برزان «مصرفي صدام في الغرب»

TT

برزان ابراهيم الحسن التكريتي، أحد ثلاثة اخوة غير اشقاء للرئيس العراقي السابق صدام حسين ويصغره بأربعة عشر عاما، عاش حياة مروعة وانتهى نهاية مروعة فجر امس في بغداد. وهو شخصية لعبت أدواراً مهمة في هرم السلطة منذ أحكم صدام سيطرته على العراق. وكان برزان يتمتع لفترة طويلة بثقة كبيرة عند أخيه، ولذا تولى مسؤوليات أمنية ومالية بالغة الحساسية بل وصف بـ«مصرفي» صدام في الغرب، مع أن علاقته بعديّ ابن صدام البكر ـ الذي قتل يوم 22 يوليو (تموز) 2003 مع أخيه الأصغر قصيّ في مدينة الموصل ـ مرّت بفترة من التوتر الشديد، كذلك لم تكن علاقته طيبة بقصيّ. وتشير المصادر إلى أن عارفي برزان يصفونه بأنه عصبي سريع الغضب، كما أنه جاف وغير ودود وشديد التحفظ. البداية

* ولد برزان التكريتي يوم 17 فبراير (شباط) 1951 في مدينة تكريت، وهو أحد ثلاثة اخوة غير أشقاء لصدام، أما الأخوان الآخران فهما وطبان وسبعاوي ابراهيم الحسن. ومثل صدام التحق برزان بحزب البعث العربي الاشتراكي، لكنه ظل مديناً في ترقيه المناصب التي تولاها لولائه المطلق لأخيه، وهو متخرج في جامعة المستنصرية ببغداد، حيث درس الحقوق والعلوم السياسية. وهو اب لثمانية اولاد بينهم بنت تزوجها لبعض الوقت عديّ صدام حسين، وتوفيت زوجته عام 1998 اثر اصابتها بالسرطان.

في هرم السلطة

* من أهم المسؤوليات التي أسندت إلى برزان لفترة غير قصيرة منصب رئيس الاستخبارات بين عامي 1979 و1983. وعام 1988 عين مندوباً للعراق في المقر الأوروبي لمنظمة الأمم المتحدة في جنيف، واحتفظ بهذا المنصب الذي قيل إنه شكل أيضاً غطاء لإيداع أموال النظام واستثمارها حتى عام 1998. مع الإشارة إلى أن مسؤوليات برزان عن الشق المالي انتهت عام 1995. ومما أشيع في حينه أنه، بحسب احد المقربين منه، طلب من صدام حسين حل مجلس قيادة الثورة والبرلمان وتشكيل حكومة من التكنوقراطيين يتولى بنفسه رئاستها. وجاءت عودة برزان من سويسرا إلى العراق في شهر سبتمبر (أيلول) 1999 في بعد وفاة زوجته. وترافقت عودته مع تغييرات دبلوماسية وشائعات عن «انشقاقه» وطلبه اللجوء في الخارج.

وورد ان وضع برزان لدى القيادة العراقية ساء بسبب كراهيته للفريق حسين كامل حسن الذي تزوج من رغد ابنة صدام. وقتل حسين كامل في نهاية المطاف عند عودته الى العراق عام 1996 بعد لجوئه القصير للاردن. وفي عام 1993 تزوجت كبرى بناته من ابن صدام الاكبر عدي الذي اشتهر بعلاقاته المتعددة. ورغب عنها عدي فيما بعد وأعادها الى والدها. واستدعي برزان لبغداد في اواخر عام 1998 .

وتدعي جهات غربية أنه أثناء إقامة برزان في جنيف كان، بجانب إدارة ثروة صدام حسين المودعة في حسابات سرية بمصارف اوروبية، مسؤولاً أيضاً عن شبكات الاستخبارات العراقية في اوروبا، وصفقات شراء الأسلحة وتسهيل العمليات الرامية الى حصول العراق على السلاح النووي. كما تزعم هذه الجهات أنه أسس منذ فرض الحظر الدولي على العراق شبكة تهدف الى الالتفاف على العقوبات. وقال دبلوماسي غربي سابق في جنيف لرويترز «كان غامضا بشكل متعمد. كان كل شيء يكتنفه الغموض». وتذكر الدبلوماسي السابق برزان الذي كان يرتدي دوما حللا أنيقة وأضاف «كان يقال انه مصرفي صدام في الغرب». ويقال إن خلافه مع عديّ كان على صلة مباشرة بمسألة التصرف بالأموال. كما تشير مصادر مطلعة أنه بعد تنحي برزان عن إدارة الشأن المالي كلف الرئيس المعزول الراحل بالمهمة فريقا من السماسرة الأجانب المتخصصين، ولا سيما في ظل انعدام ثقته (أي صدام) بأشخاص عراقيين يمكن أن يتولوها. غير أن برزان ظل مستشاراً مؤتمناً لأخيه، مع أنه ترددت شائعات عن ان صدام وضع برزان خلال مارس (آذار) 2003 قيد الإقامة الجبرية في منطقة الرضوانية (قرب بغداد)، بعدما رفض تقديم الولاء لابنه الأصغر قصي.

