محللون وأكاديميون: أطراف في الحكم تعتبر نجاد رئيسا مثيرا للمتاعب

يستغل العداءَ للغرب لتلميع شعبيته داخليا.. وواشنطن تقيمه خطأ

TT

هناك نكتة في ايران تقول ان شخصا سأل الرئيس الايراني المحافظ السابق أكبر هاشمي رفسنجاني عن الاسم الذي سيطلق على الطريق السريع قيد الانشاء الممتد من شمال العاصمة طهران حتى الحدود، فأجابه «طريق الشهيد احمدي نجاد». وفي هذه النكتة، اشارة الى أن الأطراف التي تحكم ايران تجد ان الرئيس الميال الى النزاع والذي لا يزال حيا يرزق، هو رئيس مثير للمتاعب. وهناك مؤشرات اخرى اكثر اهمية. ففي الأيام التي سبقت الانتخابات العامة يوم الجمعة الماضي لانتخاب مجلس الخبراء، جرى اقصاء بعض المرشحين الذين تحالفوا مع المرشد الديني لأحمدي نجاد باعتبارهم غير اكفاء. وفضلا عن ذلك، قامت مجموعة من الطلاب عندما زار الرئيس جامعة أمير كبير في طهران الأسبوع الماضي، باحراق صوره هاتفين «الموت للديكتاتور». وفي اطار تقييم التحالفات المتغيرة بين رجال الدين، قال ولي نصر، مؤلف كتاب «انبعاث الشيعة» وأستاذ القضايا السياسية الشرق أوسطية في معهد البحرية العالي في مونتيري بكاليفورنيا «هناك انشقاق في ايران. والنظرة التي لدى الولايات المتحدة حول ايران كونها بلدا متماسكا في ظل هذا الزعيم الفوضوي ليست نظرة صائبة». فالتصدعات الأولى لصورة احمدي نجاد الشعبية جاءت في لحظة يمكن أن تكون مهمة. وكانت مجموعة دراسة العراق قد اوصت بأن تفتح الولايات المتحدة حوارا مع ايران.

واستنكرت أصوات اخرى في واشنطن الفكرة. ويشبه كثير من الاسرائيليين، وبينهم رئيس الوزراء يهود أولمرت، أحمدي نجاد بهتلر والجمهورية الاسلامية بالرايخ الثالث، ويبدو ان احمدي نجاد غالبا ما يجعل هذه المقارنة صائبة عبر اللعب على المواقف المعادية للسامية. وفي الأسبوع الماضي، استضافت ايران مشككين في الهولوكوست من مختلف انحاء العالم. وتعتبر صورة احمدي نجاد كعدو للغرب وسيلة لتلميع صورته الشعبية في داخل البلاد وتضفي المزيد على ما يتمتع به في الشارع العربي مما يغذي احلام رجال الدين بزعامة مسلمي العالم.

وقال أكبر غانجي، المعارض الايراني البارز، في حديث له بجامعة ستانفورد «ما من شخص توجه اليه اسئلة حول الديمقراطية وحقوق الانسان في ايران، ما من شخص يسأله عن سبب قتل وسجن المعارضين. هذا كعب اخيل البلاد وليس لديهم جواب».

ويقول معظم المحللين والأكاديميين الايرانيين في الجامعات ومعاهد البحث الأميركية انهم يدعمون بقوة التفاوض مع ايران. غير ان البعض يرتاب بحكمة مثل هذه المحادثات في الوقت الحالي، مشيرين الى أن الولايات المتحدة بحاجة الى استراتيجية بعيدة المدى لمجابهة النظام بدلا من اجراء مناقشات تستند الى الحاجة لسحب القوات الأميركية من العراق.

