جنوب أفريقيا : 1300 عملية اعتقال و250 مليون دولار حصيلة قراصنة الذهب سنويا

رئيس شرطة المناجم : الجريمة لا تحقق أرباحا ولكن هذه تحقق

TT

وضع آلاف من عمال المناجم أدواتهم جانبا ليلة الأربعاء في مارس من عام 2005، وفي الايام الثمانية التي كانوا فيها مضربين عن العمل انكشف واحد من الأسرار الدفينة في صناعة تعدين الذهب في جنوب أفريقيا.

وبدأ رجال نحيفون وعطاشى، يفتقرون الى الهويات الشخصية، الخروج عبر الممرات العمودية الضيقة وعيونهم ترمش وهم يواجهون أشعة الشمس. انهم قراصنة الذهب، عمال المناجم غير الشرعيين ممن قضوا شهورا في وقت كانت فيه الظروف قاسية، بحيث انه عندما يموت احدهم بسبب الاستنزاف أو الغازات السامة تترك جثته ببساطة في الممر مع ملاحظة تشير الى اسمه واسم قريب له.

وعلى الرغم من ان القراصنة يشتهرون بالعنف، حيث كانوا يحملون قنابل من ذلك النوع المستخدم في تفجير المناجم لمواجهة من يتعقبونهم، فانهم يعتمدون على مساعدة عمال المناجم الشرعيين، بغية الحصول على جزء من الأرباح فيدخلون الغذاء ويخرجون الذهب، وفقا لما يقوله مسؤولون في الشرطة.

وقد أوقف الاضراب ذلك الوضع ودفع بـ 140 رجلا الى السطح ليقعوا في ايدي الشرطة الذين كانوا بانتظارهم.

وتتباين التقديرات بصورة حادة بشأن قيمة الذهب الذي يسرقه القراصنة كل عام، ولكن في نوفمبر الماضي قدر معهد الدراسات المعدنية، وهو مجموعة ابحاث في بريتوريا، القيمة بـ 250 مليون دولار سنويا. اما الشرطة في ويلكوم، في قلب منطقة حقول الذهب في جنوب أفريقيا، فيرفعون القيمة أعلى.

وقال الكابتن نيلز فان دير ميروي، رئيس أكبر قوة خاصة بالمناجم للشرطة في جنوب افريقيا «يقولون ان الجريمة لا تحقق ارباحا. ولكن هذه الجريمة تحقق».

وقال مسؤولون في الشرطة انه جرت 1300 عملية اعتقال مرتبطة بقرصنة الذهب خلال العامين الماضيين، غير ان مئات آخرين من العاملين في المناجم ما زالوا مطلقي السراح، مستعدين لتحمل الظروف القاسية للحصول على ما يعادل عشرة امثال ما يحصل عليه الجنوب أفريقي في المتوسط من العمل المشروع.

ويدفع القراصنة رشوات تبلغ الواحدة حوالي 200 دولار لحراس الأمن والعمال الآخرين الشرعيين لينزلوا الى مداخل المناجم ثم البقاء تحت الأرض لفترة شهور. وبدون معدات حماية فانهم معرضون الى غازات المناجم القاتلة او القابلة للانفجار، وتدخين السجائر شائع وهو ما يشكل انتهاكا فظا لقواعد الأمن في المناجم.

وقال مايكل فراير، مساعد مفوض الشرطة الذي يشرف على مهمة الشرطة الوطنية الموجهة ضد قرصنة الذهب، متحدثا من مكتبه في بريتوريا، «يمكنهم أن يفجروا المنجم كله ويقتلوا الكثير من الناس. اعتقد ان المسألة مسألة وقت قبل ان نتمكن من معالجة الأمر هناك». وهناك، على الأقل، شيء خطر يتمثل في السائل الفضي السام الذي يستخدمه الكثير من القراصنة لمعالجة الذهب وتحويله الى صيغة يسهل تهريبها من المنجم الى سطح الأرض.

وبينما لا يزال الكثير من القراصنة تحت الأرض فانهم يضعون الصخور المعدنية في إناء بديل يسمى «بندوكا» سوية مع الكرات الحديدية التي تطحن المادة وتحيلها الى ما يشبه الرمل.

