى جلت قدرته، أن يكون النجاح حليف هذا اللقاء، وأن نخرج منه بنتائج ملموسة تكون عزا وقوة لخليجنا ولأمتنا العربية والإسلامية. وأود في بداية عملنا أن أتوجه بالشكر العميق إلى أخي سمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، على ما أبداه خلال رئاسة القمة من حكمة وثقة، متمنيا له دوام التوفيق والنجاح. ولما كان هذا أول لقاء للقمة بعد وفاة أخينا العزيز صاحب السمو الشيخ جابر الأحمد الصباح أمير دولة الكويت، تغمده الله برحمته، فقد أطلقنا على هذه القمة اسم الفقيد الغالي لكل ما قدمه من جهود لخدمة التعاون الخليجي. أيها الاخوة الأعزاء.. إن هذا اللقاء السنوي يمثل فرصة لمراجعة ما أمكننا تحقيقه خلال العام الماضي، وما لم نستطع، بسبب أو بآخر، فالمراجعة عندما تؤخذ بمقاييس الواقع السياسي وبمعيار ما هو ممكن، ستنتهي إلى أننا حققنا منجزات لا بأس بها سياسيا واقتصاديا، أما عندما تكون مراجعة بمقاييس طموحات شعوبنا وبمعيار ما هو ضروري في هذا العصر، فسوف تنتهي ـ أي المراجعة ـ إلى أن كل ما توصلنا إليه لا يزال متواضعا وبعيدا عن تطلعات شعوبنا. إن المراجعة لا تعني اليأس أو الإحباط، بل على العكس من ذلك، فهي تجديد للعزائم، وشحذ للهمم، وكل الأحلام التي تبدو مستحيلة اليوم، ممكن أن تكون غدا أهدافا في متناول اليد بعون من الله، ثم بالنوايا الصادقة والجهود المخلصة. أيها الاخوة الأعزاء.. إن منطقتنا العربية محاصرة بعدد من المخاطر، وكأنها خزان مليء بالبارود، ينتظر شرارة لينفجر. إن قضيتنا الأساسية قضية فلسطين الغالية، لا زالت بين احتلال عدوان بغيض لا يخشى رقيبا أو حسيبا، وبين مجتمع دولي ينظر إلى المأساة الدامية نظرة المتفرج، والخلاف بين الأشقاء هو الأخطر على القضية. وفي العراق الشقيق، لا زال الأخ يقتل أخاه، ويوشك هذا الوطن العزيز أن ينحدر من الظلام إلى الفرقة والصراع المجنون. وفي لبناننا الحبيب، نرى سحبا داكنة تهدد وحدة الوطن، وتنذر بانزلاقه من جديد في كابوس النزاع المشؤوم بين أبناء الدولة الواحدة. وفي خليجنا هذا، لا يزال عدد من القضايا معلقا، ولا يزال الغموض يلف بعض السياسات والتوجهات. وفي غمرة هذه المشاكل، ليس لنا إلا أن نكون صفا واحدا، كالبنيان المرصوص، وأن يكون صوتنا واحدا، وأن يعبر عن الخليج كله؛ فبهذا الصف الواحد والصوت الواحد نستطيع أن نكون عونا للأشقاء في فلسطين والعراق ولبنان، ودعما لأمتنا العربية والإسلامية في كل مكان. أيها الاخوة الأعزاء.. عندما نتحدث عن المواطنة الاقتصادية؛ نجد أننا قطعنا شوطا، ولا يزال أمامنا الكثير حتى نستطيع القول إننا حققنا الوحدة الاقتصادية الكاملة، وأن المواطن الخليجي يعامل في كل الخليج، كما يعامل في وطنه. إن العقبات التي تسد الطريق عقبات حقيقية، ولا أحاول التقليل من أهميتها، والتحفظات التي أعاقت المسيرة لم توجد من دولة أو دولتين، بل كان لكل دولة نصيبها. إن حلم الوحدة الاقتصادية، يجب ألا يغيب لحظة واحدة عن عيوننا، ونحن بلا وحدة كيان صغير، يتأثر ولا يؤثر، وبالوحدة نبقى قوة لا يمكن تجاهلها. أيها الأخوة.. بسم الله نبدأ، وعلى هدى من الله نسير، وتوكلنا عليه وحده، إنه نعم المولى، ونعم النصير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته».