مساع أميركية لتجفيف مصادر تمويل وتطوير حقول النفط والغاز الطبيعي في إيران

عبر الضغط على المستثمرين.. وتوقعات بخفض 33% من الصادرات بحلول 2011

TT

بينما تشن واشنطن معركة علنية ضد سعي ايران الى امتلاك قوى نووية، فإنها تتقدم بهدوء على جبهة اخرى هي حقول النفط التي تشكل عصب الحياة بالنسبة للجمهورية الايرانية.

وقد حققت صناعة النفط في ايران مكاسب مالية خلال السنوات الثلاث المنصرمة بسبب ارتفاع اسعار النفط. ولكن حملة أميركية جديدة لتجفيف تمويل تطوير النفط والغاز الطبيعي تشكل تهديدا لقدرة الجمهورية الايرانية على الاستمرار في تصدير النفط خلال العقدين المقبلين وفقا لما يقوله كثير من المحللين. وتأتي الحملة في وقت تتعرض فيه صناعة النفط في ايران الى مصاعب، وتواجه تحديات ناجمة عن تزايد الاستهلاك الداخلي للطاقة والعزلة الدولية وموجة الانفاق الشعبي المتزايد للرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد وايقاف عقود مع شركات نفط اجنبية، وهو ما يعني وصفة لكارثة محتملة في بلد يتمتع بواحد من اكبر احتياطيات النفط في العالم.

وقال محمد هادي نجاد حسينيان، مساعد وزير النفط للشؤون الدولية في ايران، في مقابلة بالهاتف، انه «اذا لم تتحكم الحكومة في استهلاك منتجات النفط في ايران، وفي الوقت نفسه اذا لم تتم مشاريع زيادة قدرة الطاقة النفطية وصيانة الآبار النفطية، فإنه في غضون عشر سنوات لن يكون هناك أي نفط للتصدير».

واذا ما كان لإيران ان تتوقف فجأة عن تصدير حصتها البالغة 2.6 مليون برميل يوميا في حال حدوث ضربة عسكرية، يمكن ان ترتفع اسعار النفط العالمية على نحو حاد. ولكن خفضا تدريجيا قد يكون موازنا من جانب اعضاء آخرين في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) وفقا لما يقوله محللون، خصوصا عندما يزيد العراق من انتاجه النفطي وتنفذ المملكة العربية السعودية خططا لزيادات كبيرة في طاقتها الانتاجية. وقال نجاد حسينيان ان «الكثير من البنوك الأوروبية، التي كانت قد وافقت على تمويل بعض مشاريع الصناعات النفطية قد ألغت ذلك في الفترة الأخيرة».

وفضلا عن ذلك فإن البنوك لم تعد تمنح خطابات ضمان للحصول على بعض التجهيزات، وفقا لما يقوله مسؤولون في الوزارة. وبينما تبدأ دول مثل اليابان بالتراجع عن مشاريع تطوير النفط الايراني بفعل ضغوط أميركية، فإن حكومة طهران ترغم على استخدام اموالها الاحتياطية من أجل اقامة مشاريع جديدة حاسمة. ولكن نجاد حسينيان قال ان ايران ادركت جدية التهديد واتخذت خطوات لمواجهته، بما في ذلك بطاقات تموين «ذكية» جديدة، معدة للتوزيع في مارس (اذار) لتدقيق المبيعات المتزايدة للبنزين الرخيص، ومراجعة شروط ايران في العقود في محاولة لاجتذاب شركات النفط الكبرى من اجل تفادي العوائق الأميركية. كما تأمل ايران بالتوجه الى الصين وروسيا للمساعدة. ولكن مسؤولين اميركيين حذروا من انهم سيسعون الى جعل الصين تدفع ثمن هذا، فى اطار قوانين العقوبات ضد طهران التى تفرضها واشنطن من جانب واحد، اذا ما تقدمت بكين في مشروعها الذي تبلغ قيمته 16 مليار دولار، والهادف الى تطوير حقل غاز بارس الشمالي في ايران. كما ان الصين وقعت مذكرة تفاهم يمكن ان تقوم بموجبها بتطوير حقل يادافاران في جنوب غربي ايران، الذي يتوقع أن يعزز الانتاج بمقدار 300 ألف برميل يوميا.

وقال منوشهر تاكين، الأخصائي الايراني السابق بالجيولوجيا البترولية وكبير المحللين في مركز دراسات الطاقة العالمية بلندن «انك بحاجة الى مليارات الدولارات لاستثمارها من اجل ان يكون موقفك ثابتا، وتتفادى الانحدار».

وعلى نحو مماثل فإن الحصيلة المتزايدة من تشييد المصافي، قد جرى تجاوزه من جانب العدد المتضخم من الشباب الايرانيين الراغبين في الحصول على سيارات اقتصادية كبيرة. ان البنزين المدعوم بصورة كبيرة هو 35 سنتا للغالون الواحد، وهو سعر يحفز على التهريب، ولم يؤد الحديث عن رفع السعر الى اية نتيجة. وفضلا عن ذلك فإن البلاد تتمتع بأوسع بنية تحتية لتدفئة السكن في العالم، حيث البيوت في القرى النائية تصل اليها التدفئة بالغاز الطبيعي الرخيص. واضاف تاكين ان اجمالي دعم الطاقة يتراوح بين 20 الى 30 مليار دولار سنويا. واوضح حسين عسكري بروفيسور الاعمال الدولية في جامعة جورج واشنطن بالولايات المتحدة الاميركية ان «هذا الدعم يكلف الحكومة ما يقرب من 15 في المائة من اجمالي الناتج الداخلي. وهو رقم ضخم. وجوهر هذه المشكلة هو انه اذا ما الغيت الدعم، فستقع اضطرابات في الشوارع».

