السعودية تطلب من «الناتو» توضيح سياسات دوله حيال قضايا المنطقة قبل الشراكة معه

سعود الفيصل: التعاون الفعال يتطلب البعد عن ازدواجية المعايير معرفة النوايا

TT

طلبت السعودية أمس، على لسان وزير خارجيتها الأمير سعود الفيصل، من الدول الأعضاء في حلف الناتو، توضيح سياساتها واتجاهاتها إزاء قضايا منطقة الشرق الأوسط، كي يتسنى لها على ضوء تلك السياسات، تحديد موقفها حيال الدخول في شراكات مع الحلف.

وقدم حلف شمال الأطلسي «الناتو» للرياض، عرضا للانضمام إلى مبادرة اسطنبول، والتي تتعلق بتبادل المعلومات، والتدريب، ومكافحة الإرهاب.

وأكد الأمير سعود الفيصل في هذا الإطار، أن بلاده ستخضع العرض المقدم لها من حلف شمال الأطلسي «الناتو» للانضمام لمبادرة اسطنبول للدراسة، وهي المبادرة التي انضمت إليها 4 دول خليجية هي: الكويت والإمارات وقطر والبحرين، منذ المصادقة عليها في يونيو 2004.

غير أنه شدد على ضرورة معرفة الأهداف والنوايا والمنطلقات التي تنطلق منها مبادرة اسطنبول، حتى لا يؤثر انضمام بلاده إليها إن تم، على مواقفها التقليدية، مؤكدا أن بلاده ستتخذ القرار المناسب في هذا الشأن.

وقال وزير الخارجية السعودي، إن التعاون الفعال يتطلب تحقيق أكبر قدر ممكن من الثقة والشفافية، والبعد عن ازدواجية المعايير وانتقائيتها، مما يستدعي توضيح سياسات وتوجهات الدول الأعضاء في حلف الناتو تجاه القضايا التي تهم المنطقة.

وعقد الفيصل صباح أمس، جلسة مباحثات جمعته باليساندرو ريتزو نائب الأمين العام لحلف الناتو، الذي يزور البلاد حاليا. وأوضح الفيصل أن فحوى المباحثات التي أجراها مع نائب أمين حلف الناتو، تركزت على البرنامج المطروح ضمن مبادرة اسطنبول، وإمكانية الاستفادة منها.

وكان الفيصل وريتزو قد افتتحا أمس، ندوة بعنوان «الناتو ودول مجلس التعاون الخليجي: التعاون ضمن إطار مبادرة اسطنبول»، وهي الندوة التي تبحث في موضوعات: الناتو بعد الحرب الباردة، والناتو والقضايا الإقليمية في الشرق الأوسط، إضافة إلى موضوع سبل الارتقاء بمباردة اسطنبول للتعاون.

وفي دعوة للانضمام إلى مبادرة اسطنبول، قال ريتزو، إن الناتو سيستفيد من مشاركة السعودية في هذه المبادرة، والتي سيكون لها أثر في تعزيز السلام والاستقرار في المنطقة، موضحا أن السعودية تعد دولة أساسية في منطقة الخليج والشرق الأوسط، «ولديها قدرات كبيرة جدا»، فيما اعتبر أن دورها التقليدي في السلام والاستقرار، يجعلها لاعبا رئيسيا في منطقة الخليج.

ورأى نائب الأمين العام لحلف الناتو، أن استضافة الرياض لندوة الناتو ودول الخليج العربي، مؤشرا مشجعا لرغبة هذه الدولة للمشاركة في نشاطات الحلف، داعيا المسؤولين في السعودية، إلى البناء على الاتصالات الجيدة بين الطرفين.

إلا أن الفيصل رأى في انعقاد الندوة التي تجمع بين الخبراء والأكاديميين من جهة، وبين المسؤولين من قطاعات متعددة من جهة ثانية، أهمية بالغة نظراً لما يتوخى منها من توفير فرصة مثالية لتبادل الأراء والأفكار وطرح التساؤلات والتطلعات بكل صراحة وشفافية، مما سيساعد على تحقيق فهم افضل لبقية التفاصيل التي قد تشتمل عليها مبادرة اسطنبول بحيث تتضح الرؤى وتتحدد المرامي، ويجري تقييم شامل للجدوى المتوخاة.

وأكد ريتزو، أن دول العالم الآن، ليست بمنأى عن أي من التهديدات الجديدة والمعقدة، والمخاطر التي تهدد البيئة الأمنية للقرن الـ21، وقال «يجب أن نتخطى العوائق والحدود الدينية والثقافية والجغرافية، إذا أردنا مواجهة هذه التحديات».

