جيش ضارب يهدد كيان الدولة أم قوة مقاومة مدعومة بعقيدة أهلها

جدل بين صورتين نقيضتين لحزب الله:

TT

في النسخة الرابعة والحديثة من كتابه الجدلي «دولة حزب الله: لبنان مجتمعا اسلاميا» يؤرخ وضاح شرارة لأحداث حرب الواحد وثلاثين يوما الصيف الماضي في لبنان.

في هذه الدولة التي يصفها شرارة (نفدت اعداد الطبعة الثالثة السابقة خلال الحرب) يتقدم الطابع العسكري للحزب الذي اثبت قدرة على امتلاك قوة ميدانية فعلية يرى الكاتب انها لا يمكن ان تنسجم مع فكرة المواطنة ودولة المؤسسات. وفي المقابل، يدحض عمار الموسوي احد ابرز منظري حزب الله والعضو في مكتبه السياسي القطيعة المفترضة بين الحزب والدولة معتبرا ان الحزب يتمسك بنظام الطائف الذي انبثق عنه النظام السياسي في لبنان. وضاح شرارة: الحديث عن لبننة حزب الله ذر رماد في العيون لم تكشف حرب تموز (يوليو) ابعادا جديدة في البنية الرئيسية لحزب الله الا انها اظهرت قدرته على التزود بقوة ميدان فعلية وهو امر لم تنجزه الحركات العسكرية الاخرى ذات الاهداف المماثلة كالفصائل الفلسطينية او غيرها.

ويرى وضاح شرارة ان تحقيق انجاز بناء جيش ذي وجهين ظاهري ميداني وسفلي سردابي، لم يكن ممكنا لولا سيطرة الحزب على المجتمع الجنوبي، مكرسا بذلك نوعا فريدا من اللحمة التي تجعل الجانب العلائقي الشخصي يذوب تماما في الكيان الحزبي الشامل. الا ان الكاتب وهو من اقسى المنتقدين لسياسة حزب الله، يرى ان هذا الانجاز الكبير يقع على مسافة نقيض مع فكرة الدولة القائمة على المؤسسات والمواطنة. يقول شرارة «هذا الانجاز لا يمكن ان يتحقق في اطار دولة تقوم على الشراكة مع اطراف ثانية ومع سياسة قائمة على العلانية والإشراك والتسليم بنتائج الانتخابات وتداول الحكم بين احزاب مختلفة». ويرى ان «الحديث عن لبننة الحزب يبدو من باب ذر الرماد في العيون وايضا فكرة ان الحزب قابل للتفاوض على مستقبل سلاحه» معتبرا ان الحرب الاخيرة كانت فرصة لاختبار النتائج البعيدة المدى المترتبة على بنية الحزب الاسلامي لجهة قدرته على خلخلة التركيبة السياسية اللبنانية. ويتوقف شرارة عند فرادة مزدوجة في الوضع الراهن: فرادة في طبيعة المرحلة من جهة وفي شخصية الامين العام للحزب من جهة اخرى بحيث يبدو الاثنان مكملين لبعضهما البعض. اولاً فرادة تميز شخصية الامين العام للحزب حسن نصر الله عمن سبقه في تولي هذا المنصب: انتسابه القديم الى التنظيم واختباره لفترة طويلة في ايران ونشاطه في اوساط الشباب والمهنيين من ابناء جيله فضلا عن انتمائه الجنوبي... وقد تجلت هذه الفرادة في الدور الذي مارسه الامين العام للحزب خلال الحرب وبعدها وهو دور ليس مألوفا لمنصبه اذ نراه يوجه رسائل الى مناصريه عبر قناة المنار التابعة للحزب ليؤدي بذلك دور القائد بلا منازع. وتتزاوج فرادة الشخصية مع فرادة في طبيعة المرحلة نفسها بمعنى انتقال حزب الله من مرحلة العمليات المبعثرة الى مرحلة حرب التحرير الشاملة بإشراف ايراني سوري، بحسب الكاتب.

وفي هذا الاطار، يبدو اطلاق صفة الألوهة على «النصر» الذي حققه حزب الله في معركته الاخيرة مع اسرائيل امرا بديهيا في اطار ظرف يصح وصفه بانه «ظرف ذروة». يشرح شرارة ان اضلاع هذه الذروة هي اولا السلاح النووي الايراني اولا (باعتباره ذروة مسار التسليح والنفوذ) وثانيا قيام اول مواجهة عسكرية في شكل جبهة واسعة مع اسرائيل (مقارنة مع ما جرى في السابق من مجموعة من الاشتباكات المتناثرة) وثالثا القراءة للوضع الاميركي في العراق اي اعتبار الحرب بين حزب الله وإسرائيل جزء من المواجهة في الجبهة الاميركية الاسرائيلية الاكبر. ولعل اللبنة الاساسية في تركيب هذه البنية التنظيمية المتماسكة هي اللحمة الخاصة التي تربط بين عناصر حزب الله من الاسفل الى القمة والتي هي بمثابة عملية إمحاء كاملة للجانب الشخصي داخل الكيان الجديد الذي يمثله الحزب. ولعل المثال الابرز على هذه اللحمة تركيبة «الجيش السري» في الانفاق داخل الارض في الجنوب وهو مجموعة متباينة تتراوح اعمار افرادها بين 25 و55 عاما تقدم مزيجا متجانسا تماما على فرق الاعمار والخبرات.