ثم يتم خلط المادة مع الزئبق الذي يقوم بدمج الذهب وتحويله إلى خليط ثقيل، وهو ما يسمح بإزالة كل التراب الموجود على المحيط. وبعد دقائق قليلة وتحت حرارة موقد اللحام يتحول الخليط إلى ذهب أصفر معالج نصف معالجة.

ويبلغ سعره في السوق السوداء 6800 دولار لكل كرة وزنها رطل واحد حسبما تقول الشرطة. وهذه القيمة تجعل المغامرة مبررة، حسبما يقول صامويل سيفولين، 26 سنة، الرجل الذي قال إنه عمل قرصانا هناك بسبب عدم توفر وظائف أخرى. وقال إن مغامرته الأخيرة في منجم استمرت 3 أشهر ومنحته ربحا قدره 11 ألف دولار.

وقال سيفولي: « الحصول على الذهب هو الطريقة الوحيدة للبقاء في هذا البلد».

ويستطيع القراصنة داخل المناجم أن يحصلوا على كل شيء بأسعار معقولة، من خلال تهريب المواد لهم بواسطة عمال يعملون بشكل شرعي هناك. فقرص من الخبز أو زجاجة من الكولا لا يزيد سعر كل منهما عن السبعة دولارات، بينما يبلغ ثمن ساندويتش برغر أكثر من 100 دولار. فالكثير من الصفقات تجري بالذهب المسروق، على الرغم من أن الدفع النقدي سائد أيضا. وتم اعتقال قرصان وهو يحمل مبلغا نقديا قدره 30 ألف دولار في جيبه.

اكتشاف عروق ذهب خلال ثمانينات القرن التاسع عشر أدى إلى قدوم أعداد كبيرة من المغامرين إلى جوهانسبرغ التي عرفت آنذاك بمدينة الذهب. وكانت المناجم بحاجة إلى عمل رخيص نظمته القوانين العنصرية التي أصبحت لاحقا جزءا من نظام الابارثيد.

وتمكن قراصنة الذهب أن يكسبوا موطئ قدم خلال التسعينات من القرن الماضي، في وقت بلغت الجريمة خلاله أعلى معدلاتها في جنوب أفريقيا التي تعرف أعلى معدلات الاغتصاب والقتل في العالم. والآن أصبح هذا النوع من الجريمة تنظمه عصابات ذكية.

وقال عامل مناجم، 41 سنة، إن قراصنة الذهب عنيفون جدا، وهذا ما يجعله يرفض الكشف عن اسمه خوفا على حياته، وأضاف أن عمال المناجم يتركون وراءهم عادة أدوات ومصابيح ببطاريات لقراصنة الذهب. وقال إن العمال الشرعيين وغير الشرعيين يعملون جنبا إلى جنب غالبا.

وقال «ليس هناك أي سر تحت الأرض. أحيانا هم موجودون معنا، وأنت لا تستطيع أن تقول أي شيء لأن حياتك تصبح في خطر».

كذلك يحرك الذهب غير المعالج الذي يصل إلى سطح الأرض صناعة أخرى. إذ تجري عمليات غير شرعية لتنقيته في مهاجع واطئة مبنية داخل بيوت اسمنتية.

وقال أحد السكان يدعى ديفيد مفايلاينن، 37 سنة: «إنها جريمة ولكنها ليست جريمة عنيفة. نحن لا نقتل أناسا».

وتعتبر النقابات التي تنظم هذه الأعمال غير الشرعية خطيرة وقوية من حيث سرعة التكيف.

ولم تعط غارة وقعت على تنقية الذهب غير الشرعية يوم 7 ديسمبر (كانون الاول) الماضي إلا قطعا من سجاد محمل بغبار الذهب، وكيسا من الحلوى، وأتربة منزوعة من الذهب، مع خمسة أكياس صغيرة من الماريوانا وماكينة لمعالجة الذهب. ولم يتم إيقاف أي قرصان خلال الغارة.

وقال بعض السكان من المدينة إن هناك مخبرين ضمن الشرطة سربت معلومات لصاهري الذهب قبل ليلة من وقوع الغارة وهذا ما منحهم وقتا كافيا لإخفاء الأدلة.

وقال فان دير ميروي بعد الغارة بنبرة يائسة: «يمكنك أن تعود بعد ظهر اليوم وتحصل على غبار الذهب مرة أخرى. فالعمليات لا تتوقف أبدا».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»