الصومال: دعوة نائب رئيس الوزراء إلى وحدة اندماجية مع إثيوبيا تفجر أزمة سياسية حادة

الحكومة قالت إن تصريحات عيديد لا تمثل موقفها الرسمي

TT

اثار نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية الصومالي حسين فارح عيديد، أزمة سياسية حادة في الصومال، بعد أن أدلى بتصريحات مثيرة للجدل، دعا فيها الى وحدة اندماجية بين الصومال وإثيوبيا بعملة واحدة وجواز سفر واحد وجيش واحد وإزالة الحدود بين البلدين.

وكان عيديد يتحدث الى مجموعة من الأعيان ورجال القبائل في مقديشو، لاستقطاب تأييدهم للحكومة الانتقالية ومساهمتهم في نزع السلاح الموجود لدى الأفراد والقبائل بشكل طوعي، خلال المهلة التي حددتها الحكومة لذلك، والتي ستنتهي اليوم، حيث ستبدأ القوات الحكومية والقوات الإثيوبية المساندة لها عمليات نزع السلاح بالقوة.

وقد أثارت تصريحات عيديد الجدل في الأوساط السياسية الصومالية وفُسرت تصريحاته بأنها الهدف، الذي تدخلت إثيوبيا من أجله في الصومال. ونأت الحكومة الصومالية بنفسها عن تصريحات حسين عيديد، وقال عبد الرحمن ديناري، المتحدث الرسمي باسم الحكومة الصومالية، ان تصريحات وزير الداخلية الصومالي «لا تعبر عن الموقف الرسمي للحكومة الصومالية الانتقالية وأن العلاقة بين إثيوبيا والصومال ستكون علاقة طبيعية بين دولتين صديقتين في المنطقة، تتعاونان في كافة المجالات، أما الحديث عن وحدة من النوع الذي تحدث عنه وزير الداخلية الصومالي فهو أمر غير وارد أصلا».

وأضاف ديناري «لعل الوزير كان يتحدث من وجهة نظره عن الصورة التي يفضل ان يكون عليها الوضع في منطقة القرن الأفريقي في المستقبل البعيد، وهو حر في التعبير عن هذا التصور».

من جهة أخرى يسود جو من الهدوء العاصمة الصومالية مقديشو، ومع عدم نزول القوات الإثيوبية والقوات التابعة للحكومة الصومالية الانتقالية الى الشارع، فإن الوضع الأمني هادئ نسبيا، على الرغم من أنه ليس بالمستوى الذي كان عليه أيام حكم المحاكم الإسلامية. ومع مرور اليوم الثاني من مهلة الثلاثة أيام، التي حددتها الحكومة الانتقالية لتسليم السلاح الموجود بيد الأفراد والقبائل، خلت مراكز تسليم السلاح من أي حركة خلال يوم امس، عدا تسليم قطع محدودة من السلاح، عبارة عن مجموعة من البنادق الرشاشة وذخائر من قبل 20 فردا من الميليشيات القبلية، الذين أعربوا بعد تسليم سلاحهم عن استعدادهم للانخراط في صفوف أجهزة الأمن التابعة للحكومة الانتقالية.

وعلى الرغم من التفاؤل، الذي أبدته الحكومة الصومالية تجاه نجاح عملية تسليم السلاح بشكل طوعي، الا أن هناك مخاوف تنتاب القبائل المحلية من أن تتعرض مصالحها للخطر، اذا قامت بتسليم أسلحتها قبل تحقيق أدنى قدر من الوفاق السياسي في البلاد.

وفي جنوب الصومال استولت القوات الإثيوبية وقوات الحكومة الصومالية على مدينة طوبلي القريبة من الحدود الكينية الصومالية، التي لجأت اليها مجموعات من المسلحين التابعين للمحاكم الإسلامية، بعد فرارهم من كيسمايو، ولم تحدث مواجهات بين الطرفين في طوبلي أيضا.

وتحلق الطائرات الحربية الإثيوبية وكذلك المروحيات العسكرية التابعة لها فوق أجواء المنطقة، بحثا عن مواقع مقاتلي المحاكم الإسلامية، في الوقت الذي لا يزال فيه مكان قادة المحاكم مجهولا حتى الآن، ويعتقد أنهم لجأوا الى منطقة باد مدو الواقعة في منطقة الغابات الاستوائية الوعرة بأقصى جنوب الصومال، التي كانت في السابق معقلا لبعض القادة العسكريين للمحاكم الإسلامية.

وفي ما يبدو أنه بداية لحرب العصابات، التي هددت المحاكم بخوضها ضد القوات الإثيوبية، فتح مسلح يعتقد أنه تابع للمحاكم الإسلامية النار على جنود إثيوبيين في مدينة جلب بجنوب الصومال، مما أدى الى مقتل جنديين وإصابة آخرين بجروح، وقتل المهاجم بعد ذلك على يد القوات الإثيوبية.

ومع نهاية المحاكم كقوة عسكرية حاكمة وتفرق مقاتليها في أنحاء الصومال الا أن الصوماليين يتوقعون أياما ساخنة وحرب عصابات ضد القوات الإثيوبية، خاصة بعد رفض قادة المحاكم التخلي عن أسلحتهم وقبول العفو الذي منحته الحكومة الصومالية الانتقالية.