وقال ريتزو إن انضمام السعودية لمبادرة اسطنبول، سيكون لصالحها، في جانب الفوائد المتبادلة التي توفرها هذه المبادرة، بما يمثل فرصة لاكتشاف قدرات المبادرة مع الشركاء الخليجيين.

من جانبه، شدد الفيصل على ضرورة أن يستند أي تعاون، إلى احترام سيادة الدول وخصوصيات مجتمعاتها وخياراتها السياسية والفكرية، مع التسليم بوجود قيم عالمية يشترك فيه الجميع، مثل احترام حقوق الإنسان ومساواة المواطنين في الحقوق والواجبات ونبذ العنصرية والإرهاب. وأكد وزير الخارجية السعودي، أن منطقة الشرق الأوسط من أكثر مناطق العالم اضطراباً بسبب تدهور الاوضاع الأمنية في مناطق مركزية منها فلسطين والعراق أو في مناطق مجاورة لها مثل: افغانستان والصومال، مشددا على ضرورة بلورة تعاون دولي فاعل للعمل على تحقيق استقرار المنطقة بوصفه جزءاً أساسياً من المحافظة على الأمن الدولي، علاوة على أهمية ذلك في ضمان استقرار إمدادات الطاقة العالمية والمحافظة على استقرار الاقتصاد العالمي.

ورأى الفيصل أن الفكر المتطرف لا ينمو ولا يتغذى إلا عبر تنامي مشاعر اليأس والاحباط الناتجة بدورها عن فشل المجتمع الدولي في حل الصراعات المزمنة على أسس الشرعية الدولية. وفي موضوع مكافحة الإرهاب، قال الفيصل إن بلاده تؤكد باستمرار على أهمية مكافحة الارهاب والتطرف ونشر قيم التسامح الوسطية والاعتدال وإحلال الحوار القائم على الاحترام المتبادل بين الثقافات محل صراعها ومكافحة الافكار العنصرية والصور النمطية السلبية بين الشعوب.

وأضاف، من واقع التجربة السعودية، فإن العامل الأساسي والحاسم في تحقيق النصر ضد الإرهاب، وفقا للفيصل، هو كسب المواطنين إلى جانب الجهود الأمنية والفكرية المبذولة، وهو الأمر الذي يتطلب تضافر جميع العوامل السياسية والفكرية والإعلامية لتدعيم العوامل الأمنية والعملياتية والاستخبارية وتعزيزها، مشددا على أن مكافحة الإرهاب لا يمكن أن تنجح بدون عمل عالمي متكامل.

وأعرب وزير الخارجية السعودي عن أمل بلاده، في أن يكون المستقبل الذي أعقب انتهاء الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي، أفضل ولو على المدى البعيد، في جانب ترسيخ معايير الشرعية الدولية في عالم يسوده تبادل المنافع والمصالح وتزايد الاعتماد المتبادل بين الدول مع إمكانية التفكير في فرص الاستفادة من الهياكل الأمنية والعسكرية القائمة، وصولاً إلى انضوائها مستقبلاً في إطار الأمم المتحدة.

وقال الفيصل إن بلاده تتابع باهتمام بالغ، ما شهده حلف شمال الاطلسي من عمليات تطوير وتكيف بعد انتهاء الحرب الباردة، التي تمخضت عن توسع الحلف ليشمل ستة وعشرين عضواً وعقده لشراكات مع روسيا، وبعض دول شرق أوروبا وتقديمه برامج للتعاون المتوسطي شملت بعض الدول العربية واضطلاعه بمسؤوليات أمنية وعسكرية بالتعاون مع الحكومة الافغانية، ثم بلورته لمبادرة اسطنبول للتعاون والتي تضم حالياً بعض دول مجلس التعاون.

ورحب الأمير الفيصل بتوجه الناتو للتعاون مع دول المنطقة، بما فيها دول الخليج العربية، معتبرا أن التعاون في مجالات تبادل المعلومات والخبرات والتقنيات المرتبطة بمكافحة الارهاب، وأمن الحدود وإدارة الكوارث ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل وتبادل النصح والمشورة في مجالات التخطيط والتدريب والإدارة المالية بين الأجهزة المعنية يظل موضع ترحيب دائم.

وشدد الفيصل على سياسة بلاده الرامية إلى توحيد الجهود والمواقف العربية والساعية إلى إعلاء صوت العقل والاعتدال، بدلاً من الانسياق وراء المزايدات العاطفية والشعارات الفارغة والداعية إلى البناء على ما تحقق من تراكمات إيجابية في العمل العربي والإسلامي المشترك، عبر دعم وتقوية الروابط التي يعبر عنها مجلس التعاون لدول الخليج العربية والجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي.