انتخابات إيران: تراجع أنصار الرئيس الإيراني لصالح التيار المعتدل

فيما اعتبر «نكسة» لشعبية نجاد وعودة قوية لرفسنجاني

TT

اظهرت النتائج الاولية للانتخابات الايرانية المزدوجة على مستوى مجلس الخبراء والمجالس البلدية على حد سواء تحولا في المزاج الشعبي الايراني تمثل في تراجع لوائح انصار الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد في مواجهة شخصيات محافظة اقل راديكالية، الامر الذي اجمع المراقبون على وصفه بـ«النكسة» للرئيس الايراني المتشدد.

في المقابل، حقق معسكر الاصلاحيين تقدما مفاجئا وان ليس كبيرا بعد هزائم مريرة مني بها في الانتخابات السابقة مما يعيده بقوة الى الساحة السياسية تمهيدا للانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة. ولعل النتيجة الابرز تتمثل بالتصويت الكثيف المفاجئ لصالح حليف الاصلاحيين الرئيس الاسبق اكبر هاشمي رفسنجاني الذي حقق انتصارا رمزيا في انتخابات مجلس الخبراء رسخ موقعه بعدما كان قد مني بهزيمة قاسية في مواجهة نجاد في الانتخابات الرئاسية عام 2005.

وقد دلت النتائج الاولية التي نشرت امس اخفاق المحافظين المتشددين المقربين من الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد في تسجيل نصر كاسح مقابل تسجيل التيار المعتدل اداء جيدا، فضلا عن تسجيل الاصلاحيين نتيجة جيدة في انتخابات مجلس بلدية طهران ذي الاهمية الكبيرة لينهوا بذلك الهيمنة الكاملة للمحافظين على المجلس منذ الانتخابات المحلية الاخيرة في فبراير (شباط) 2003.

وقد شدد المحلل السياسي الايراني آية الله شمس الواعظين في حديث لـ«الشرق الاوسط» على «التقدم المدهش للاصلاحيين رغم كل الانسدادات السياسية وكل المحاولات لمنعهم من الفوز» مشيرا في الوقت نفسه الى وجود «تلاعب بالاصوات من جانب الالة التنفيذية التي تنظم الانتخابات لصالح لوائح انصار نجاد».

واعتبر المستشار في مركز الشرق الاوسط للدراسات الاستراتيجية في طهران ان تراجع انصار نجاد في انتخابات مجلس بلدية طهران «دليل على محاسبته لاخفاقه في السياسات الداخلية والخارجية ووجود انتقاد كبير لدى الهياكل الاجتماعية لادائه على المستويين الداخلي والخارجي في المدة القصيرة التي قضاها في الحكم حتى الان» اي مدة عام ونصف العام. وقد جاء منافس رفسنجاني الابرز المحافظ المتشدد محمد تقي مصباح يزدي الذي يعتبر المرشد السياسي للرئيس احمدي نجاد، في مرتبة متأخرة عن رفسنجاني في انتخابات مجلس الخبراء اذ احتل رفسنجاني المرتبة الاولى في حين جاء مصباح يزدي في المرتبة السادسة. وافادت التقارير ان حلفاء مصباح يزدي فشلوا في الفوز بمقاعد في مدينة مشهد ثاني اكبر المدن الايرانية.

الا ان شمس الواعظين ذهب ابعد من ذلك في تقدير اهمية النتائج التي حققها رفسنجاني اذ اعتبر ان «التصويت العالي الذي حظي به الرئيس رفسنجاني في مجلس الخبراء يشير الى احتمال وجود تلاعب ما في الانتخابات الرئاسية الاخيرة» التي اتاحت وصول عمدة طهران السابق ذي الشعبية الواسعة في صفوف الفقراء الى سدة الحكم. ويشرح شمس الواعظين ان «رفسنجاني عوض بعضا من خسارته من جهة كما اوضح، من جهة اخرى، أن الخسارة التي مني بها في الانتخابات الرئاسية الاخيرة كان لها بعد سياسي قبل ان يكون لها بعد تنافسي» معتبرا انه «بسبب عدم تمتع مجلس الخبراء بأي قوة مؤثرة على السياسة الايرانية فان القوى المحافظة لم تقم بالتلاعب الذي كان عليها ان تقوم به لكي تضمن عدم وصول رفسنجاني الى الحكم» في انتخابات عام 2005.

ورغم ان النتائج لم تأت مرضية لحسابه، فقد اشاد احمدي نجاد بنسبة المشاركة العالية والتي بلغت ستين في المائة في الانتخابات مشددا في الوقت نفسه على ان هذه الانتخابات لم تكن اختبارا لشعبيته. واعتبر نجاد خلال تفقده لجنة الانتخابات ان «يوم اجراء انتخابات مجلس خبراء القيادة والمجالس البلدية والقروية ملحمة كبرى سجلها الشعب الايراني» حسب ما نقلت عنه وكالة الانباء الايرانية الرسمية.

