إيران توسع نفوذها في أفغانستان.. وواشنطن تراقب أنشطتها

بعد العراق ولبنان

TT

شيد مهندسون أجانب، قبل عامين، طريقا سريعة تعبر الصحراء غرب افغانستان، مرورا بهذا المركز التجاري القديم ومنها للعالم الخارجي. ومد هؤلاء خط توتر عال للكهرباء، وكوابل من الألياف، مما أمن نشر خطوط الهاتف والانترنت في المنطقة.

ويمثل ذلك ثمرة جهود ايران لتصبح لاعبا كبيرا في الشؤون الافغانية، في وقت تستغل الفرص لنشر نفوذها وأفكارها عبر الشرق الاوسط.

وأتاح صعود نجم حزب الله، بدعم من ايران، امتداد نفوذ طهران في لبنان، كما ان الاطاحة بحكم صدام حسين سمحت لايران بتوسيع رقعة نفوذها في العراق. ويتزايد نفوذ ايران في افغانستان ايضا؛ فخلال الاضطرابات في الثمانينات والتسعينات، قدمت ايران الاموال والأسلحة الى مجموعات قاتلت في البداية الاحتلال السوفياتي ثم حكومة طالبان. ولكن منذ إسقاط نظام طالبان عام 2001، استغلت إيران ضعف الحكومة المحلية لتنفيذ استراتيجية أكثر تنوعا؛ إعادة تعمير من جهة وتعليم ودعاية من جهة اخرى.

ويصور السفير الإيراني محمد رضا بهرامي نشاطات بلاده في أفغانستان بأنها عمل خيري يفيد منه الجيران، مع الإقرار ببعض المصلحة الذاتية. ويقول إن ايران ترغب في تجنب تكرار فظائع العشرين عاما الماضية عندما تدفق مليونا لاجئ أفغاني عبر الحدود.

ويقول السفير الايراني ان «استراتيجيتنا في افغانستان تعتمد على الأمن والاستقرار وتطوير حكومة مركزية قوية. وذلك لا يفيد فقط الشعب الافغاني، بل مصالحنا الوطنية أيضا».

الا انه ثمة أدلة على أهداف أخرى؛ فمحطات الاذاعة الايرانية تبث الدعاية ضد الولايات المتحدة في أفغانستان. وتقول القيادات الدينية الشيعية المعتدلة في أفغانستان إن طهران تقدم أموالا للمدارس الشيعية المحافظة ولأمراء الحرب السابقين الذين لهم علاقات قديمة بأجهزة الاستخبارات الايرانية.

ومع تصاعد النزاع حول برنامج ايران النووي، تعززت نشاطات الاستخبارات الايرانية عبر افغانستان، طبقا لما يقوله المسؤولون الافغان والاميركيون. ولم يشمل ذلك عمليات الاستطلاع وجمع المعلومات فحسب، بل ايضا تجنيد شبكة من الناشطين الموالين لإيران الذين بإمكانهم شن هجمات على الاهداف الاميركية في افغانستان.

