البوسنة: أسواق المساجد تساهم في حل مشاكل البطالة

المساجد في البلقان تحولت إلى أسواق تجارية تعمل على مدار الأسبوع

TT

من مكان للتدريب على المهارات الرياضية، كالجودو والكاراتيه والكونفو والتيكواندو والايكيدو والمبارزة بالسيف وغيرها، إلى جانب كونها مكانا للكشف الطبي الاولي والاسعافات الاولية، والدورات التدريبية على المهارات المهنية، وتقديم المشورات المختلفة في كل التخصصات، إلى جانب كل ذلك تحول الكثير من المساجد في مدن وقرى البلقان إلى اسواق تجارية تعمل على مدار الأسبوع. كانت الاسواق في السنوات الماضية تقام أيام الجمعة فقط في مساجد الارياف البلقانية، حيث يتجمع الاهالي في ذلك اليوم للصلاة، والتبضع والتسوق ولقاء بعضهم البعض، بعد 7 أيام من الانشغالات الفردية والانتشار في الارض، طلبا للرزق وفلاحة الارض وغير ذلك. أما الآن فالاسواق قائمة طيلة أيام الاسبوع، ليس في القرى فحسب، بل في المدن بالدرجة الاولى. تتنوع مبيعاتها من الملابس النسائية المختلفة إلى العطور الشرقية والمسابح والكتب الدينية المحلية والمترجمة لتوها عن اللغات العربية والانجليزية والفرنسية والالمانية وغيرها. يقول عبد الله لـ«الشرق الاوسط» وهو يحمل ليسانس تجارة، «ليس عيبا أن يعمل الانسان، بل العمل واجب شرعي قبل أن يكون ضروريا لكسب المعيشة، وهو بذلك عبادة». وحول ما إذا كان يحصل من ممارسة التجارة المسجدية، كما يسمونها، على ما يكفيه، قبل يده اليمنى ظاهرا وباطنا تعبيرا عن الرضا، من دون أن ينبس ببنت شفة. عمر وهو عربي من المغرب العربي، لم يكشف عن سر وجود سلع وتوابل من البلاد العربية، ولا كيف تصل إلى البوسنة، قال «كل شيء بفضل الله، هناك من يقوم بذلك ويسلمنا البضاعة». أما طارق، الذي يبيع الكتب، فيذكر أن «هناك أخوة بوسنيين في البلاد العربية يزودوننا بالكتب النافعة، ونحن نقوم بترجمتها وطباعتها وتوزيعها». وحول أسباب البيع أمام المساجد وفي جنباتها وليس في المكتبات قال، «توجد هذه الكتب في المكتبات، نحن دولة ديمقراطية، ولكن الناس لا يلتفتون لهذه الكتب إلا إذا شاهدوها معروضة في المساجد، فهم لا يعلمون إن كانت مفيدة أم لا، ولكن عندما يشاهدون الاشرطة والكتب هنا يقبلون عليها». وجوه لا تفارقها الابتسامة العريضة، وهي تفحص وجوه الحرفيين العتقية والجديدة، ولا بأس من السؤال عن البلد والمهنة وأسباب الزيارة، وما إذا كنت مرتاحا في البلد، قبل أن يعرض عليك البائع ما لديه من سلع «لدينا عباءات عربية والسواك وعطور مختلفة، هذا مسك وهذا عود وهذه خلطة متنوعة...». هناك أيضا باعة السجاد، فهناك سجاد للصلاة، وأخرى للبيوت وثالثة لكراسي السيارات والدراجات النارية والدراجات الهوائية. ولا يمكنك الافلات من تجار السجاد، فإلى جانب مقدرتهم الفائقة على التسويق يحذرونك بلباقة من العودة بلا شيء، إلى من حيث أتيت، ولا يبقى أمامك سوى الخضوع بقرار شخصي.

أسعار المعروضات أمام المساجد مغرية للغاية، سجادة للصلاة بـ5 يورو، تمر المدينة المنورة بـ2 يورو، والمسبحة بيورو واحد. أما ملابس النساء والعباءات وسجاد البيوت فاسعارها مرتفعة نوعا ما، ولكنها أقل من أسعار السوق بالتأكيد. الكتب والخرائط منتشرة بكثرة، بعضها مترجم عن اللغة العربية، وهي كتب تمت ترجمتها على الفور هذا العام وبتاريخ قريب جدا من صدورها بلغتها الاصلية، مما يدل على أن حركة الترجمة نشيطة في البوسنة بشكل كبير ومبرمج. كتب عن العراق وفلسطين وأفغانستان، إلى جانب الكتب العقائدية والكتب التي تهتم بالعبادات، كالصلاة والزكاة والحج وصوم رمضان والحجاب، وكتب فكرية اسلامية تؤكد وحدة القيم الانسانية وتؤصل للديمقراطية وحقوق الانسان والاعتراف بالآخر والتعايش مع الاختلاف الثقافي والديني والاثني والمذهبي، وفي هذا الاطار تبرز كتابات، طارق رمضان وراشد الغنوشي وحميد الله. ظاهرة تجارة المساجد لا تكشف عن حركة جديدة في المجتمع البلقاني، وبالخصوص البوسنة وكرواتيا ومقدونيا وكوسوفو وألبانيا فحسب، وإنما عن حل جديد لظاهرة البطالة، فقد استوعبت المساجد عددا كبيرا من العاطلين، ومن بينهم عرب ومسلمون من آسيا وافريقيا، حيث مثلت تلك التجارة حلا دائما لوضع البطالة الذي كانوا يعيشونه.