2006 عام الانتخابات العربية: الإسلاميون يصعدون .. والمفاجآت تتوالى

انتخابات تشريعية في فلسطين والكويت وموريتانيا والبحرين وجزئية في الإمارات ورئاسية في اليمن

TT

عاما بعد الآخر يبحث العرب عن تقدم ديمقراطي يضيف لهم جديدا في مسيرتهم، التي يسميها البعض، بالمتعثرة، وما أن يطوي عام صفحاته، إلا ويبدأ الشارع العربي، بمثقفيه وعامته، بإعداد كشف حساب عن تجربتهم الديمقراطية ومقدار التقدم الذي أحرزوه في هذا العام.

ويمكن القول إن الحراك الاجتماعي الذي يترقبه الشارع العربي تمثل في انتخابات مختلفة شهدتها 6 دول عربية خلال العام الماضي 2006، تنوعت ما بين انتخابات رئاسية وبرلمانية وجزئية، وبغض النظر عن ماهية هذه الانتخابات في هذه الدول الست، إلا أن الغالبية، في داخل هذه الدول، اتفقت على أن كل انتخابات شكلت تغييرا حقيقا، وإن كان البعض يتحفظ على نسبة التغيير الذي أحدثته هذه الانتخابات.

ولعل أكثر ما يميز الانتخابات العربية في 2006 أنها كانت، في معظمها، متابعة لسيطرة المد الديني الذي يجتاح الشارع العربي في السنوات الأخيرة، فمن فلسطين إلى البحرين مرورا بالكويت كان وصول الإسلاميين عنوانا لها.

المفاجأة أيضا كانت عنوانا فرعيا آخر، سيطر على هذه الانتخابات، وهو الأمر الذي يعتبره المراقبون يعد انعكاسا حقيقيا لما يمكن أن تخرج به أي انتخابات نزيهة، طالما أن الرأي في الأخير لصناديق الاقتراع، وليس لنتائج 99,99% التي أثقلت كاهل الشارع العربي عقودا طويلة.

وربما كانت المفاجأة الأكبر في عام الانتخابات العربية في الانتخابات التشريعية الفلسطينية التي جرت في مطلع 2006 عندما استطاعت حركة «حماس» أن تحقق فوزا فاق كل التوقعات، وخالف كل استطلاعات الرأي التي سبقت الانتخابات، بل ان هذا الانتصار «الحماسي» وصف في إسرائيل بأنه زلزال سياسي ألقى بحركة «فتح» التي هيمنت على القرار الفلسطيني لسنوات طويلة في المعارضة لسنوات أربع مقبلة، أو أقل من ذلك، في ظل الدعوة لانتخابات تشريعية مبكرة. كما كان لافتا أن حزب السلطة (فتح) سقط في أول اختبار حقيقي أمام صناديق الاقتراع.

وبعيدا عن الإشكالية التي وضعت حركة «حماس»، التي لا تعترف باتفاق أوسلو، أمام اختبار المفاوضات باعتبارها القوى الرئيسية في الحكومة الفلسطينية، فإن وصول حماس كان مؤشرا دامغا على صعود التيار الديني في الوطن العربي، وإذا كان الإسلاميين في الجزائر قد كانت لهم تجربة مماثلة في بداية التسعينات، عندما تمكنوا من الفوز بالانتخابات التشريعية هناك، إلا أن تلك التجربة لم تكتمل وسقطت في مهدها، فيما بلغ الإسلاميون الفلسطينيون، أو حركة «حماس» التي تمثل الاخوان المسلمين، سدة الحكم وشكلوا الحكومة وسيطروا على أكبر وزاراتها. ويعتبر المراقبون أن خروج «فتح» (حصلت على 43% فقط) من الحكم في السلطة الفلسطينية، إشارة إلى التغييرات التي تشهدها المنطقة، وبلغت ذروتها في الاراضي الفلسطينية، وفتح فوز «حماس» الباب أمام وصول الإسلاميين في دول عربية أخرى.

