تركيا «المصدومة» تتعهد بالتحقيق في قتل صحافيها الرافض لموقفها بشأن الأرمن

إطلاق 3 مشبوهين وإدانات دولية وربط الجريمة بإعاقة الانضمام إلى أوروبا

TT

تعهدت الحكومة التركية امس بالقيام «بكل ما هو ضروري» لإيجاد ومعاقبة قتلة الصحافي الأرمني الأصل هرانت دينك، الذي اصبح العدو اللدود لأوساط القوميين بسبب تصريحاته بشأن إبادة الأرمن في عهد السلطنة العثمانية والذي قتل برصاص مجهول اول من امس في اسطنبول.

وقال رئيس الوزراء طيب رجب أردوغان اثناء لقاء سياسي في كيزيلجهمان قرب انقرة «ان الفعلة لن يفلتوا من يد العدالة»، واكد ان «السلطات ستقوم بكل ما هو ضروري لجلب المنفذ وأولئك الذين خططوا لجريمة القتل او الذين يقفون وراءها امام القضاء».

وقال وزير الداخلية عبد القادر اكسو الذي جاء ليطلع على تقدم التحقيق في اسطنبول، انه تم الافراج عن ثلاثة اشخاص اوقفوا واستجوبوا الليلة قبل الماضية للاشتباه في علاقتهم بجريمة القتل.

وقتل دينك، 53 عاما، بثلاث رصاصات في الرأس والعنق امام مكاتب مجلة «اغوس» لتي يتولى ادارتها وتصدر باللغتين التركية والارمنية، في سيسلي بوسط مدينة اسطنبول. ووصفت وسائل الاعلام نقلا عن شهود عيان للجريمة ان منفذ جريمة قتل دينك يتراوح عمره بين 18 و19 عاما ويعتمر قلنسوة بيضاء ويرتدي سترة جينز، بينما نقلت وكالة انباء الاناضول التركية عن شهود آخرين تأكيدهم انهم شاهدوا رجلا يبلغ من العمر بين 25 و30 عاما يلوذ بالفرار.

وقد أثار اغتيال دينك المفكر الذي انتقد الموقف التركي الرسمي من المجازر التي ارتكبت بحق الارمن في الاناضول في ظل الامبراطورية العثمانية والذي نعته اليمين المتطرف بـ«الخائن» لوصفه المجازر بـ«الابادة»، الصدمة في سائر انحاء البلاد. وكتبت كل من صحيفتي «حرييت» و«صباح» الواسعتي الانتشار على صدر صفحتهما الاولى «القاتل خائن» و«الخيانة العظمى» على التوالي، واستخدمتا العبارة التي يستخدمها اليمين المتطرف للتنديد بالصحافي دينك وغيره من المثقفين الذين يعارض بعضهم الطروحات الرسمية حول مجازر الارمن بين 1915-1917، فيما عبر العديد من كتاب الافتتاحيات عن اسفهم لخسارة رجل صاحب «قلب كبير».

ورغم الجدل، فقد تمكن هرانت دينك من انتزاع اعجاب الكثيرين لعمله وتفانيه من اجل قضية الحوار التركي الارمني، الامر الذي دفعه خصوصا للتنديد بقوة في اكتوبر (تشرين الاول) الماضي باقتراح قانون فرنسي يرمي الى معاقبة إنكار إبادة الأرمن. وأخذت الصحف التي أدانت بالاجماع عملية القتل واعتبرتها بمثابة «عار وطني»، امس على السلطات عدم توفيرها الحماية المناسبة للصحافي الذي كتب في مجلته انه كان يتلقى تهديدات ويخشى على حياته. وعلق اوكتاي غوننسين في افتتاحيته في صحيفة «وطن» الشعبية «ان الحادث يفيد الذين يريدون ان تقطع تركيا علاقاتها مع الغرب وتجمد انضمامها الى الاتحاد الاوروبي».

وكان هرانت دينك ادين في اكتوبر 2005 بالسجن ستة اشهر مع وقف التنفيذ بتهمة «اهانة الهوية التركية» مما أثار انتقادات حادة من جانب الاتحاد الاوروبي الذي ندد بانتهاك حرية التعبير.

وأمس، عبرت الرئاسة الالمانية للاتحاد الاوروبي عن «صدمتها لعملية الاغتيال الدنيئة» لهرانت دينك «الصحافي الشجاع والمدافع المتحمس عن الديمقراطية وحرية الرأي». وجاء في بيان الرئاسة الالمانية ان دينك «كان يسعى دوما الى المصالحة ويتفادى إثارة المواجهات. كان يدعم بكل وضوح الاصلاحات الديمقراطية في تركيا»، مضيفة ان «هرانت دينك كان يحظى لذلك باعتبار كبير في تركيا لدى جماعات رأي مختلفة وكذلك في اوروبا». واكد البيان «ان الرئاسة مقتنعة بان السلطات التركية ستعمل بسرعة لكشف هذا العمل ولا تشك في ان تركيا ستواصل طريقها بكل عزم من اجل تحقيق حرية الرأي».

ومن جهتها، اعتبرت اليونان امس ان جريمة القتل «المريعة» التي ذهب ضحيتها دينك تهدف الى نسف الجهود التي تبذلها تركيا لدخول الاتحاد الاوروبي. وقالت وزيرة الخارجية اليونانية دورا باكويانيس في بيان «ان جريمة القتل المريعة لهرانت دينك الرجل الذي ناضل من اجل الحق الاساسي في حرية التعبير يستهدف مباشرة جهود الشعب التركي للحصول على مستقبل اوروبي». ودان الرئيس الفرنسي جاك شيراك بقوة امس مقتل الصحافي التركي دينك، وقال في رسالة وجهها الى أرملة الضحية: «ليس عندي كلمات قاسية بما فيه الكفاية لادانة هذا العمل الشنيع الذي يحرم تركيا من احد اصواتها الاكثر شجاعة والاكثر حرية». «كان هرانت دينك مع كل المعارك من اجل الحرية والدفاع عن حقوق الانسان»، مضيفاً ان «هذا المحامي عن التاريخ وعن المصالحة التركية ـ الارمنية كان يؤمن بهذا الحوار وبضرورته واستعجاله». وفي ارمينيا، شنت وسائل الاعلام حملة امس على السلطات التركية متهمة اياها بعدم اتخاذ التدابير الضرورية لحماية الصحافي دينك. وكتبت صحيفة «ايكاكان دزاماناك» امس انه كان على «السلطات التركية ان تضمن امن دينك. كان قد تلقى رسائل تهديد عدة وابلغ الشرطة بذلك». وقالت صحيفة «ارافوت» من جهتها «يمكن ابداء شكوك جدية حول قدرة تركيا على التحول الى بلد متمدن ومعرفة ما اذا كانت جاهزة للاندماج في اوروبا». كذلك، اصدرت حركة الشباب المرتبطة بالحزب القومي «دشناك تسوتيون» بيانا جاء فيه ان «اغتيال دينك ليس موجها ضد حرية التعبير فحسب، بل هو ايضا مؤشر على عودة الهستيريا المعادية للأرمن في بلد نفذ إبادة في حق الارمن في بداية القرن الماضي».

وقد جرى دفن دينك امس، في حين سار حوالي خمسة آلاف شخص الليلة قبل الماضية في اسطنبول على هتافات «نحن جميعنا ارمن، نحن جميعنا هرانت».