ويرفض الخبراء الايرانيون، أولا، المقارنة مع هتلر. ويشيرون الى أن الرئيس أحمدي نجاد لا يسيطر على القوات المسلحة، التي تفتقر الى سلاح الجو والبحرية على أية حال. والاقتصاد عاجز الى حد ان ايران، الدولة البارزة في انتاج النفط، يتعين عليها ان تستورد ما يقرب من 40 في المائة من البنزين. وقال ايرواند ابراهاميان، الخبير في حركات المعارضة الايرانية في كلية باروخ «آن الأوان لاجراء تدقيق للواقع، فايران قوة دولة من العالم الثالث». إلا ان احمدي نجاد يواجه قيودا شبيهة بتلك التي واجهها الرئيس السابق محمد خاتمي والمتمثلة في أن على القوات المسلحة البالغ عددها 450 ألف شخص، ودوائر القضاء والإعلام، أن ترفع تقاريرها إلى المرشد الأعلى للجمهورية آية الله علي خامنئي. هناك انقلابات غريبة في التصورات الأميركية حسبما يقول نصر. فحينما كان المعتدل خاتمي رئيسا لإيران تجاهلته الولايات تماما باعتبار أن المرشد الأعلى هو السلطة الحقيقية. والآن يعتبر أحمدي نجاد سبب المشكلة، رغم ان المرشد لا يزال يتمتع بالسلطات نفسها. عبّر غانجي الذي قضى ستة أعوام في السجن عن دهشته من طريقة تفكير مراكز أميركية مثل «مجلس العلاقات الخارجية» أو برامج مثل «60 دقيقة» لمحطة «سي بي اس نيوز»، اذ انها تسمح لموضوع نكران المحرقة بالتغطية على ما تقوم به الحكومة الإيرانية من قمع سياسي لمعارضيها. فخلال لقاء استمر 90 دقيقة، قال بعض المشاركين من أعضاء مجلس العلاقات التجارية إنهم لا يستطيعون تذكر أي سؤال طرح على أحمدي نجاد حول الانتخابات المحدودة وقمع الصحافة المعارضة ولا عن سبب ارتفاع نسب البطالة في إيران واعتقال أصحاب المدونات الالكترونية أو مصادرة أطباق الفضائيات، ولا حول فرض رقابة على الأدب. ولم يسأل أحد عن أحداث الشغب التي أثارها الناجون من الزلزال الإيراني والذين عبروا عن امتعاضهم لإعطاء الأموال لمساندي حزب الله كي يبنوا بيوتهم التي دمرتها إسرائيل. وقد ترددت أصوات أميركية كثيرة تطالب بضرب إيران بشدة. وجاء في مقالة نشرت في صحيفة «لوس انجليس تايمز» الشهر الماضي كتبها جوشوا مورافتشيك الأكاديمي في معهد «أميركان انتربرايس»، أن «علينا أن نقصف إيران»، معتبرا أن العمل الدبلوماسي لم يكن فعالا. لكن المحللين الإيرانيين يرون أن أي هجوم عسكري سيقوي النظام. وبعضهم تساءل عن الحكمة في التفاوض الآن، محاججا أن الغرب شوه صورة أحمدي نجاد وإيران باعتبارهما خطرا على السلام، وأن إيران مقتنعة بأنها تمتلك قوة كبيرة جدا ولا تشعر بأنها تحت ضغط كاف كي تقدم تنازلات. وقال مهدي خليجي، الأستاذ في معهد واشنطن، إنه «نوع من التفاؤل المبالغ فيه الاقتناع بإمكانية إجراء المفاوضات في هذا الوضع».

بالنسبة لإيران، تحتاج الولايات المتحدة لأن تكون أكثر مواجهة في الجلسات الخاصة، وأكثر ميلا للقتال علنا، حسبما قال مصدر خليجي. فعلى سبيل المثال، بدلا من التهديد بتغيير النظام وعدم القيام بأي شيء لدعم هذا التهديد، كان على القيادة العسكرية الأميركية أن تكون أكثر صرامة تجاه التدخل الإيراني في العراق بينما تظل ملتزمة بنبرة دبلوماسية علنا. بالنسبة للولايات المتحدة وأوروبا وإسرائيل خاصة، تشكل مسألة البرنامج النووي الإيراني الملف الأكثر اثارة للقلق. ولعل إيران لن تقتنع يوما بالتراجع عن تخصيب اليورانيوم لكن المحللين الإيرانيين يقولون إنه قبل أن تتمكن إيران من تطوير قدراتها على بناء قنبلة نووية، هناك عدة سنوات متبقية يمكن خلالها إثارة القضية داخل إيران بين أولئك الذين يعارضون الأسلحة النووية.

أما بالنسبة للعراق، فإن العراقيين والأميركيين والإيرانيين يمتلكون مصالح مشتركة، حسبما قال رضا أصلان الأكاديمي الإيراني ـ الأميركي، ومؤلف كتاب «الأصول، التطور ومستقبل الإسلام»: «ظلت إيران تدعم الحكومة العراقية المنتخبة ديمقراطيا، ولعل ذلك بسبب سيطرة الشيعة العراقيين عليها. والأكثر من ذلك، حسبما يقول هؤلاء الخبراء، هو أن إيران تخشى بشدة احتمال تفكك العراق، فهي لا تريد أن تبرز دولة سنية متطرفة على حدودها أو دولة كردية قد تؤثر في الأقلية الكردية بإيران، وهي تخشى أن تدفع أي حرب أهلية الملايين من الفقراء الشيعة كي يغادروا العراق صوب إيران. وأخيرا، تريد أن يعود الجنود الأميركيون إلى ديارهم».

*خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»