وتابع ان «شعوب العالم تعتبر ايران نموذجا لها وان جميع اصحاب النوايا السيئة والذين كانوا ينتظرون مشاهدة نقص في هذه الانتخابات او قلة مشاركة فوجئوا بنشاط المواطنين وحضورهم الحماسي».

وتقدم النتائج الاولية للانتخابات البلدية صورة مختلطة تؤكد ان الحلفاء المقربين من احمدي نجاد لن يهيمنوا على مجالس المدينة خلال السنوات الاربع المقبلة.

اما في مدينة اصفهان، ثالث اكبر المدن الايرانية، فقد فاز الاصلاحيون بثلاثة مقاعد في مجلس المدينة، فيما ذهبت الاماكن الثمانية المتبقية الى خليط من الموالين لاحمدي نجاد والمستقلين، حسب صحيفة «جمهوري اسلامي» اليومية.

ورغم انه من غير المتوقع ظهور نتائج انتخابات مجلس مدينة طهران حتى الاسبوع المقبل، الا ان التقارير غير الرسمية اشارت الى ان مقاعد المجلس ستقسم ما بين اصلاحيين وحلفاء احمدي نجاد وتكنوقراط محافظين.

وذكرت وكالة انباء «فارس» ان التكنوقراط المقربين من عمدة طهران الحالي محمد باقر قاليباف، رئيس الشرطة السابق، حققوا افضل نتيجة في الانتخابات في مجلس الخبراء.

ولمجلس الخبراء وظيفة اساسية تتمثل بمراقبة انتخاب المرشد الاعلى للجمهورية ومساءلته وعزله اذا اقتضى الامر الا ان هذه الوظيفة تبقى شكلية وتحول دون مراقبة فعلية لادائه اذ ان مرشد الجمهورية الاسلامية هو الذي يعين اعضاء مجلس صيانة الدستور الذين يحددون بدورهم مدى اهلية المرشحين لمجلس الخبراء. وكان رجال الدين المحافظون حرصوا على ابقاء هذه الهيئة بعيدا عن جدل السياسات اليومية. ويتوقع المراقبون ان تبقى على هذه الحال حتى بعد التغييرات فيها.

وقد افادت وكالة الانباء الايرانية ان لائحة قاليباف حصلت على تسعة من المقاعد الـ15 في مجلس الخبراء في حين توزعت المقاعد الباقية بين انصار احمدي نجاد والمعسكر المؤيد للاصلاحيين. ويرى محللون ان النتائج الاولية لهذه الانتخابات تمثل ضربة لشعبية الرئيس الايراني الا انهم يقللون من قدرتها على التأثير على سياسات النظام الايراني.

ويقول شمس الواعظين رئيس جمعية الدفاع عن حرية الصحافة في ايران ان تأثير التغيير الذي احدثته هذه الانتخابات «لن يكون كبيرا» شارحا ان «الشخصيات الايرانية تكون مؤثرة على بعض السياسات وهذا سيعزز من موقع الرئيس رفسنجاني وسيعطيه قوة دافعة ليسيطر اكثر ولو معنويا على مجريات الامور في المستقبل». وعلى مستوى المعسكر المحافظ، فان التراجع في قوائم انصار الرئيس الايراني يدل، كما يرى المحللون، على ميل الرأي العام الى اختيار شخصيات اكثر اعتدالا.

ويرى هؤلاء ان هذه النتائج قد تدعم المحافظين المعتدلين الذين يرون ان نجاد يحاول احتكار السلطة في المقربين منه ويتجاهل الشخصيات المحافظة البعيدة عن هذه الحلقة.

وقال المعلق السياسي المحافظ امير محبيان «انها اشارة لاحمدي نجاد» معتبرا في الوقت نفسه ان الرئيس الايراني لا يزال يحظى بشعبية واسعة في المحافظات.

من جهة اخرى، سجلت المرشحات النساء فوزا في المجالس البلدية في عدد من مدن الاقاليم، على ما اوردت وسائل الاعلام الايرانية.

وفي مدينة شيراز، فازت الطالبة الشابة فاطمة هوشمند، 25 عاما، القريبة من الاصلاحيين في انتخابات المجلس البلدي.

وفي اراك، تصدرت الاصلاحية الشابة فريبة اباقيري لائحة المرشحين في هذه المدينة، وهي تترأس مصلحة شباب «جبهة المشاركة» ابرز الاحزاب الاصلاحية.

وفي اردبيل وزمجان وهمدان شمال غربي البلاد، حصلت النساء ايضا على اكبر نسبة من الاصوات، حسب ما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية.

وترشحت اكثر من سبعة آلاف امرأة من اصل 235 الف مرشح لشغل نحو 113 الف مقعد في المجالس البلدية.