وتبنت ادارة الرئيس بوش موقفا يشجع على خفض التوتر في افغانستان، على الرغم من صعوبة ذلك. ويقول مسؤولون اميركيون انهم يراقبون الوضع عن كثب وانه لم يظهر دليل حتى الآن على وجود شحنات أسلحة تصل الى فصائل تعمل لصالح ايران، كما هو الحال في العراق، او وجود محاولات لزعزعة الاستقرار في افغانستان. وتكمن مخاوف مسؤولين اميركيين وأوروبيين وأفغان في باكستان، حليف الولايات المتحدة في الحرب على الارهاب. ويقول هؤلاء ان باكستان سمحت لحركة طالبان بإقامة دويلة داخل باكستان وقاعدة تشن منها هجماتها الانتحارية عبر حدود باكستان الشرقية. وشهدت أعداد الهجمات الانتحارية ازديادا من 23 عام 2005 الى 115 العام الحالي وأسفرت عن مقتل ما يزيد على 200 مدني افغاني. ويقول دبلوماسيون غربيون إن أهداف ايران في افغانستان تتركز على تسريع انسحاب القوات الاميركية ومنع طالبان من استعادة السلطة والإبقاء على الغرب الافغاني تحت السيطرة الإيرانية. ويقول دبلوماسي غربي بارز في غرب افغانستان انه من الضروري «الإبقاء على الاستقرار في هذه المنطقة وجعل وصول المقاتلين الوافدين من خارجها أمرا صعبا». ويقول محللون إن افغانستان تمثل نموذجا على كيفية إنفاق ايران عائدات نفطها في عدة دول بغرض تعزيز صورتها كقوة إقليمية صاعدة. ويرى دبلوماسي غربي إن ايران تستخدم تكتيكات الولايات المتحدة خلال الحرب الباردة بغرض تعزيز نفوذها في المنطقة من خلال التركيز على مشاريع الإعمار الكبيرة والدبلوماسية والعلاقات العامة. ولا يتوقف الأمر في العراق على مجرد تمويل عدد من الأحزاب السياسية والميليشيات الشيعية، إذ أعلن السفير الايراني في بغداد، حسن كاظمي قمي، أن ايران تعتزم تشييد ثلاثة مستشفيات وإقامة صندوق ائتمان بقيمة مليار دولار لقطاع الأعمال التجارية. كما ان ايران لم تمنح حزب الله أسلحة وتدريبا فحسب، بل ايضا ألاموال لإنفاقها في تشييد الطرق والمدارس ومراكز الخدمات الاجتماعية، وهي مشاريع جعلت من حزب الله حكومة أمر واقع في جنوب لبنان. يضاف الى ما سبق ان لإيران وجودا قويا ومتزايدا في سورية ايضا. ويقدم المسؤولون الايرانيون انفسهم كقوة موازية للولايات المتحدة، التي يقولون انها بددت الفرص لبسط الاستقرار في كل من أفغانستان والعراق. من جانبه، قال مسؤول ايراني رفيع المستوىى، طلب عدم ذكر اسمه، ان السياسات الاميركية في ظل الإدارة الحالية، تسببت في مشاعر استياء كبيرة في العالم. وأضاف قائلا: «أنا لا أقول ان ايران تكتسب قوة في كل أنحاء العالم. ما اقوله هو ان الولايات المتحدة تخسر نفوذها بسرعة».

وفي العاصمة الافغانية كابل، يكثر المقاولون والمستشارون وتنتشر في المدينة مشاريع المساعدات، إلا ان لإيران وجودا ايضا. فبالإضافة الى بضعة مستشارين ايرانيين في الوزارات، درب خبراء ايرانيون ما يزيد على 1200 من الأفغانيين الذين يعملون في مجال التدريس والمكتبات والدبلوماسية. وكانت السفارة الايرانية قد افتتحت العام الماضي «الزاوية الايرانية» في غرفة داخل المكتبة المركزية بجامعة كابل وزودتها بأجهزة الكومبيوتر والكتب والمجلات التي تروج لثقافة ايران القديمة ومنجزاتها الحديثة. ويقول موظفون بمكتبة جامعة كابل، ان الرغبة في زيارة الموقع الذي اقامته ايران داخل المكتبة اكثر جذبا من موقع اميركي مماثل أقيم تحت رعاية سفارة الولايات المتحدة في كابل. وتجدر الإشارة الى ان اعتماد افغانستان على إيران قد زاد بطريقة اخرى، مع تباطؤ النمو الاقتصادي في ظل هجمات طالبان؛ فكل صباح يتجمع مئات من الأفغان أمام البعثات الايرانية في هيرات وكابل للحصول على تأشيرات للعمل في ايران. وذكر المسؤولون الايرانيون انهم يتوقعون إصدار حوالى 450 ألف تأشيرة للافغان هذا العام، وهو ما يقرب من ضعف عدد التأشيرات التي صدرت في العام الماضي والتي بلغت 250 ألف تأشيرة.