السنيورة: مؤتمر «باريس ـ 3» فرصة ذهبية لاستعادة لبنان نموه وحركته الاقتصادية

قال إنه أرسل البرنامج المقترح إلى لحود لمناقشته

TT

أطلق رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة البرنامج الاقتصادي الموعود لطرحه على مؤتمر «باريس ـ 3» معتبراً أن هذا المؤتمر «فرصة ذهبية من أجل إعادة إطلاق الحركة الاقتصادية واستعادة النمو في لبنان». وشدد على «أن استعداد الاشقاء والأصدقاء لمساعدتنا ليس مرهوناً بأي شروط سياسية»، معتبراً «ان البرنامج الاصلاحي هو مفتاح الحل للأزمة الاقتصادية وللانقاذ من الانهيار».

وكشف السنيورة، في مؤتمر صحافي عقده امس بحضور عدد من الوزراء وحاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة، عن ارسال البرنامج الى رئيس الجمهورية اميل لحود تمهيداً لمناقشته والسعي الى اقراره في جلسة خاصة لمجلس الوزراء غداً.

وقال: «يعتقد البعض أن الإصلاح الاقتصادي مستحيل وسط الظروف الصعبة التي يمر بها لبنان. والحجة في ذلك أن الأولوية ينبغي أن تكون فقط للمسائل السياسية التي يجري التجاذب حولها لفتح الأفق إلى المستقبل. ولا شك في أن القضايا السياسية المتداولة شديدة الأهمية لحاضر الوطن ومستقبله. بيد أن المسألتين الاقتصادية والاجتماعية تتطلبان المعالجة والحل بالذات بسبب الظروف الصعبة التي يمر بها الاقتصاد اللبناني وماليته العامة وبخاصة بعد حرب يوليو (تموز)«. وأضاف: «أن الإصلاح الاقتصادي والمالي في لبنان ما عاد واجبا تنمويا فحسب، ولا واجبا سياسيا فقط، بل هو واجب أخلاقي أيضا. نعم، نحن نبلغ حدود الأزمة الأخلاقية بعد عشر سنوات أو أكثر من المراوحة والتعويق والجدل غير المجدي الذي يسيء إلى الاقتصاد اللبناني وفرص تطوره وإلى جميع اللبنانيين، فضلا عن كونه أصبح يسيء إلى الطبقة السياسية بمجملها إساءات بالغة. فمنذ سنوات وهناك من يقرع جرس الإنذار، ويشير إلى خطر تنامي العجز وتراكم الدين العام وإعاقات النمو وانخفاض الإنتاجية وتفاقم التواكل والفساد. مرة يقال للبنانيين إن الظروف غير ملائمة. ومرة يقال إن البرامج المطروحة غير صالحة أو غير وطنية بما فيه الكفاية. وعندما توصل لبنان إلى شبه توافق على برنامج إنقاذي انعقد على أساسه مؤتمر باريس ـ 2 بجهود وإنجازات الرئيس الشهيد رفيق الحريري، جرى تفشيله كما نعرف جميعا». إن ما نود التوصل إليه في هذا التقديم، أن ما نحن فيه وعليه يتطلب إدراكا لأخطار استمرار الأوضاع على ما هي عليه وتفهما وإحساسا عاليا بالمسؤولية الوطنية. وهو يقتضي القيام بعملية إنقاذية لتحقيق الإصلاح ولفتح الأفق لمستقبل أفضل لجميع المواطنين ولا سيما للشباب منهم».

وأفاد السنيورة: «نحن اليوم من جديد أمام فرصة تاريخية لتحقيق نهضة جديدة للبنان واقتصاده ومجتمعه من خلال القيام بإصلاحات جذرية على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي. فأصدقاء لبنان، والإخوة العرب بشكل خاص، أعربوا دائما، وخصوصاً بعد الحرب الأخيرة، عن استعدادهم لمساعدة لبنان في عملية النهوض الاقتصادي. ودعونا نردد ونؤكد مرة أخرى أن استعداد الأشقاء والأصدقاء لمساعدتنا غير مرهون بأي شروط سياسية يمكن أن تفرض علينا. وتأكدوا تماما أننا نرفض أن يملى علينا أي شرط سياسي يمكن أن يضر بمصلحة لبنان ووحدته الوطنية مهما كان ثمن هذا الرفض باهظا».

