تراث وأدب وتاريخ السود الأميركيين في مرآب منزل

قصة عائلة أمينة مكتبة قضت حياتها في جمع آثار الأجداد

TT

ظلت مايم كليتون تعمل لوحدها تنفق الراتب الذي كانت تتقاضاه لقاء عملها فنية في مكتبة عامة وفي وقت لاحق مخصصاتها المالية الخاصة بالضمان الاجتماعي من أجل تجميع واحدة من ابرز الوثائق الخاصة بتاريخ الأميركيين السود في العالم وخزنتها في مرآب منزلها. ويقول ابنها آفيري ان المرآب مزود بطاولات ومقاعد، تماما كما أي مكتبة عامة. إلا ان جزءا من سقف المرآب متآكل وربما يسرب بعض المياه. هناك أعداد كبيرة من الكتب على الأرفف من أرضية المرآب وحتى سقفه، فضلا عن خزانات وصناديق من الورق المقوى ممتلئة بالصور الفوتوغرافية والمجلات والرسوم الكاريكاتورية والمراسلات والمجلات وملصقات إعلانات. كل هذا المواد تغطيها طبقة ناعمة من الفطريات. يبدو الطلاء المتقشر وكأنه هو الذي يساعد المرآب على الوقوف متماسكا في أحد اطراف حديقة منزلية طويلة الحشائش خلف منزل من طابق واحد في حي سكني متواضع. للحظة قبل النظر الى ظهر كل كتاب على الأرفف في الضوء الخافت، بدا المرآب اشبه بمخبأ قديم في انتظار الجرافة لينتهي به المطاف في مكب انقاض البنايات القديمة. تقول سو هودسون، المسؤولة عن قسم المخطوطات الأدبية بمكتبة هانتينغتون شرق لوس انجليس، ان هذه أميز مجموعة من أدب السود الاميركيين والمخطوطات والأفلام، وأضافت قائلة ان هذه المجموعة اذا نقلت من هذا المكان وتم تأمينها وتنظيفها وتصنيفها ستصبح واحدة من اميز مجموعات الأرشفة في الولايات المتحدة الى جانب مجموعة فيفيان هارش بمكتبة شيكاغو ومركز سكومبيرغ لبحوث ثقافة السود في مكتبة نيويورك العامة. كما ان هاوارد دوتسون، مدير المركز، وصف في حديث له لـ«لوس انجليس تايمز» مجموعة مايم كليتون بأنها «رئيسية ومهمة». ويقول آفيري، وهو معلم فنون متقاعد يعمل بجدية في المحافظة على هذا التراث الذي جمعته والدته، ان هذا المتوفر الآن لا يعدو ان يكون جزءا محدودا من المجموعة، وأضاف ان بقيتها موزعة في مخازن في لوس انجليس وفي مستودع للأفلام يضم أرشيفا به ما يزيد على 1700 فيلم سينمائي، ويعتبر هذا الأرشيف اكبر مجموعة لأفلام الأميركيين السود قبل عام 1959 في العالم. ربما نسى كثيرون ان الأميركيين السود كان لهم انتاجهم السينمائي ايضا، إذ بلغ عدد هذا الأفلام حوالي 600 عرضت في دور السينما الاميركية وبرز فيها نجوم مثل لينان هورن وديوك ايلينغتون وكاثرين دانهام وسامي ديفيز. كما برز من السود في مجال الإخراج السينمائي اوسكار ميشو. وعثرت مايم كليتون على نسخ اصلية للكثير من أفلام ميشو، بما في ذلك الفيلم الصامت المنفى الذي انتج عام 1931. تشمل مجموعتها النفيسة أول كتاب نشر في الولايات المتحدة وكانت مؤلفته من أصل أفريقي وتدعى فيليس ويتلي، وعنوان الكتاب: «اشعار على مواضيع دينية وأخلاقية مختلفة»، ويعود تاريخ صدوره إلى عام 1773، حينما كانت الشاعرة آنذاك من العبيد في بوسطن. وكلايتون تمتلك النسخة الوحيدة المعروفة موقعة بخط المؤلفة؛ ودفعت 600 دولار لشرائه في عام 1972وهو أكثر بكثير مما تدفعه عادة لشراء الانتيكات. فهي عادة كانت ترتاد أسواق السلع المستعملة وحينما يتوفى الكبار في السن كانت تذهب إلى علِّيات بيوتهم.

وفي المرآب يمكن للمرء أن يشعر بأنه في صندوق نفائس غريب. فهناك الطبعات الأولى من مجلات ايبوني وكتاب دنزل واشنطن «السود في تنيسي: من 1865 وحتى 1880».

وحصلت أمه على المجموعة الكاملة لأول صحيفة تطالب بإلغاء العبودية في أميركا وعنوانها «المستودع الأفريقي» والتي تعود إلى فترة 1830 ـ 1845. ومن بين المخطوطات هناك تأكيد على صحف سبقت الحرب الأهلية: بطاقات سفر وفاتورات بيع العبيد، وسجلات المزارع.

وفي مقابلة جرت مع إذاعة «إن بي آر» قالت مايم كلايتون «بدون أن تعرف أصلك لن تتمكن أن تعرف إلى أين أنت ذاهب». وولدت كلايتون في مدينة فان بورن بولاية اركنسو وذهبت إلى نيويورك عند بلوغها سن الحادية والعشرين للعمل كعارضة ومساعدة مصور، حيث قابلت زوجها الحلاق الذي يزيدها في السن بستة عشر عاما، والذي أعادها إلى لوس انجليس حيث عاشت في البيت نفسه حتى وفاتها. وكانت كلايتون معروفة بين جيرانها بحبها لجمع التحفيات. وتمكنت من الحصول على ماجستير ودكتوراه وقضت معظم سنوات عملها كأمينة مكتبة في جامعة كاليفورنيا الجنوبية وبدأت بشراء مجموعتها من التحفيات بسبب أن الجامعة لم تكن متحمسة لشراء التحفيات التي صنعها الاميركيون من أصل أفريقي.

ويتذكر افري كلايتون أن أمه ظلت تجمع التحفيات حتى أواخر حياتها. وقال «اشترت ملصقا بآلاف الدولارات قبل أشهر قليلة من وفاتها ولا أعرف من أين جلبت النقود». كان البوستر لفيلم يدور حول راعي بقر أسود اسمه «بوكارو البرونزي».

وتمكن كلايتون من جمع عدد من المتطوعين. فهو بحاجة إلى جمع مبلغ 7 ملايين دولار، لكنه لا يبدو قلقا من عدم تمكنه تحقيق ذلك. وحتى الآن منحته شركة كلفر ستي أرضا للإيجار مساحتها 24 ألف قدم مربع مقابل دولار واحد في السنة، وستقوم جامعات عديدة بتقديم المساعدة التقنية للعناية وتنظيم المقتنيات. وقال أفري إنها ستخرج من المرآب خلال أسابيع قليلة أي «قبل بدء أمطار الشتاء»حسب قوله.

وقالت جولي بيج، رئيسة قسم الصيانة في جامعة كاليفورنيا، والتي تدير هذه العملية: «أنا متلهفة جدا لإخراج كل هذه من الكراج. هذه المجموعة هي بحاجة فعلا لأن تكون في مكان آمن وأمين».

*خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»