ويرى الكاتب ان الشعائر المرئية للمجموعة تساهم الى حد كبير في قيام عملية الامحاء هذه حيث الجانب الشخصي العلائقي يختفي تماما لصالح الذوبان في الكيان الجديد الذي يؤمنه الحزب. في هذا الاطار، يبدو ما يجري اليوم في ساحات وسط العاصمة امتدادا لهذه الصورة.

يقول شرارة ان الرسالة التي يحملها المعتصمون هي الاتية: نحن الاكثرية، لسنا مقترعين لمجلس نيابي، لسنا متظاهرين ظرفيين، نحن كيان سياسي وطائفي حاضر بكل الاوقات التي يطلب فيها تجنيده والحضور الجسماني الباهر لهذا الكيان وفي كل لحظة كفيل لوحده بقتل خصوم الجماعة بمجرد انهم يشاهدون اعدادها الغفيرة (لماذا لا يزال فؤاد السنيورة في السراي الكبير وهو يرى مئات الآلاف هنا تطالب برحيله؟). عمار الموسوي: نؤمن باتفاق الطائف ولسنا خارجين عن المواطنة يشدد عمار الموسوي عضو المجلس السياسي لحزب الله وأحد منظري الحزب الاسلامي على شعارات الحزب لجهة دور المقاومة في تحرير الارض بما ينفي وجود أي تناقض، برأيه، بين دور الحزب الممول من الخارج وبين المواطنة اللبنانية. يقول «لا تزال هنالك اراض لبنانية محتلة ومن واجب اللبنانيين ان يعملوا على ازالة الاحتلال. الجيش اللبناني لظروف ما لم يكن مهيأ للمواجهة، وهو حتى هذه اللحظة لا يملك القدرات».وبالنسبة للموسوي فان امتلاك الحزب لهذه القوة الكبيرة لا تتناقض بأي شكل من الاشكال مع مفهوم المواطنة باعتبار ان سلاح المقاومة موجه وبشكل حصري الى «العدو» الامر الذي يجعل التزاوج بين الوجهين السياسي والعسكري للحزب امرا ممكنا. يقول «لو كان هنالك رابط بين قوة المقاومة والعمل السياسي كان يفترض ان تظهر قوتنا في ساحة المواجهة الداخلية ولكن هذا السلاح هو لمواجهة العدو الاسرائيلي اما في الداخل فنحن نتصرف كمواطنين لدينا حقوق وعلينا واجبات»، مشددا على ان الحزب «يؤمن باللعبة الديموقراطية». ويرى المسؤول في حزب الله ان هذه اللحمة بين الحزب وأهله امر طبيعي ويمكن ان يفسر بعاملين: انتماء المقاتلين في الحزب الى القرى بما يجعلهم ابعد ما يكونون عن صورة المرتزقة، ووجود عقيدة راسخة تجعل من دعمهم نشاط الحزب ولو بالدم «فعل ايمان».

ويقول «الحديث عن اننا نقدم مساعدات ودعما ورواتب، كل هذا مجرد كلام. نحن نقدم مساعدات مثل أي حزب لبناني وأي جمعية خيرية لبنانية وخصوصا في المناطق التي تغيب عنها الدولة وتقصر عن اداء واجباتها».

ويضيف «لقد نص اتفاق الطائف على الانماء المتوازن منذ عام 1992، من منع الحكومات اللبنانية المتعاقبة عن القيام بعملية انماء متوازن عوضا عن ان يلجأ المواطن الى حزب الله او تيار المستقبل (التابع للحريري) او غيرهما؟».

ويسرد امثلة عن نساء متوسطات السن رفضن الخروج من القرى بعد تعرضها لقصف اسرائيلي عنيف «لدعم المقاتلين وتأمين لقمة طعام لهم» معتبرا ان ذلك يعكس «ثقافة خاصة لدى هذا الشعب وهي بعيدة كل البعد عن الغوغاء». بالنسبة للمسؤول في حزب الله، فان ما يجري في ساحات وسط العاصمة اليوم يندرج في اطار التعبير عن المواطنة لا الخروج عنها مشددا مرة اخرى انه لا يعكس أي شكل من اشكال الغوغاء.وينفي المسؤول في حزب الله امكان تحول الحشد الكبير في ساحات وسط العاصمة الى مصدر تهديد مشيرا الى «محاولة واضحة من السلطة لتخويف المتظاهرين عبر دس مجموعات».

يقول «نحن متمسكون بالنظام في لبنان المنبثق عن اتفاق الطائف ولسنا في صدد تغييره او تعديله»، متحدثا عن طرف (الاكثرية) نقض موجبات تحالفه مع الطرف الآخر (المعارضة) مما ينزع عن الاكثرية الامتيازات التي تتمتع بها بفعل تنكرها لموجبات تحالفها السابق، على حد تعبيره.