وتابع: «قد يتساءل البعض لماذا الإصرار على تقديم هذا البرنامج الآن، وعلى عقد مؤتمر دعم لبنان في مثل هذه الظروف العصيبة والمتشنجة التي تمر بها البلاد، ولماذا لا نستطيع انتظار أن تمر هذه الأزمة السياسية الملحة لنعود ونعالج الأمور الاقتصادية والمالية. الجواب عن هذا السؤال هو في أمرين. أحدهما خارجي وثانيهما داخلي. بالنسبة الى السبب الخارجي، كلنا نعرف أن العالم بأجمعه وقف مع لبنان وسانده مساندة فاعلة في محنته إبان وبعد العدوان الإسرائيلي في يوليو (تموز) الماضي.. واليوم، لا تزال الدول الشقيقة والصديقة مستعدة ومصممة على مساعدتنا ... إنها فرصة ذهبية للبنان من أجل إعادة إطلاق الحركة الاقتصادية واستعادة النمو اللذين تراجعا بشكل كبير في النصف الثاني من العام الماضي. وهي، إن كانت سانحة لنا الآن، قد لا تكون سانحة غدا. أما بالنسبة للسبب الداخلي، فلقد أفقد العدوان الإسرائيلي الصيف الماضي والتجاذبات السياسية اخيراً الاقتصاد عموما والمواطنين خصوصا القدرة على الاحتمال والاستمرار. وكلنا يدرك هذا الأمر لأننا كلنا نعيشه بطريقة أو بأخرى. ونحن، بإمكاناتنا المتوفرة غير قادرين على حل مشاكلنا الاقتصادية والمالية المتراكمة والمتفاقمة من دون الاستعانة بأشقائنا وأصدقائنا. الآن، نجد نية صادقة واستعدادا ثابتا من قبل المجتمع الدولي لدعمنا بشكل كبير».

ثم عرض السنيورة برنامج النهوض الاقتصادي واعادة الاعمار والاصلاح، موضحاً انه يتمحور حول ستة بنود اساسية هي:

ـ اولاً، يتضمن مجموعة من الإصلاحات لتحفيز النمو وتعزيز التنمية وتحديث الاقتصاد. وتشمل عددا كبيرا من القوانين والإجراءات الجديدة التي تسهم في زيادة معدل الإنتاج وتخفض التكلفة وتحسن تنافسية الاقتصاد اللبناني، وتزيد فرص العمل من أمام اللبنانيين وتحسن مستويات عيشهم ونوعيته.

ـ ثانياً، برنامج لإصلاح الشأن الاجتماعي ولتحسين المؤشرات الاجتماعية وتقوية شبكات الأمان الاجتماعية التي من شأنها حماية ذوي الدخل المحدود والفئات المتدنية الدخل. كذلك ولتعزيز مشاركتهم في الاقتصاد بما يمكنهم من مواجهة التحديات التي قد يحملها التغيير.

ـ ثالثاً، إصلاح مالي رئيسي ومهم بحيث يصار إلى تنفيذه على مراحل. ويهدف إلى زيادة الفائض الأولي في الموازنة. ويتم ذلك، من جهة أولى، عبر ترشيد الإنفاق. وهو ما يشمل خفضا للهدر (بما فيه الهدر المقونن) وإصلاحا للإدارات وللمؤسسات الحكومية، ولا سيما مؤسسة كهرباء لبنان. من جهة ثانية، عبر زيادة واردات الخزينة بحيث تكون أعباؤها موزعة بعدالة على مختلف فئات المجتمع اللبناني.

ـ رابعاً، برنامج خصخصة يهدف خصوصا لتعزيز الاستثمار في القطاعات الأكثر إنتاجية والأكثر إيجادا لفرص العمل الجديدة وبما يسهم في خفض عبء الدين العام ويدفع النمو الاقتصادي ولا سيما في القطاعات المخصخصة وتلك المتأثرة بها. إن ذلك يجب أن يتم بقدر عال من الشفافية ويتحقق عبر توسيع قاعدة المساهمين، ولا يؤدي إلى الاستبدال باحتكار الدولة احتكار القطاع الخاص.

