عراقيات: «الإرهاب» صادر حقوقنا.. وتبخرت آمالنا

«البعث» شجع على مشاركة المرأة بشكل كامل لكن سنوات الحرب غيرت ذلك

TT

شعرت زهرة خالد بالدوار لمشهد شامبو البرتو وبعض مواد الماكياج. وقبل مغادرة بيتها غطت جسدها بعباءة سوداء مع غطاء رأس أسود حول شعرها البني الكثيف. وطلبت من أخيها أن يسوق. وبذلك تكون قد قامت بكل ما يفترض بالنساء اللواتي يعشن في بغداد أن يفعلنه لتجنب جذب الانتباه إليها. إنها المرة الأولى التي تترك بيتها منذ شهرين. قالت معلقة: «بالنسبة للمرأة، هذا أشبه بالسجن، أنا لا أستطيع الذهاب إلى أي مكان». أصبحت الحياة أكثر صعوبة بالنسبة لمعظم العراقيين منذ تفجير الروضة العسكرية في سامراء وما ترتب عليه من تصعيد لأعمال القتل الطائفية وزيادة الانفلات من القانون. وبالنسبة للكثير من النساء أصبح هذا الوضع لا يطاق. ومع تغلغل المتطرفين في المجتمع وارتفاع حدة المواجهات الطائفية الدموية، أصبحت النساء يشعرن أكثر فأكثر بالخوف من الاختطاف أو الاغتصاب. وهن يتلقين تهديدات بالقتل بسبب خلفيتهن الطائفية ووظائفهن. كذلك يتعرضن للإساءة بسبب عدم التزامهن بارتداء ثياب التحجب المبالغ فيه من تنورات طويلة وأغطية الشعر أو سياقة السيارات.كان العراق خلال الجزء الأكبر من القرن العشرين واحدا من أكثر البلدان في الشرق الأوسط انفتاحا من حيث معاملة المرأة، إذ تم تشجيعها للذهاب إلى المدرسة والدخول في ميادين العمل. وشجع حزب البعث على مشاركة المرأة بشكل كامل في المجتمع. لكن سنوات الحروب الطويلة غيرت من ذلك.

في الأيام التي تلت غزو الولايات المتحدة للعراق عام 2003، كان الكثير من النساء يأملن بكسب درجة أكبر من المساواة مع الرجال. وقال الرئيس بوش إن زيادة حقوق المرأة أساسي بالنسبة للعراق الديمقراطي الجديد. لكن المقابلات التي جرت مع 16 امرأة عراقية تتراوح أعمارهن ما بين 21 و52 سنة، أوضحت أن تلك الآمال التي تلت الحرب قد تبخرت تماما. وقالت النساء الأصغر سنا إنهن يخشين اليوم الاختطاف أثناء ذهابهن إلى المدرسة وهن يتساءلن اليوم إن كانت الشهادات الجامعية اليوم تعني أي شيء بالنسبة للعراق الجديد. أما النساء الأكبر سنا واللواتي يشعرن بالفخر بتعليمهن ووظائفهن، فهن يراقبن استقلالهن يتسرب من بين الأصابع.قالت إنعام السلطاني، 36 سنة، زعيمة حركة المرأة التقدمية، التي تعد منظمة غير حكومية: «في البداية كنا مسرورات جدا لتلك الإنجازات والمكاسب وكنا بانتظار تحقق المزيد. لكن النساء الآن محجَّمات». كانت زهرة خالد، 30 سنة، تعمل محاسبة في وزارة التخطيط حتى تسلمها تهديدا قبل أربعة أشهر، مما جعلها تترك الوظيفة، وتنتقل إلى بيت آخر وتبدل هاتفها. وقالت: «نحن نعاني الآن. الحرب صادرت كل حقوقنا. نحن لا نمتلك أي حرية بسبب الإرهاب».

تحت وطأة هذا الوضع، يجد الكثير من النساء المتعلمات والحرفيات أنفسهن في حيرة أمام هذا السؤال: البقاء أم مغادرة العراق. لا تريد منى نوري، 52 سنة، والتي تعمل مدرّسة في ثانوية، أن تغادر البلد حتى لو كان ذلك يعني أن عليها أن تلتزم بالقواعد التي لا تؤمن بها.

وكطالبة جامعية في عام 1974 كانت منى نوري تظهر شعرها الأسود الطويل وترتدي التنورات القصيرة. وكانت تتمشى في الحي الجامعي مع أصدقائها الذين كان أغلبهم ذكورا.

وكشخص راشد ظلت هي وبنتاها ـ تبلغ إحداهما العشرين والأخرى السابعة عشرة ـ يتمشين في حيهن السكني ويرتدين ما يشأن من ملابس.وقالت: «أنا أعتبر نفسي وبناتي نساء متحررات. نحن نخرج ونمشي في الشارع. هذا حتى السنة الماضية. لكن هذه السنة، الامور أصبحت أكثر صعوبة. كل يوم هو أسوأ من سابقه». لكن زوجة أحد الحراس الأمنيين في مسجد يقع على الطرف الآخر من الشارع، حثتها على ارتداء غطاء الشعر لسلامتها.

وقبل تفجر العنف الطائفي في مدينة الصدر الشهر الماضي، قال رجل الدين المتشدد مقتدى الصدر: «هناك بعض الأصوات تتحدث ضد الحجاب من داخل وخارج الإسلام. أنا أقول إن الحجاب سيبقى حماية لنسائنا، وأنا أدعو أخواتنا أن يكن صبورات وألا يسمعن لتلك الأصوات». تعتبر منى نوري نفسها امرأة متدينة. فهي تصلي وتقرأ القرآن. والإسلام الذي تعرفه لا يقمع النساء. «أظن أن الإسلام أكثر تحررا من ذلك». ومثل منى نوري، ظلت بشرى الشمري، 42 سنة، امرأة مستقلة. لكن ذلك تغير خلال الأشهر القليلة. فهي أصبحت تتلقى نظرات غاضبة من عيون الرجال أثناء سياقتها سيارتها. كذلك راح أقاربها يلحون عليها أن تترك السياقة خوفا على حياتها.

وقالت الشمري التي تحمل شهادة دكتوراه في علم النفس، وتعمل استاذة في الجامعة: «أصبح الوضع سيئا جدا بحيث ان من الممكن للمرأة التي تسوق أن تُذبَح لهذا السبب، والمرأة التي لا تضع غطاء فوق رأسها تُذبَح أيضا».

*خدمة «واشنطن بوست» ـ (خاص بـ«الشرق الأوسط»)