فرنسا: شيراك راحل .. فهل تموت الشيراكية؟

واشنطن تواقة لفوز ساركوزي الأقل ميلا للعرب والأقل عداء لإسرائيل

TT

عام 2007 يحتفي عجوز أوروبا وفرنسا الرئيس شيراك بمرور 40 عاما بالتمام والكمال على أول فوز انتخابي له كعضو بالبرلمان الفرنسي، فيما يخوض الشعب الفرنسي في أشهر أبريل ومايو ويونيو 2007 انتخابات رئاسية لاختيار خلف للرئيس شيراك، ومن بعد ذلك انتخاب برلمان جديد وسط تنبؤات، على خلفية أسباب سياسية واقتصادية واجتماعية كثيرة تقول، إن الفوز رئاسيا وبرلمانيا سيكون في الغالب لأجيال جديدة، شوقا للتغيير من جهة، وقراءة لمحصلة أداء لم ترض غرور الناخب الفرنسي ويتوق معها وبها الى أداء أفضل على صعيد المعيشة .

في زخم ذلك المخاض يبدو نيكولاس ساركوزي وزير الداخلية الفرنسي هو الأوفر حظا للحصول على بطاقة المنافسة في انتخابات الرئاسة عن (الاتحاد من أجل الحركة الشعبية U.M.P) في مؤتمر الحزب يناير 2007 ، بعد أن أصبح في حكم المؤكد أن يستقيل من منصبه الوزاري ليبعد نفسه من حكومة دومنيك دي فيلبان، حتى لا يحرجها من جهة بشعارات حملته الانتخابية، التي يجمع كثيرون على أنها لن تخلو من خروج على أداء حكومة كان طرفا فيها، مع أن ذلك قد يوقعه مهما حاول في خانة النفاق السياسي لدى الناخب، بمعنى أنه وحين يحاول أن يوضح بأنه ناقد للحكومة وحامل لبرامج بديلة، عليه أن يبرر أيضا قضية أخرى حرجة تتعلق بمشاركته فيها وفي بعض نقاط فشلها التي يزعم أنه سيصلحها. والشاهد أن في جعبة ساركوزي فواتير يقال إنها تميل إلى إحداث هزة في النموذج الاجتماعي الفرنسي، وبين بنود فاتورته المزيد من الإنحياز إلى أصحاب العمل على حساب العمال بشعار يعطيهم حقوق التعيين والفصل (Hire and Fire ) كاملة في مقابل فاتورة أخرى تعنى بإصلاح مشروع الرعاية الاجتماعية في مجالات الصحة والبطالة والمزيد من الإنفاق على أصحاب المعاشات. الاشتراكيون من جهتهم، وبقيادة مرشحتهم السيدة سيغولين رويال، سيديرون حملتهم في اتجاه معاكس لحملة ساركوزي داعين إلى رفع الحد الأدنى للأجور (نصيب الفرد الفرنسي من الناتج الإجمالي المحلي 41,200 ، ويأتي تاليا لبريطانيا باستثناء الدول الاستكندنافية التي يرتفع فيها دخل الفرد بعوامل أخرى بينها تعداد السكان)، إحكام قوانين ساعات العمل (ساعات العمل الفرنسية 35 ساعة)، وتخفيض الضرائب .

ومع ذلك سيرحل شيراك عن المشهد الفرنسي تاركا الساحة السياسية الداخلية في حالة لا تحتج كثيرا على وصفها بالاضطراب. فهو شخصيا من جهة لا يثق في خليفته ساركوزي الذي أحكم سيطرته على حزب شيراك الديجولي، فيما دمّر الحزب الاشتراكي نفسه بالحروب الداخلية في داخله ، أضف الى كل ذلك أن اليسار عموما، وخاصة خلال جولة الانتخابات الرئاسية الأولى حيث من المستبعد أن يحسم أي من ساركوزي والسيدة رويال المعركة لصالحه من جولة واحدة، سيقسم، أي اليسار أصواته على موائد الشيوعيين والخضر والتروتسكيين، وعلى ذلك قس انقسام اليمين أيضا بين الجبهة الوطنية بعدائها المعروف للأجانب في أقصى اليمين، والاتحاد من أجل الحركة الشعبية في يمين الوسط ، بتوقعات توحي بأن زعيم الجبهة لوبان ربما يحصد في الجولة الأولى نحو 15 الى 20 في المائة من الأصوات بعد تجاوزات كثيرة للمهاجرين شهدتها السنتان الأخيرتان.

ومع ذلك، فمراجعة تاريخ مسار الانتخابات الفرنسية يقول لك إن الاشتراكيين هم الأقرب إلى الفوز بالانتخابات التشريعية حيث لم يحفظ ذلك التاريخ ومنذ عام 1978 إعادة انتخاب أي حكومة قائمة لحظة الانتخاب، أضف الى ذلك أن وصف (شعبية أو محبوبة) هو آخر ما يمكن إلحاقه بحكومة دي فيلبان، إذا لم تصدق قناعات تقول بعض صحافة فرنسا، إنها تسود وسط الناخبين بأن الوقت قد حان لوضع نهاية للشيراكية Chiraquisme .

أما على صعيد السياسة الخارجية، فخليفة شيراك، أكان ساركوزي أو السيدة رويال، سيواجه مأزق ترميم علاقات فرنسا مع ضفة الأطلنطي الأخرى، أي أميركا، فيما تتوق واشنطن بالفعل لأن تشهد ساركوزي في قصر الإليزية، بحسب إفادات لصحافة واشنطن تقول إنه أقل ميلا للعرب من شيراك وأقل عداء لإسرائيل منه وأكثر تشددا تجاه إيران.

ومجمل القول هنا إن رحيل شيراك سواء ساد تعبير وضع نهاية للشيراكية أو لم يسد، يعد حدثا في ذاته، فأربعون عاما في محاريب السياسة لا يمكن أن تتبخر على نار معارك انتخابية تمتد لثلاثة اشهر، وبالتأكيد سيجد شيراك مستمعين ومستقبلين له شرقا وغربا ليحدثهم عن الشيراكية كامتداد للديجولية، مثلما سيجد مؤرخين يعنون بميراثه السياسي، مع أن بدايات كل ذلك لن تكون خلال عام 2007 وبالتأكيد، ولكن، وبالتأكيد أيضا من 2008 ، لرجل لم يقل لأحد الى الآن ماذا ينوي أن يفعل بلافتة (رئيس سابق).