ويرى الدكتور عبد الخالق عبد الله، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الامارات، أن أي تطور ديمقراطي ولو كان بسيطا «يعتبر أمرا إيجابيا وفي صالح الشعوب العربية»، ويضيف ان المتتبع للشارع العربي قبل عشر سنوات لا يتوقع أن تصل الأمور إلى ما هي عليه الآن «لو عدنا إلى عام 1996 لم نكن نتوقع أن تشهد دول عربية عديدة انتخابات تشريعية، وأن يتوجه الناخبون إلى صناديق الاقتراع، وهذا ما حصل فعلا»، ويتابع الدكتور عبد الخالق «أعتقد أن هناك تطورات إيجابية تحدث بالدول العربية على صعيد الاصلاحات السياسية.. نحن نلمس هذه الاصلاحات ونتوقع ارتفاع وتيرتها أيضا خلال العشر سنوات المقبلة»، وينظر استاذ العلوم السياسية في جامعة الامارات إلى سيطرة الإسلاميين في الانتخابات التي جرت خلال العام 2006 باعتباره «مؤشرا هاما سينعكس على الشارع العربي خلال الأعوام المقبلة»، مضيفا «أتوقع أن يسيطر الإسلاميون على عشر دول عربية على الأقل في السنوات القليلة المقبلة».

وفيما كانت أنظار العالم مسلطة على الانتخابات الكويتية، التي شهدت صخبا سياسيا تبعته انتخابات تشريعية في منتصف العام، بمشاركة المرأة الأولى، تصويتا وترشحا، عادت المفاجأة لتشكل عنوانا للانتخابات الكويتية، ففيما سجلت نسبة الاقبال على صناديق الاقتراع في الانتخابات البرلمانية الكويتية رقما قياسيا جديدا بلغ اكثر من 40% بفضل مشاركة النساء الواسعة النطاق وهي الاعلى منذ الستينات، عجزت 28 مرشحة، من ضمن 250 مرشحا، من الوصول إلى أي من مقاعد المجلس الخمسين، ولم تستطع النساء مقارعة الرجال. وكما هي سمة الانتخابات الفلسطينية، كان فوز الاسلاميين هو عنوان الانتخابات الكويتية، حيث تمكن الاسلاميون، بمشاركة المعارضة الاصلاحية، من السيطرة على غالبية المقاعد البرلمانية، أما النواب المستقلون والمحسوبون على الحكومة فقد تقلص عدد مقاعدهم. وأفرزت الانتخابات الكويتية وصول معظم مرشحي المعارضة (كتلة 29) التي طالبت بتغيير الدوائر الانتخابية من 25 دائرة الى 5 دوائر فقط والمدعومة من الشباب «البرتقاليين» والنساء، على حساب المرشحين الذين وقفوا مع الحكومة في ملف الدوائر. وعلى وقع مفاجأة إعلان الرئيس اليمني علي عبد الله صالح عن قراره بعدم الترشح مجددا للانتخابات الرئاسية في بلاده، ومفاجأته الثانية بعودته عن قراره وترشحه، جرت الانتخابات الرئاسية الوحيدة في العالم العربي هذا العام، والتي فاز بها الرئيس اليمني علي عبد الله صالح بفترة رئاسة جديدة مدتها 7 سنوات بأغلبية 77.17% من اصوات الناخبين، وحصل منافس الرئيس ومرشح المعارضة فيصل بن شملان على 21.82%. ومع أن المعارضة اليمنية هددت بالنزول للشارع، مثيرة شكوكا حول نزاهة الانتخابات، إلا أنها عادت لتقر بنزاهة العملية الانتخابية وقبولها بها، وهو ما يشير إلى تغير في مفاهيم الانتخابات لدى كثير من المتعاطين بها، بعد أن كان عدم الفوز يعني الاقرار بالتزوير.