ويمكن لايران اعادة الاستثمار في البنية الاساسية لقطاع النفط والغاز، وهو ما تفعله بدرجة ما، ولكن احمدي نجاد حول مليارات الدولارات من عائدات النفط الى برامج الضمان الاجتماعي، ومشاريع البنية الاساسية في الدول المجاورة مثل افغانستان، واستيراد البضائع الاستهلاكية ـ بالرغم من ضيق العديد من العاملين في الحكومة.

وتجدر الاشارة الى ان اعمال التطوير الصعبة تركت، في السنوات الاخيرة، لشركات النفط الاجنبية، التي بدأت منذ التسعينات في العمل بإعداد كبيرة في ايران، لاول مرة منذ الثورة الايرانية. وكانت اجراءات الحظر الاميركية التي فرضتها الولايات المتحدة ارتباطا بالاستيلاء على السفارة الاميركية في طهران عام 1979 قد منعت شركات النفط الاميركية من العمل في ايران، الا ان شركات مثل شل البريطانية/الهولندية وتوتال الفرنسية وايني الايطالية قد استثمرت، بعضها استثمارات كبيرة، في ايران بالرغم من تهديدات الحكومة الاميركية بتطبيق العقوبات على الشركات الاوروبية. وبدرجة كبيرة، تسببت ايران في زيادة المشاكل بتطويل فترات المفاوضات حول العقود ورد مستحقات محدودة لشركات النفط الاجنبية المهتمة بتطبيق مشاريع جديدة، طبقا لما ذكره المحللون.

وذكر مسؤول في شركة نفط غربية طلب عدم الكشف عن هويته ان «الناس ذكروا انه بالرغم من الحظر، اذا ما رغب الايرانيون الاستثمار في قطاع النفط لديهم، فإن ما يجب عليهم القيام به هو تقديم شروط جيدة، ومهما كان الحظر ستتدفق عليهم شركات كثيرة». واضاف المسؤول «ان القضية بالنسبة لنا في هذه النقطة هي سياسية وتجارية. فالبلاد في وضع ليس مناسب».

وهذه هي الصورة التي تحاول واشنطن فرضها. فقد منع الحظر الأميركي، لسنوات، استثمارات قيمتها 20 مليون دولار في قطاع النفط الايراني، ولكن في الواقع انطبق ذلك على شركات النفط الاميركية فقط. ولكن بعد احتدام المواجهة النووية، وبعدما اصبح من الواضح ان العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة لن تفرض عقوبات اقتصادية جادة على ايران، قررت ادارة بوش تبنى سياسة مختلفة. وفي الوقت ذاته، تردد ان وزارة العدل فتحت تحقيقات مع عدة مصارف لتحديد ما اذا كانت الاستثمارات في ايران انتهكت قوانين الحظر الاقتصادي الاميركية. ففي اواخر عام 2005 وافق مصرف «ايه بي ان امرو» الالماني على دفع 80 مليون دولار غرامات بسبب تحويلات غير مناسبة مع ايران عبر فرعه في دبي. كما اعلن مصرف «يو بي اس بانك اند كريديت سويس» في الآونة الاخيرة، انه اوقف معظم التعاملات الجديدة مع ايران. وذكر مصرف «اتش اس بي سي» البريطانية انه لن يقبل تحويلات بالدولار من داخل ايران.

واوضح ستيورات ليف وكيل وزارة الخزانة لشؤون الارهاب والاستخبارات المالية، في حديث هاتفي «ان المصارف تجري بصفة مستمرة تقييمات للمخاطرة بخصوص نوعية الاعمال التي يريدون المشاركة فيه». واضاف «هناك العديد ممن يشير الى وجود عامل من الاجبار. ولكن اعتقد انه بالنسبة لعديد من المديرين، فإن العامل الرئيسي الذي يحركهم هو عدم رغبتهم في المشاركة في تسهيل الارهاب او نشره أو أي جريمة أخرى أو أي جريمة أخرى».

من ناحية اخرى ذكر روجر سترن استاذ الجغرافيا في جامعة جونز هوبكنز في تقرير نشرته الاكاديمية الوطنية للعلوم، ان تداخل العديد من العوامل مثل زيادة الطلب الداخلي والتأخير في اضافة مصادر انتاج جديدة، وتحويل الغاز الطبيعي لاستمرار انتاج الحقول يمكن ان تؤدي الى خفض يتراوح بين 33 في المائة الى 46 في المائة في صادرات ايران بحلول عام 2011 وتوقف التصدير في عام 2015.

الا ان محللين آخرين ذكروا ان هذه التكهنات متشائمة، وانه من المرجح تسطيح الانتاج اي انه لن يزيد على 4 ملايين برميل في اليوم. وقال المسؤولون انهم وقعوا عقودا لمشاريع نفط وغاز جديدة في 15 شهرا الماضية تصل قيمتها الى 28.4 مليار دولار، ويأملون زيادة الانتاج ليصل الى 7 ملايين برميل يوميا بحلول عام 2014 ـ وهو هدف ذكرت وكالة الطاقة الدولية أنه يحتاج الى استثمارات قيمتها 80 مليار دولار.

* خدمة «لوس انجليس تايمز» (خاص بـ«الشرق الأوسط»)