بلير راحل.. لأيهما طرب من جاءوا به 3 مرات.. للمغني أم للأغنية؟

أخطأ كثيرا وأصاب كثيرا ولكن عام واحد لن يكفي للحكم على 15 عاما من الوجود الفاعل محليا ودوليا

TT

مثل فرنسا يبدو أن عام 2007 سيرسل السياسة البريطانية والداخل البريطاني نحو أفق من الاضطراب أو الحراك السياسي المصحوب بسيولة عالية يوم أن ترحل عن المشهد السياسي شخصية سياسية في فعالية وثقافة توني بلير .

وهناك من يقول بوجود مستويين للنظر ثم الحكم على رئيس الوزراء البريطاني توني بلير والذي سيلحق هو الآخر بالرئيس الفرنسي جاك شيراك، وربما يسبقه، في الرحيل عن المشهد السياسي البريطاني خلال عام 2007.

الأول النظر الخارجي المحايد، والثاني، النظر الداخلي البريطاني، مع وجود مناطق يتقاطع فيها الخارجي والداخلي، ومناطق أخرى يلتقيان فيها.

بين نقاط الإلتقاء تلك النقاط التي تقترب من خانة التسليم الكامل بأي منها، وبينها:

> ثاني أصغر رئيس وزراء في تاريخ بريطانيا يصل الى داوننغ ستريت بعمر لم يتعدى الحادية والأربعين عاما.

> المؤسس الفعلي لحزب العمال الجديد ومرجعيته الفكرية مع زميله وزير الخزانة غوردن براون الذي يتأهب الآن لخلافته باحتمالات تفوق الآخرين الطامحين للمنصب.

> أول رئيس لحزب العمال يفوز مع حزبه في ثلاثة انتخابات برلمانية متوالية.

> يترك الحكم وقد ترك اقتصادا لم يترنح ولم ينكمش وإنما واصل تقدمه بصورة تفوقت على كبار محيطه الأوروبي.

> يترك الحكم وهناك وعلى صعيد الأداء الخدمي والاجتماعي عدد فقراء أقل بكثير قياسا بيوم وصوله للحكم خاصة بين الأطفال، ومعدلات جريمة أقل مع نتائج أولية واعدة لسياسات إدخال الخدمات العامة بحر المنافسة.

> يترك الحكم وقد أصبحت ايرلندا الشمالية آمنة، وويلز واسكوتلندا أكثر نماء وتقدما.

> وقوع معظم أوراق السياسة الخارجية لبريطانيا في قبضة المحافظين الجدد في أميركا، والبيت الأبيض بصورة أكثر تحديدا، مما قاد إلى إظهار بريطانيا كتابع أو حامل أختام لواشنطن، دون ثمن يذكر للمصالح البريطانية. والإشارات هنا تتلاحق لتضم قضايا الحرب على العراق وعلى أفغانستان، ثم المواقف من الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي وقضية دار فور، مع هامش ضعيف يقول بتفرد مواقف لندن من قضية الصراع العربي ـ الإسرائيلي ومحاولتها دفع واشنطن لمنطقة أكثر اعتدالا.

والشاهد هنا أن رحيل بلير، وما يحمله من احتمالات كبيرة لقدوم جوردن براون كخليفة له، واحتمالات علو نجم المحافظين بزعامة ديفيد كاميرون، سيتداعى بلا جدال لجهة المواقف الفكرية للحزب من قضايا داخلية وخارجية معقدة، وبين الأسئلة التي سيعلقها عام 2007 في سماء بريطانيا:

> هل سيفتح رحيله لسيادة يسار الوسط في الحزب، بمعنى أن يحاول براون أن يعيد الحزب إلى شعارات 1997، أم يحاول أن يجد أرضا في الوسط الذي يدير منه المحافظون لعبتهم الانتخابية الآن، والذي سيحاول ديفيد كاميرون، كما يرى ميريل ستيفنسون بالإيكونمست، أن يزحزحه عنها؟

> هل سيقود رحيله إلى انقسامات في داخل الحزب، أو إلى خسارة انتخابية في الانتخابات القادمة بما يقود إلى حزمة استقالات تستصحب رحيله بسيناريو يقارب ما حدث للمحافظين الجدد مع انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في نوفمبر 2006، حيث استقال رامسفيلد من وزارة الدفاع وجون بولتون من قيادة البعثة الأميركية بنيويورك؟

* هل يمكن أن يقود رحيله الى نوع من الفجوة أو الفتور في العلاقات مع واشنطن، ليس على المطلق بالطبع، فما بين البلدين من مصالح يقترب من حالة استراتيجية، ولكن على صعيد أسخن مستنقعين هما العراق وأفغانستان، خاصة في ضوء وجود آراء تخالف أميركا في المؤسسة العسكرية البريطانية؟

* وعلى صعيد رحيل بلير نفسه، ماذا سيفعل الرجل خلف الأضواء، وهل سيقتفي أثر صديقه وزميل دراسته الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون، بمعنى التحدث الى المؤسسات والجامعات وعقول الفكر بمبالغ تفوق ما كان يتقاضاه كرئيس لوزراء بريطانيا؟ أم تراه سيبلور بالفعل اهتماماته الفكرية التي إنحاز فيها لما عرف بالطريق الثالث The Third Way، ليصنع منه مجموعة ضغط أو مؤسسة فكرية؟ أم تراه وفق التكهنات الصحافية الأخيرة سيشرع على الفور في إقامة مؤسسة فكرية اقتصادية تحمل اسمه وتعنى بقضايا العولمة لتحمل اسم مؤسسة بلير للعولمة Blair Institution for Globalisation.

> بالتأكيد هناك الكثير الذي سيقال عن ميراث بلير السياسي Blair Legacy، وقد يكون مثيرا للخلاف، وهناك من استبق كل ذلك باستطلاعات للرأي ذهبت الى أن التاريخ لن يضعه مع عظماء بريطانيا بسب أخطاء فادحة في السياسة الخارجية، ولكن كل ذلك، وبالنظر التاريخي المحايد لا يخلو من تسرع. فقد قدم بلير أغنية أطربت كثيرين جاءوا به للحكم ثلاث مرات، وسيحتاج الأمر الى سنين عديدة ليجيب من أتوا به على أسباب إعجابهم به، هل كانوا يطربون للمغني أم للأغنية؟