عراقيون: سجون أميركية «ملاذ آمن» من «الموت المجاني» خارجها

حكايات من داخل أسوار سجن بوكا الأميركي

TT

حمل أحد المعتقلين من المطلق سراحهم توا من سجن بوكا الأميركي توصيفا ليس بغريب لزنزانته، حين نعتها بالملاذ الآمن من موت مجاني ينثر على رؤوس من هم خارجها كالمطر. واعترف بوجود «حريات داخل السجون.. إنها إحدى معطيات تجربة جديدة على فرض الديمقراطية بالقوة».

لم يكن المحتجزون في سجن بوكا الأميركي في صحراء أم قصر جنوب البصرة وعوائلهم أثناء المواجهات المسموح بها، قادرين على إخفاء الكلام المباح على لاقطات سرية للتنصت على أحاديثهم قبل اكتشافها، والتي عجلت فيما بعد بإطلاق سراح العشرات منهم، وان لا علاقة للجان الرباعية الوزارية العراقية التي أعلنت على مدى العامين الماضيين، أنها أنجزت دراسة ملفات المحتجزين وأسهمت بإطلاق سراح آلاف الأبرياء منهم، على حد قولهم. وتنوعت مشاعر المعتقلين المطلق سراحهم بين التلذذ باستذكار الأحداث داخل السجن وبين الغضب على مصادرة حرياتهم واعتقالهم من دون تهم واضحة. وكشف عدد منهم بعد أن طلبوا عدم ذكر أسمائهم في احاديث لـ«الشرق الأوسط» ان إدارة السجن الأميركية حريصة على تطبيق الحد المعقول من مفردات حقوق الإنسان، وان بعض ما يشاع خال من الصحة، وإنها أرحم بمئات المرات من إدارة السجون العراقية التي مكث فيها بعض منهم. وأشاروا الى ان معظم المحتجزين داخل السجن حاليا من سنة وشيعة من غير المرتبطين بأحزاب السلطة، يرفضون تسليم الملف الأمني للقوات العراقية، لكي لا يقعوا تحت طائلة قوانين الميليشيات. ونفى عدد منهم أي دور لوزارة حقوق الإنسان العراقية بالمحتجزين، مؤكدين أن إدارة السجن الأميركية هي ذات الصلاحية المطلقة باتخاذ قرار الإفراج، موضحين أنها تطلق سراح المحتجزين الشجعان الذين يعترفون بجرائمهم والإبقاء على الغامضين وان كانوا أبرياء.

وقالوا إن سجانة أميركية برتبة عريف وقعت في غرام سجين وطلبت منه ان تتبناه لإطلاق سراحه والسفر معها إلى أميركا حسب القوانين المراعية لديهم، لكن عمره اكبر منها فرفضت إدارة المعتقل. وقال آخر إن أحد حراس السجن أعاد أوراقا كتب عليها أبيات شعر إلى سجين بعد إن طلبت منه إدارة السجن مصادرة كل الأوراق. وأكد السجين ان إدارة السجن أبدت له احتراما يفوق الوصف وطبعت له مجموعة قصصية كتبها داخل معتقله. وروى آخر أن إدارة السجن طلبت من احد المعتقلين معهم وهو سوري الجنسية البراءة من تنظيم القاعدة وشتم قادتها، لكن السجين رفض ذلك وتوقع مكوثه طويلا في السجن، لكن ادارة السجن أطلقت سراحه في اليوم التالي.

وأوضح آخرون أن حراس السجن بالرغم من إبدالهم بين فترة وأخرى كانوا حريصين على عدم ارتكاب فضائح ضد المعتقلين، وخاصة بعد انتشار فضائح سجن أبو غريب مع انهم يمارسون فرض العقوبات على بعض المحتجزين؛ منها وضعهم في مخيم رقم 6 الخاص بالمعاقبين الذي تحدد فيه كميات قليلة من الطعام ومياه الشرب ومنع التدخين والحرمان من الزيارات في أوقات المواجهة.

وقالوا إن ذوي المحتجزين يقطعون مئات الكيلومترات؛ وهي المسافة بين المحافظات البعيدة من البصرة ومنهم يفضل المبيت في فنادق الزبير الرثة القريبة من أم قصر كي يتوجه مع أول خيوط الفجر إلى المعتقل، ولكنهم رغم ذلك لا يستطيعون رؤية اقاربهم بحجج واهية من الحراس الأميركيين؛ مثل الادعاء بأن بطاقة الأحوال المدنية مزورة أو إن الصور في الوثائق لا تشبه شكل المراجع.

وأشاروا إلى ان حراس السجن الاميركيين كانوا يخشون من بعض المحتجزين من أعضاء منظمة القاعدة، وانهم يراقبونهم بشكل تفصيلي من بين آلاف السجناء الموزعين على 12 مخيما سعة الواحد منها 800 محتجز. وقد ساعدهم بذلك عدد الموقوفين الذين تحولوا إلى عملاء وسماسرة لهم لقاء الوعود بإطلاق سراحهم وتسفيرهم إلى أميركا.

وأكدوا أن الغريب في اللجان التحقيقية داخل المعتقل، انها تبتكر التهم على المعتقلين، فكلما تنجلي أدلة تهمة على محتجز لا تريد إطلاق سراحه تلصق به تهمة أخرى، وهكذا يبقى البعض في دوامة من التوجس والشك والبحث الدائم عن خطاياه منذ نعومة أظفاره.