ـ خامساً، سياسة نقدية محافظة، وسياسة سعر صرف تهدف إلى الحفاظ على استقرار سعر الصرف والأسعار بشكل عام، وبما يعزز الاستقرار الاجتماعي، ويسهل عملية تمويل حركة القطاع الخاص ويزيد من فرص نموه، ويحافظ على نظام مصرفي متين قادر على خدمة الاقتصاد وتعزيز مجالات نموه.

ـ سادساً، السعي للحصول على دعم مالي دولي لمساعدة لبنان من خلال سلة من الهبات والتمويل الميسر على آماد طويلة. ذلك لتمكين لبنان من تمويل التكلفة المباشرة وغير المباشرة لحرب تموز الظالمة ومساعدته على استكمال جهود الإصلاح الاقتصادي، خصوصا عن طريق تخفيض عبء كلفة الفائدة على الدين العام.

وأكد الرئيس السنيورة: «أن منطلقات هذا البرنامج الاقتصادي الإصلاحي المتكامل بنيت على الورقة الإصلاحية التي جرى إعدادها خلال شهور ما قبل العدوان، وجرى عرضها في حينه على الهيئات السياسية والاقتصادية كافة. وهي تنطلق أيضا من مشروع موازنة عام 2005 الذي أعد في عام 2004 وغيرها من المبادئ الإصلاحية التي ورد قسم منها في موازنات العديد من الأعوام الماضية والتي لم تأخذ طريقها نحو الإقرار للأسباب التي لم تعد خافيه على احد».

وقال انه «من الأهمية بمكان أيضا الإشارة إلى أن الحكومة وبما تتمتع به من صدقية كبيرة لدى المؤسسات الدولية والمجتمع العربي والدولي استطاعت أن تحصل على تفهم كبير لموقفها في إرجاء تطبيق الإجراءات الضريبية الايرادية للخزينة خلال العام 2007، وذلك بداية لإعطاء فرصة اكبر للاقتصاد لينهض من كبوته.. قبل البدء بعمليات التصحيح المالي التي من شأنها زيادة بعض الأعباء المالية على المواطنين ابتداء من عام 2008. وعلى ذلك فإن الدول الشقيقة والصديقة التي ستشارك في هذا المؤتمر، أصبحت مدركة أن الأولوية الآن يجب أن تتركز في العمل على تدعيم قدرة المواطن اللبناني على المواجهة وإنعاش أحواله الاقتصادية من أجل تحفيز النمو، وليس بفرض أعباء إضافية».