وحسب وكالة رويترز، قال شاهد في محاكمته ان برزان أشرف بنفسه على تعذيبه بالصدمات الكهربائية في بغداد في الثمانينات وانه كان يأكل العنب فيما كان الرجل يصرخ ألما. ووصفت شاهدة أخرى كيف أن برزان ضربها وكسر ضلوعها بعد أن علقت عارية من قدميها في السقف. وروى شاهد الاثبات احمد حسن كيف نقل الى المنشأة التي كان يقوم فيها برزان بالاستجوابات في بغداد وأنه رأى آلة لفرم اللحم البشري. وقيل ان برزان بعد الهجوم على موكب صدام كان يجوب الدجيل ببندقية قناصة ويطلق النيران دون تمييز. وقال حسن للمحكمة ان برزان كان موجودا وقتها وكان يرتدي حذاء احمر طويل العنق كالذي يرتديه رعاة البقر وسروالا من الجينز ويحمل بندقية قناصة. وفي فيلم جرى تداوله على نطاق واسع ظهر برزان وهو يركل رجلا منكمشا على الارض على نحو ثبت صورته كمنفذ الاحكام الخاص بصدام.

السقوط

* وبعد غزو القوات الأميركية للعراق في مارس (آذار) 2003 كان برزان أحد أوائل من ألقي عليهم القبض من عائلة صدام. إذ تمكن الأميركيون من اعتقاله يوم 16 ابريل (نيسان) 2003، أي بعد أسبوع واحد فقط من احتلالهم بغداد. وكان يرمز إليه في مجموعة ورق اللعب (الكوتشينة) التي أعدتها واشنطن للمطلوبين الأبرز من شخصيات السلطة المطاحة بالورقة «خمسة سباتي» وجاء في المرتبة الـ52 على القائمة التي ضمت 55 اسماً. ولكن قبل الاعتقال كان احد المقربين من أفراد عائلته قد ادعى من العاصمة المصرية القاهرة يوم 11 ابريل أنه قتل في غارة اميركية ـ بريطانية على منزله في مدينة الرمادي (إلى الغرب من بغداد) لكن قريباً آخر نفى مقتله. وجاء الإعلان الرسمي عن اعتقاله على لسان الجنرال فنسنت بروكس الناطق باسم «القيادة الوسطى للقوات الأميركية» الذي أفاد بأن برزان كان وحيداً حين طوقت القوات الخاصة الاميركية البيت الذي كان يختبئ فيه في بغداد، بناء على إخبارية من مخبرين عراقيين، وأنه اعتقل من دون إحداث أي إصابة فيه أو في أفراد القوة التي داهمت البيت. وكانت عدة منظمات معنية بحقوق الإنسان قد اتهمت برزان بتهم التعذيب والقتل العمد لمعارضي حكم صدام بينهم عدد من المنشقين المقيمين في الخارج، واتهمته بالمسؤولية عن جرائم القتل والاختفاء والترحيل القسري للعديد من أبناء الأقليات العرقية، وخصوصا الأكراد. وسعت منظمة بريطانية لمحاكمته بـ«ارتكاب جرائم حرب» ضد أكراد عراقيين، مدعية أنه ساعد شخصياً على قتل بضعة آلاف من عشيرة واحدة عام 1983. لكنه نفى تكراراً صحة هذه التهم.

... والنهاية

* غير أن التهمة التي حوكم عليها وأدين، وبالتالي صدر عليه الحكم بالإعدام الذي نفذ في الساعات الاولى من صباح امس، هي ضلوعه بقضية الدجيل، إذ اتهم بإصدار أوامر بقتل نحو 148 شخصاً من الشيعة عقب محاولة فاشلة لاغتيال صدام عام 1982. وفي محاكمته هذه أيضاً نفى برزان صحة الاتهام بشدة وتلاسن مراراً مع القاضي رؤوف رشيد عبد الرحمن الذي كان قد أمر غير مرة بطرده من جلسات المحاكمة. وبعد واحدة من خطبه الكثيرة والمطولة في المحكمة قال القاضي لبرزان «كفى دما» وان يديه متشبعتان بالدماء منذ طفولته. ويوم 5 نوفمبر (تشرين الثاني) 2006 حكمت عليه المحكمة الجنائية العراقية العليا بالإعدام شنقاً.