السودانيون يشطبون 3 أصفار من الجنيه ويودعون زمن الدينار

غدا يبدأ التعامل بالعملة الجديدة

TT

يبدأ السودانيون غدا التاسع من يناير (كانون الأول) الحالي، شطب ثلاثة أصفار من العملة الورقية والمعدنية المتداولة (الدينار والجنيه القديم) لبدء التعامل بالجنيه السوداني الجديد، الذي سيبدأ طرحه أولا في المناطق الجنوبية من البلاد، في سادس عملية من نوعها منذ استقلال البلاد عام 1956.

طرح العملة الجديدة التي كانت قد أقرتها اتفاقية السلام بين الحكومة السودانية وحركة تحرير السودان، تأتي متوافقة مع الاحتفالات الرسمية بالذكرى الثانية للسلام الذي تم إدراجه ضمن أجندة الأعياد الرسمية من قبل حكومة الخرطوم. وتبرز رسوم وألوان العملة الجديدة في فئاتها المختلفة رؤية السلام والوحدة التنوع، والتاريخ الحضاري للسودان، الى جانب إظهار موارده الطبيعية والتقدم الصناعي. بينما تلافت وضع الوجوه البشرية، والرموز الدينية والعرقية التي كانت توضع في العملة القديمة. ويرى مراقبون أن من دواعي استبدال العملة أيضا إزالة الحرج والخلط لدى المواطن العادي في تعامله ما بين الدينار والجنيه (القديم) كاسم موروث، وإصدار عملة سودانية موحدة لمعالجة الخلل في تداول عملات دول مجاورة في جنوب السودان. ويعادل الجنيه الجديد مائة دينار (والذي كان يعادل بدوره ألف جنيه في نسخته القديمة)، وهو ما سماه اقتصاديون بعملية «مسح الأصفار الثلاثة»، مع احتفاظه بنفس سعر الصرف أمام العملات الأجنبية.

ويتخوف السودانيون من تكرر سلبيات عمليات تبديل العملات التي حدثت في الماضي ومن أهمها التضخم والتذبذب في أسعار السلع والخدمات.

ويعتبر الدكتور عادل عبد العزيز الفكي المحلل الاقتصادي بمركز دراسات المستقبل في الخرطوم، أن العملية تتم في ظروف استقرار اقتصادي، واستدرك «لكنها عملية مكلفة اقتصاديا وإجرائيا».

وقدرت لجان مسح محلية عملت بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، حجم العملات المتداولة في جنوب السودان بحوالى 80 مليون دولار.

وأوضح مدير البنك المركزي الدكتور صابر محمد الحسن، أن عمليات طباعة العملة الجديدة والتى تقدر بحوالى 150 مليون دولار، قد تمت من الموارد الذاتية، وقال ان الدولة مستمرة في عملية دعم طباعة العملة بواقع مليوني ورقة يوميا، مبينا أن الجهات المختصة ستبحث مع افريقيا الوسطى ويوغندا كيفية سحب العملات الخاصة بتلك الدول من الولايات الجنوبية. والسودان كغيره عرف العملة في مرحلة مبكرة والتي حلت محل نظام المقايضة الذي ظل معمولا به حتى بداية الحكم التركي المصري في عام 1821، وقد صدرت أوراق ذات فئات مختلفة في عهد الحاكم الانجليزي غردون، وأصدر محمد أحمد المهدي ثلاث قطع من العملة بواسطة الصاغة وقام خليفته عبد الله التعايشي بإنشاء أول مصنع لسك العملة في أمدرمان ويعد أول مصنع بالسودان.

وبحسب الدكتور علي صالح كرار الامين العام السابق لدار الوثائق، فان تاريخ العملات في السودان بدأ منذ 2700 قبل الميلاد، حيث كان العمل يتم بمقايضة السلع مثل ريش النعام والذهب والصمغ العربي والعاج والعسل، ثم بدأ العمل بالمحلقات وهي حلقات معدنية ذات قيمة مادية، ثم دخل التعامل بواسطة قطع الدمور (الأقمشة) المنسوجة في عصر الممالك الاسلامية. وشهد العصر التركي استخدام خليط من العملات المصرية والإنجليزية مثل الذهب والجنيه المجيدي والريال النمساوي والريال الاسباني وعملات فرنسية.

وفي عهد الإمام المهدي حدد قيمة تداول العملات التي ضربها في وقت احجم الناس فيه عن تداول العملة بسبب حصار الخرطوم من قبل الانجليز، فكانت قيمة العملة المعروفة آنذاك بالـ«فرج الله» تساوي 10 ريالات مجيدية والجنيه البنت بـ 4.5 ريالات مجيدية.

في عام 1885م اصدر المهدي أول عملة سودانية خالصة كانت عبارة عن ثلاث فئات وهي: الجنيه الذهب، الريال الفضة، ونصف الريال. وكانت قيمتها الحقيقية أكبر من قيمتها الاسمية.

عقب الاستقلال في عام 1956 بادرت الحكومة الي جمع كل العملات المصرية والانجليزية وسلمتها للحكومة المصرية في بادرة هي الاولى من نوعها، وأصدرت العملة الجديدة التي كانت اكبر فئاتها العشرة جنيهات، عليها صورة جامعة الخرطوم، وعلى الجانب الآخر صورة ساعي بريد على ظهر ناقة يحمل قوسا وكنانة أسهم. خلال الفترة من عام 1960 ــ 1969م تمت طباعة العملات الورقية ثلاث مرات وأصدرت فئات معدنية من فئة الـ«مليم» الى العشرة «ملاليم» التي كانت تساوي قرشا آنذاك.

في أبريل (نيسان) 1973 ابان عهد الرئيس الاسبق جعفر النميري، تم تقليل حجم العملة الورقية وتغير لون العشرة جنيهات. وفي الأول من يناير(كانون الثاني) عام 1981 زاد عدد الاوراق المالية المتداولة لأول مرة فقفزت من خمس الى سبع فئات وحملت العملة صورة الرئيس النميري معتمرا عمامته، وأضيف التاريخ الهجري الى جانب الميلادي. في الثلاثين من يونيو(حزيران) عام 1985 ألغيت العملة التي كانت تحمل صورة النميري عقب إزاحته من الحكم وأعيدت صورة البنك المركزي، وفي عام 1990 أصدرت أول عملة من فئة المائة جنيه.

في مارس (آذار) من عام 1992 صدرت عملة الدينار الجديدة (الدينار يساوي 10 جنيهات) صدرت منها فئات الخمسين والخمسة وعشرين جنيها، تداولت الى جانب الجنيه، ثم تتالت فئات الدينار الى قيمة أكبر حتى وصلت الى ورقة الخمسة آلاف دينار.