البندر.. محكمة الثورة التي ترأسها ألغيت بعدما فاحت رائحة أحكامها الظالمة

TT

ولد عواد حمد البندر السعدون، عام 1945. وهو بعثي كان يتولى رئاسة «محكمة الثورة»، التي أصدرت أحكام الإعدام في قضية بلدة الدجيل عام 1982، واتهمت بإجراء العديد من المحاكمات الصورية، التي أدت في كثير من الاحيان الى اصدار احكام عاجلة بالاعدام، بما في ذلك اعدام 35 قاصرا. ووفق مصادر عراقية مناوئة لحكم الرئيس المعزول الراحل صدام حسين، أنهى البندر دراسته الجامعية مجازاً في الحقوق، بيد أنه اتجه إلى العمل الإداري في جهاز وزارة الداخلية، ولم يدخل المعهد القضائي، ولم يتدرج في الوظائف والمناصب القضائية. غير أنه مع ذلك ارتقى السلم الوظيفي، مستفيداً من ولائه الحزبي. ومن ثم أسند إليه منصب رئيس «محكمة الثورة»، التي اشتهرت في العراق برهبتها وقسوتها وتبعيتها لرغبات السلطة المطلقة. ويتبع هذا المنصب، الذي يعادل رتبة مدير عام، مباشرة لرئاسة الجمهورية، ويتمتع شاغله بحماية الأمن الخاص. وعبر السنين اتهمت جهات في المعارضة العراقية المناوئة للعهد السابق، البندر بأنه منذ صار رئيساً لـ«محكمة الثورة» أثبت ولاءه للنظام بإصدار أشد الأحكام قسوة في أبسط القضايا الجنائية، وعرف بتنكره لكل الضوابط التي تستوجبها مستلزمات العدالة والقانون. ويقال إنه بعدما فاحت رائحة الأحكام الظالمة، التي كانت المحكمة تصدرها بحق الأبرياء، صدر أمر رئاسي بالغاء «المحكمة»، ونقل البندر إلى ديوان رئاسة الجمهورية، ليصبح نائباً لرئيس ديوان الرئاسة. تراث غير مشرف

* الجدير بالذكر أن تجاوزات «محكمة الثورة» وقسوتها وأحكامها الجائرة ليست جديدة على العراق. فقد عرف العراق في تاريخها أجيالا من المحاكم الخاصة والمجالس العرفية منذ العهد الملكي، الذي بدأ في مطلع عقد العشرينات من القرن الماضي. وكانت المجالس العرفية والمحاكم الخاصة تشكل من ضباط الجيش وتصدر أحكامها بحق المناوئين للسلطة الملكية آنذاك. واستمر العمل بالمحاكم الخاصة أو الاستثنائية بعد سقوط الحكم الملكي وقيام النظام الجمهوري. وكانت أولاها المحكمة التي ترأسها فاضل عباس المهداوي، وتولت محاكمة أركان العهد الملكي عام 1958.

واستمرت الممارسة مع تولي البعثيين الحكم، وصارت هذه المحاكم جزءاً من منظومة البطش والقمع بحق المعارضين أو أولئك الذي يشتم منهم رائحة تمرد أو تشكيك بالحكم. وكان من أبرز رؤساء هذه المحاكم الخاصة في الحقبة البعثية، نائب رئيس الجمهورية السابق ـ لاحقاً ـ طه ياسين رمضان (الجزراوي) عام 1970.

قضية الدجيل

* قضية الدجيل، التي كانت وراء إصدار حكم الإعدام بعواد البندر يوم 5 نوفمبر (تشرين الثاني) 2006، تولت النظر فيها «محكمة الثورة» برئاسة البندر وانتهت بإصداره احكام الاعدام ضد المتهمين بمحاولة اغتيال صدام عام 1982. وخلال محاكمة البندر على أحكامه، قال إنه أصدر أحكامه بالموت على من ثبت أنهم شنوا هجوماً مسلحاً على موكب صدام بإيعاز من ايران. وذكر البندر خلال الإدلاء بأقواله، ان «الـ148 شخصاً، وبينهم 35 قاصرا، الذين اعدموا بعد محاولة الاغتيال ضد موكب صدام، كانوا قد اعترفوا في إفاداتهم بأنهم قاموا بهذا العمل بدافع من ايران من اجل احتلال العراق، ونحن كنا في حالة حرب مع ايران (1980-1988)». وتابع البندر أنه «عثر على اوكار اسلحتهم في بساتين الدجيل، مع وثائق تشير الى ارتباطاتهم لصالح ايران، من خلال انتمائهم لحزب الدعوة الذي كانت قياداته موجودة في ايران». وأردف «لقد اعتدوا على رئيس الدولة والقائد العام للقوات المسلحة وليس على مجرد جندي، وكانت هناك جبهة قتال وشهداء يسقطون. لم يكن وضع العراق طبيعياً، بل كنا في حالة حرب مع ايران». وأشار الى ان «ثمة مادة في قانون أصول المحاكمة تحمل الرقم 181 تجيز في يوم واحد اصدار الاحكام وتنفيذ العقوبة... وجميع المتهمين الـ148 اعترفوا بأنهم شاركوا في محاولة الاغتيال، وعلى هذا الاساس تمت محاكمتهم جميعهم». واكد البندر ان «المتهمين لم يكونوا محرومين من اي حق ودافع عنهم محاموهم». وتابع «انا قاض وضميري لا يسمح لي بالحكم باعدام من لم يبلغ العشرين من العمر».

من ناحية ثانية، إبان محكمة البندر، أعلن يوم 22 اكتوبر (تشرين الأول) 2005 العثور على محاميه سعدون عنتر الجنابي مقتولا، بعد يومين من خطفه. وكان الجنابي قد تعرض للخطف على يد نحو 20 مسلحاً. وأفادت قوات الأمن العراقية بأنه عثر على جثة المحامي وراء مسجد الفردوس في حي أور بشمال شرق بغداد. وانه «قتل بإطلاق نار في الرأس والصدر، ولم يكن معصوب العينين او موثق اليدين».