وعندما أتى الدور على البحرين لتشهد ثاني انتخابات تشريعية في مشروعها الاصلاحي، وبمشاركة المعارضة (الشيعية) المقاطعة للانتخابات السابقة، سلطت الأضواء على هذه الجزيرة الخليجية الصغيرة، وأيضا هنا كان للإسلاميين السيطرة العظمى، وربما هذه السيطرة لم تكن مفاجأة وإنما متوقعة، وتمكنت الجمعيات الإسلامية، السنية منها والشيعية، من الاستحواذ على أكثر من ثلثي المقاعد، فيما احتاجت المعارضة الشيعية إلى ثلاثة مقاعد الوصول إلى نصف المقاعد + 1 للتمكن من السيطرة على المجلس، ولكن انتخابات الإعادة فرضت السيطرة للموالاة على المجلس النيابي. وكشقيقتها في الكويت لم تتمكن المرأة البحرينية من الوصول انتخابا، وعوضت ذلك بوصول سيدة وحيدة عبر التزكية.

ومن أقصى مشرق العالم العربي (البحرين) توجهت الأنظار سريعا إلى أقصى المغرب العربي، وتحديدا موريتانيا، التي شهدت بدورها أول انتخابات تشريعية منذ عشرين عاما، بعد أن استولى معاوية ولد الطايع على مقاليد الحكم إثر انقلاب عسكري. وسبق هذه الانتخابات استفتاء أجري في يونيو، وافق الناخبون من خلاله على إدخال تغييرات دستورية للحد من فترة حكم الرئيس، مما جعل موريتانيا واحدة من بين دول عربية قليلة تفرض مثل هذه الإجراءات.

وعلى خلاف الانتخابات في فلسطين والكويت والبحرين، فلم يكن للإسلاميين في موريتانيا حظوظ كبرى للاستحواذ على أصوات الناخبين، فيما عدا خمسة مقاعد حظوا بها في خضم تلك المنافسات الانتخابية، وهو ما يشير إلى أنه حتى في حالة عدم قدرة الاسلاميين على بسط سيطرتهم، فلا بد من وضع بصمتهم على تلك الانتخابات. وكشفت نتائج الانتخابات الموريتانية عن مفاجآت من العيار الثقيل، تمثلت في السقوط المروع لبعض الرموز التقليدية من اصطلح على تسميتهم بمقربي النظام السابق في مناطق نفوذهم التقليدية، وصعود قوى سياسية أخرى لم يكن السياسيون يحسبون لها أي حساب، وهو ما رآه البعض من المراقبين بأنه تجسيد واضح لرغبة الناخبين في موريتانيا في إكمال العملية الانقلابية التي نفذها المجلس العسكري في أغسطس 2005 ضد الرئيس السابق، وأنهاها الناخبون بالإجهاز على بقية رموزه عبر صناديق الاقتراع.

وقبل نهاية عام 2006، كان للخليجيين موعد ثالث مع صناديق الاقتراع، فبعد الكويت ثم البحرين، جاء الدور على الامارات العربية المتحدة التي أجرت أول انتخابات برلمانية في تاريخها، وبالرغم من أن هذه الانتخابات كانت جزئية ولمجلس لا يتمتع بصلاحيات تشريعية، إلا أن وعود القيادة الاماراتية بأن هذه المرحلة ما هي إلا أولى من ضمن ثلاث أخرى ستصل بالمواطنين الإماراتيين إلى اختيار مرشحيهم مباشرة عبر انتخابات كاملة، ألقى بظلاله على الأهمية التي شهدتها انتخابات المجلس الوطني الاماراتي. وخلال ثلاث ايام شهدت الامارات السبع تنافسا محموما لاختيار عشرين مرشحا يشكلون نصف مقاعد المجلس الوطني، وتوجهت هيئة انتخابية مكونة من نحو 6 آلاف ناخب، تم تعيينهم من قبل حكام الإمارات، لاختيار ممثليهم في هذا المجلس، وكان لافتا أن الامارات لم تتوقف في محطة الانتخابات البلدية، كما جرت العادة عليه، وإنما رأت أن الانتخابات البرلمانية، ولو كانت جزئية، ستكون أكثر فائدة للتجربة الوليدة.

