العنف يحول بغداد إلى سجن لساكنيها

«الشرق الاوسط» تعيش مع شاب حياته اليومية في العاصمة

TT

لم يعد للحياة الاجتماعية مكان في مدينة تسكنها الفوضى كالعاصمة العراقية، فقد ألقت أحداث العنف ظلالها إلى حد بعيد على حياة سكان مدينة بغداد، وجعلتها بمثابة معتقل كبير لساكنيها.

ولعل رائد جميل، 16 سنة، واحد من ملايين العراقيين الذين يقضون معظم يومهم داخل المنزل، خوفا من حدث مفاجئ قد يقلب حياتهم رأسا على عقب، او قد يكلفهم حياتهم ذاتها.

وفي مدينة هاجسها الخوف والقلق قد لا يجد المرء، لا سيما الشباب منهم تسلية سوى الانترنت، حيث يقضي رائد ساعات طويلة من يومه امام شاشة الكومبيوتر، والطريف في الامر انه يقضي تلك الساعات في استخدام «الماسنجر»، لتبادل الأحاديث مع اصدقاء قد يسكنون على بعد عدة امتار من منزله، بسبب الوضع الامني المتدهور وحظر التجوال الذي يبدأ عادة في التاسعة مساء. وحتى وسيلة للترفيه كالانترنت قد لا تكون متاحة في كثير من الاحيان، بسبب الانقطاع المستمر في التيار الكهربائي.

باتت حياة رائد محدودة بشكل لا يوصف، فشاب في مثل عمره قد يصبح في أي لحظة هدفا للجماعات المسلحة السنية او الميليشيات الشيعية، فهو يذهب الى المدرسة صباح كل يوم، بيد انه لا يقضي فيها سوى ساعات قلائل. ويوضح رائد ما حصل في مدرسته ذات مرة « منذ ايام اقتحم المدرسة عدد من المسلحين وهم يحملون المسدسات والكلاشنكوفات، علمت في ما بعد انهم من ميليشيا جيش المهدي، لقد شعرنا بالخوف الشديد، إلا أني تمكنت من الهرب بعد ان قفزت من السور الخلفي للمدرسة».

اخبره اصدقاؤه لاحقا ان المسلحين اتجهوا الى غرفة المدير واشبعوه ضربا، كما بصقوا في وجهه. ولم يعلم رائد سبب هذا الهجوم المباغت، الا انه قال ان مثل هذا الاحداث تحصل عندما يعاقب احد المدرسين طالبا يصدف انه عضو في الميليشيا، فيعمد هذا الطالب في ما بعد الى الاستنجاد برفاقه من المسلحين للانتقام من المدرس. ان العيش في حي كالكرادة، الذي تسكنه غالبية شيعية يجعله تحت سيطرة الميليشيات الشيعية، كفيلق بدر وميليشيا جيش المهدي، الا ان الميليشيا الاخيرة باتت تلعب دورا اكبر في السيطرة على حياة السكان، ويقول رائد وهو مسيحي، ان معظم اصدقائه ينتمون الى جيش المهدي، ويصفهم بشيء من الاعجاب «بالرجال الاشداء». ويذهب رائد في بعض الاحايين الى النادي المجاور، للعب البليارد مع أصدقائه عند انتهاء دوامه المدرسي، ويقضي هناك عدة ساعات ليعود مسرعا الى البيت قبيل حلول موعد بدء حظر التجوال. ويقول رائد: «في احدى المرات اغار جيش المهدي على النادي، عندما كنا هناك واعتقلوا أشخاصا كانوا يشربون الكحول، كما اعتقلوا عددا اخر كانوا يرتدون السراويل القصيرة». وتحاول الميليشيات الشيعية منها والسنية ذات الطابع الاسلامي، فرض القوانين الإسلامية المتشددة على الرجال والنساء على حد سواء.

ويفتقد رائد كثيرا لعبة كرة القدم، التي اعتاد على ممارستها في الماضي في ناد رياضي في حي بعيد عن منطقة سكناه. لكن والده ارغمه على ترك هذه الرياضة، بعد ان تملكه الخوف على مصير ابنه. فقد شاعت في الآونة الأخيرة حالات قتل واختطاف رياضيين مشهورين، من اجل ثأر طائفي أو للحصول على فدية. ويقول رائد بمرارة «انفجرت سيارتان ملغومتان بالقرب من النادي، الا ان الانفجارات لا تخيفني فهي تقع في كل مكان». ويضيف «اعتقد ان والدي على حق فلا يكاد يمر يوم من دون ان نسمع فيه عن مقتل او اختطاف او هروب احد الرياضيين».

ورائد هو الابن الوحيد لعائلة صغيرة مكونة، بالاضافة الى والديه، من شقيقته التي تكبره بعدة اعوام، وقد تركت البلاد بصحبة زوجها إلى الأردن، مثل الكثير من العوائل العراقية، التي وجدت في عواصم الدول العربية المجاورة الملاذ الأخير للنفاذ بجلدها من دوامة العنف.

وقد بدأت عائلة رائد بالتفكير جديا بإرساله للعيش مع شقيقته لضمان حياته. ويقول رائد بشيء من الحماسة «سأعيش مع شقيقتي وزوجها وسيرسل لي والدي المال اللازم لأنفقه هناك». ويضيف، «ليس لدي خيار آخر، فأنا لا أمل لي مطلقا في العيش هنا.. قد اذهب في ما بعد إلى أي بلد أوروبي واطلب اللجوء السياسي». وليس رائد وحده من يفكر بهذه الطريقه فآلاف الشباب العراقيين باتوا يفكرون بهذه الطريقة، بعد أن فقدوا الأمل في استعادة الأمن والاستقرار لبلادهم.