وفي القاهرة عقد مجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين الدائمين اجتماعا غير عادي أمس، طالب في ختامه كافة الأطراف الصومالية والقوات الإثيوبية بالوقف الفوري والشامل والكامل لإطلاق النار وتجنيب الشعب الصومالي المزيد من الضحايا. فيما أعلن عبد الله حسن مندوب الصومال الدائم لدى الجامعة العربية وسفيرها فى القاهرة، «أن المحاكم الإسلامية أصبحت بعد هزيمتها العسكرية على أيدي القوات الصومالية والإثيوبية فى ذمة التاريخ».

وأبلغ عبد الله حسن «الشرق الأوسط»، أن عملية السلام التي كانت ترعاها الجامعة العربية ومنظمة دول الإيقاد بين بلاده والإسلاميين قد انتهت تماما، ولم يعد لها أية دواع سياسية على ضوء نجاح السلطة الانتقالية، التي يقودها الرئيس عبد الله يوسف بمساعدة من إثيوبيا على بسط سيطرتها على كافة أنحاء أراضى الدولة الصومالية.

وأضاف: عمليا لم يعد هناك طرف ثان نحن بحاجة للجلوس معه الى مائدة مفاوضات واحدة، لقد انتهت بالنسبة لنا مشكلة الإسلاميين، ولم يعد لهم سوى وجود محدود على الحدود الصومالية الكينية، ولن يطول بهم المقام هناك.

ولفت إلى أن فلول المحاكم تواجه خطر الاعتقال من قبل القوات الصومالية والإثيوبية، التي تلاحقها بالقرب من الحدود مع كينيا، فضلا عن استحالة بقائها طويلا فى المنطقة المعروفة بأحراشها وانتشار الأمراض والحيوانات المفترسة فيها.

ورأى حسن أن قادة المحاكم الإسلامية لم يعد أمامهم سوى تسليم أنفسهم وأسلحتهم، مضيفا: أصبح ظهرهم للحائط ولم يعد هناك من مكان يلجأون إليه لممارسة عملهم، الأفضل بالنسبة لهم الاستسلام للنجاة بأرواحهم وحفاظا على المئات من المقاتلين الشباب في صفوفهم، الذين تم التغرير بهم.

وقال السفير الصومالي: مع ذلك فإن حكومته مستعدة للتفاوض مع فلول المحاكم الإسلامية شريطة إلقاء السلاح والتخلي عن أي عمليات إرهابية تعتزم القيام بها، سواء فى الصومال أو أي من دول جواره الجغرافي، مؤكدا أن حكومة بلاده عازمة على وضع نهاية سريعة لفلول المحاكم حتى لا تعيق خطتها فى تدشين مرحلة جديدة من الاعمار والتنمية في أسرع وقت ممكن.

لكن السفير سمير حسني مسؤول ملف الصومال لدى الجامعة العربية يعتقد في المقابل أنه ما زالت هناك حاجة للمضي قدما فى الجهود المشتركة، التي تبذلها الجامعة لعربية بالتعاون مع الأطرف الإقليمية والدولية المعنية بتسوية الأزمة الصومالية.

وقال حسني لـ«الشرق الأوسط» عملية المفاوضات ما زالت قائمة من وجهة نظرنا والحل العسكري لن يحسم كل الأمور فى الصومال، مشيرا إلى ترتيبات لعقد اجتماع عاجل لمجموعة الاتصال الدولية الخاصة بالصومال، غدا فى العاصمة الكينية نيروبي، بمشاركة الجامعة العربية وممثلين عن الاتحادين الأفريقي والأوروبي والإدارة الأميركية، لبحث مستقبل الوضع الراهن فى الصومال.

ودعا مجلس الجامعة العربية على مستوى المندوبيين الدائمين، في بيان صدر عن اجتماع الأمس، بسحب كافة القوات الأجنبية من الأراضي الصومالية، تمهيدا لتنفيذ وقف قرار مجلس الأمن رقم 1725 الداعي إلى إرسال بعثة للاتحاد الأفريقي لدعم السلام فى الصومال، ولا يشارك في تكوينها أي من دول الجوار الصومالي.

وطالب الاجتماع مجلس الأمن الدولي بالقيام بدوره الذي أنشئ من أجله، وهو الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، وأن يصدر قرار بوقف إطلاق النار والحفاظ على سيادة الصومال والدعوة إلى استئناف الحوار بين الأطراف الصومالية.

كما أكد مجلس الجامعة العربية ضرورة احترام مبدأ حسن الجوار، وعدم التدخل فى الشؤون الداخلية، والحفاظ على الوحدة وسيادة الصومال والحرص على العلاقات العربية الإثيوبية.

وحث المجلس الحكومة الصومالية الانتقالية واتحاد المحاكم الصومالية على استئناف محادثات السلام الصومالية في الخرطوم فورا وبدون شروط مسبقة، برعاية مشتركة من الجامعة العربية والإيقاد، والوفاء بالالتزامات التي تعهدوا بها في جولتي المباحثات السابقتين، خاصة وقف العمليات العسكرية والإعلامية والالتزام الكامل بالتعهدات الأخيرة التي قطعها الطرفان أمام الوفد الدولي المشترك (الجامعة العربية، الإيقاد والاتحاد الأوروبي) الذي زار الصومال يوم 20 من الشهر الماضي.

وناشد البيان المجتمع الدولي دعم الجهود الرامية إلى استئناف محادثات السلام الصومالية، في أسرع وقت وتذليل أي عقبات قد تحول دون استمراره بهدف التوصل إلى التسوية السياسية المرجوة وتحقيق مصالحة صومالية شاملة.