وإذا كان عام الانتخابات العربية قد تميز بسيطرة الاسلاميين على اصوات الناخبين، فإنه ايضا تميز بسقوط مريع للتيارات القومية والليبرالية، وكان الأمر واضحا جليا في فلسطين والبحرين، وسقطت شعارات كثيرة راجت عقودا طويلة، لتظهر بدلا منها شعارات أخرى مثل «الإسلام هو الحل»، وهنا يعود الدكتور عبد الخالق عبد الله للتأكيد على أن القوى الإسلامية العربية «إن لم تكن الوحيدة في الشارع السياسي فهي الأبرز.. وهي القادرة على اكتساح الانتخابات وتصل للسلطة عن طريق صناديق الاقتراع»، يشير الدكتور عبد الخالق إلى أن جزءا كبيرا من الاسلاميين يلعبون على ورقة المشاعر والأخلاقيات «التي هي نقطة ضعف واضحة للشارع العربي»، ويضيف «عندما يرفع أحدهم شعار الاسلام هو الحل فإن ثلث الشارع سيذهب معه بغض النظر عن محتوى الشعار، وعندما يرفع شعار معاداة أميركا فإن ثلثا آخر من المؤكد أنه سيتجه معهم أيضا».

ويرى عبد العزيز بن صقر رئيس مركز الخليج للأبحاث أن أسباب فوز التيار الإسلامي في انتخابات فلسطين والكويت والبحرين تعود إلى أن القوى الإسلامية «هي الأكثر تنظيمياً، والأكثر قدرة على حشد أنصارها»، مضيفا «أنها (القوى الاسلامية) تطرح شعاراً بسيطاً يستقطب الناخبين مفاده «الإسلام هو الحل»، ويوضح أن أحد أسباب نجاح الإسلاميين «يتمثل في مشاكل الفساد الذي تعاني منه بعض المجتمعات وفشل السياسات من ناحية، وضعف وهشاشة القوى المنافسة للإسلاميين من ليبراليين وقوميين ويساريين»، والسبب الأخير الذي يطرحه بن صقر في رأيه لتمكن التيار الديني للسيطرة على تلك الانتخابات هو أن القوى الإسلامية التي فازت لم يسبق لها أن اختبرت في السلطة، «وبالتالي لا تتحمل وزر حالة الفشل والتردي التي تعاني منها المجتمعات العربية». ويقول بن صقر أن أهم ما يميز الانتخابات العربية أنها، وباستثناء الامارات، اتسمت بالمنافسة الحادة بين قوى المعارضة وقوى موالية للحكومة، ويضيف «الفساد شكل قضية رئيسية في الحملات الانتخابية التي شهدتها كل من الكويت والبحرين وفلسطين واليمن، ولا يمكن أن نغفل عن بروز دور قوى المجتمع المدني في مراقبة الانتخابات في العديد من الحالات، مما يدل على فاعلية هذه التنظيمات». ويعتقد أن الانتخابات اتسمت في معظم الحالات بدرجة يعتد بها من النزاهة والشفافية، «مما مكن قوى المعارضة من الفوز كما هو الحال في فلسطين والكويت والبحرين موريتانيا». ويشير بن صقر الى أن الانتخابات الفلسطينية أكدت على ازدواجية موقف الولايات المتحدة الأميركية بشأن قضية الديمقراطية، «فيما عسكر موريتانيا أكدوا أنهم أكثر التزاماً بالديمقراطية من نظم مدنية». هنا لا بد من الاشارة إلى نقطة جديرة بالاهتمام وهي تضاؤل فكرة التزوير التي سيطرت على الحكومات والأحزاب المعارضة في الدول العربية، فقد تعود المواطن العربي أن تنتهي الانتخابات في بلده على أزمة بين الحكومة والمعارضة، ويكون التزوير تهمة المعارضة للحكومات التي لم تكن بريئة بكل تأكيد، أما هذا العام فقد شهد خفوت نغمة التزوير، ولم تعد المعارضة تلوح بهذه الورقة، كما لم تعد الحكومات تستخدمها، وهو الأمر الذي كان لافتا في اقرار المعارضة بنزاهة الانتخابات، وهو أمر نادر ربما يحمل شيئا من الايجابية للأعوام المقبلة.