وأضاف: «لأننا أصبحنا ندرك بالخبرة وبالممارسة أن الإصلاح الجدي والعملي تقابله لدى البعض العدائية والتجني، أريد اليوم وأنا أعلن عن ورقة الحكومة لمؤتمر دعم لبنان بالشفافية المعهودة، أن أحاول استباق بعض ردات الفعل الخطابية واللفظية التي ستحاول تفريغ هذه الورقة من المضمون عبر محاولة تمييع أهدافها بالشعارات. ولهذه الغاية، سأعرض معكم أبرز الاعتراضات التي قد تبرز وهي قد برزت في الماضي بعد إطلاق كل مبادرة إصلاحية سابقة: 1ـ سيدعون غدا أن العبء الضريبي سيتجاوز حدود المنطق، وسيرتب أعباء كبيرة على كاهل المواطن، وخصوصاً الضريبة على القيمة المضافة، منبرين للدفاع عن المواطن بالخطابة والشعارات. لهؤلاء نقول سلفاً: إن آلية الضريبة على القيمة المضافة تم إعدادها بشكل يتناسب بعدالة تامة مع القدرة المالية للمواطن كل حسب استهلاكه حيث يقع عبئها الأكبر على أصحاب الدخول المرتفعة لكون معدلات وطبيعة إنفاقهم المرتفع خاضعة لتلك الضريبة. 2 ـ سيدعون ان الخطة الإصلاحية تسيء إلى الفئات الفقيرة من خلال ارتفاع نسبة الضريبة على المشتقات النفطية ورفع سقف الأسعار على المحروقات ما يزعزع الاستقرار الاجتماعي. نجيب سلفا بأن مبدأ الحكومة كما هو دوما قائم على احتضان الفئات الأقل اقتدارا. ولذا فهناك سلة من المساعدات التي ينبغي إقرارها لسائقي سيارات الأجرة عبر إصلاحات بنيوية لهذا القطاع، ويستفيد منها المواطنون. كذلك ستعمل الحكومة على أن تستثمر الدولة في قطاع النقل المشترك من طريق التعاون مع القطاع الخاص بما يسهم في محصلة الأمر في تخفيف الأعباء وخفض كلفة النقل عن المواطنين. 3 ـ سيدعون عندما يسمعون باقتراح زيادة ساعات العمل من 32 إلى 36 ساعة في إدارات ومؤسسات القطاع العام أن العدالة الاجتماعية ستتعرض لهزة كبيرة، وأن العائلات العاملة سوف تقع في الفوضى، إضافة إلى حديث الاستغلال وزيادة أعباء العمل. نجيب سلفا على هؤلاء: منذ متى تعتبر زيادة الإنتاجية تهمة وزيادة الإنتاج جناية؟ 4 ـ سيدعي البعض أن اقتراح إلغاء صندوق المهجرين ومجلس الجنوب في نهاية عام 2008 هو الطامة الكبرى، وستبدأ الانتقادات والتهجم والادعاءات تنهال من كل حدب وصوب.. ونجيب سلفا: مهلا، تريثوا.. فصندوق المهجرين ومجلس الجنوب سيظلان يعملان حتى نهاية عام 2008 حتى يصل لكل ذي حق حقه. 5 ـ سيدعون بمجرد اقتراح دراسة وضع الفائض في وزارة التربية أن التشرد سيصيب المعلمين والمعلمات ويكيلون الاتهامات للدولة. لهؤلاء نقول سلفا: لن يفصل معلم واحد، ولن تقطع أرزاق أحد ممن هم تحت سقف القانون ودون استثناء. 6 ـ سيقولون.. أن الخصخصة هي بيع للملكية العامة وحرمان الدولة من مداخيلها ومواردها، وأن عمليات الخصخصة سيشوبها الفساد وترجيح المصالح الشخصية.. نجيب سلفا إن الخصخصة ليست تهمة ولا هي عملية تهريب لموجودات الدولة، بل هي قد أصبحت مقياسا في العالم المتحضر وفي تطور المجتمعات إذ تمثل تحولا في دور الدولة من المحتكر إلى الناظم ومن القامع أو اللاجم إلى المحفز. 7 ـ سيدعون، وهذا هو الموضوع المفضل لديهم، وبمجرد اقتراح خصخصة كهرباء لبنان أن الظلام سيسود كل لبنان. لهم جميعا نجيب سلفا: هل من المنطق استمرار الوضع على ما هو عليه الآن في هذه المؤسسة؟ هل من مواطن يجهل أزمة كهرباء لبنان وكلفتها الباهظة، وان قطاع الكهرباء في لبنان يمثل في كلفته وكلفة تمويله ما نسبته أكثر من ربع حجم الدين العام. وان الخزينة تتحمل في ما خصه وفي هذه الآونة خسارة سنوية في حدود المليار دولار. هذا فضلا عما يعانيه المواطنون من حرمان في التغذية؟ 8 ـ سيبادر البعض إلى مهاجمة هذا البرنامج بالتقليل من أهميته والادعاء بأنه لا يشمل معالجات للقطاعات الإنتاجية في البلاد وكيفية تعزيز إمكاناتها وقدرتها على معالجة الآثار الناتجة عن التراكمات السلبية التي عانت منها تلك القطاعات.. لهؤلاء نقول أن هذا البرنامج هو جزء من كل، أي جزء من مشروع الحكومة للنهوض بالاقتصاد والمجتمع.. وهي ستتابع العمل على إقرار البعض الآخر ولا سيما في ضوء ما آلت إليه حال تلك القطاعات بعد الحرب الأخيرة».