المالكي حاول مواجهة بوش طالبا المزيد من «السلطات» وليس القوات

الرئيس الأميركي ومساعدوه توصلوا إلى قناعة من العام الماضي بأن العملية السياسية وحدها لن تحقق الاستقرار للعراق

TT

كانت لدى رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي مفاجأة للرئيس بوش عندما جلسا مع مساعديهما في فندق الفور سيزونز بالعاصمة الأردنية عمان. فقد اقترح المالكي ومستشاره للأمن القومي أن تنسحب القوات الأميركية الى ضواحي بغداد وتجعل العراقيين يتولون الأمن في العاصمة التي تمزقها النزاعات. وقال المالكي انه لا يريد مزيدا من القوات الأميركية على الإطلاق وإنما مزيدا من السلطة فحسب. وأصغى الرئيس باهتمام الى الاقتراح غير المتوقع في اجتماعهما الذي جرى يوم 30 من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وفقا لتقارير عدد من مسؤولي الإدارة. وبدا بوش معجبا بالمالكي الذي اخذ بزمام المبادرة، ولكن الأمر لم يتطلب منه كثيرا من الوقت حتى يرفض الفكرة.

وبحلول الوقت الذي عاد فيه بوش الى واشنطن كانت الخطة قد اختيرت من جانب قادته العسكريين. ففي اجتماع في قاعة روزفلت بالبيت الأبيض ابلغ الرئيس مستشاريه صراحة بأن خطة المالكي لن تجد سبيلها الى التطبيق. وكان قد توصل الى ان العراقيين ليسوا مستعدين للمهمة وان بغداد يمكن أن تنهار وتنحدر نحو الفوضى مما يجعل الوضع أسوأ. وبالتالي فانه سيتعين على الأميركيين ان يمدوا يد المساعدة.

ومنذ اجتماع أوائل ديسمبر (كانون الأول) ذاك، راح بوش يتجه في طريق يؤدي الى تحدي نقاده والرسالة التي يبدو أن انتخابات نوفمبر وجهتها وذلك باصدار أمر بارسال ما يزيد على 21500 من القوات الأميركية الاضافية الى العراق. وتكشف اعادة بناء مراجعة الادارة لسياستها في العراق، اعتمادا على ما يزيد على 12 مقابلة مع كبار المستشارين ومساعدي بوش ومشرعين ومسؤولين في الأمن القومي، تكشف عن أن الرئيس يقف في الطليعة لدفع العملية بجهد أعظم من اجل تحقيق النصر، على الرغم من الشكوك على امتداد الطريق من قادته العسكريين ومشرعيه والجمهور الى حد كبير.

ولم يفكر جديا بالشروع في سحب القوات الأميركية، حسبما دعا زعماء الكونغرس الديمقراطيون المنتخبون أخيرا ومجموعة دراسة العراق التي شكلها الحزبان الجمهوري والديمقراطي. وقد بات متشككا في قادته العسكريين ممن ابلغوه بأنه لا ضرورة لمزيد من القوات.

وهكذا فقد اعتمد بوش على حكمه الخاص من أن أفضل جواب يتمثل في محاولة اخرى للقضاء على العنف الطائفي في بغداد، حتى على حساب وضع الجنود الأميركيين في نيران متبادلة بين المتمردين السنة والمليشيات الشيعية. وعندما عارض جنرالاته ارسال مزيد من القوات بدا منزعجا. وعندما وافقوا اخيرا على المضي بالخطة ضاعف عدد القوات الذي طلبوه. وتعود خطة بوش الجديدة بشأن العراق في اصلها الى الصيف الماضي، بعد ان انهارت ثانية عمليتين استهدفتا تقليص العنف المتصاعد في بغداد. ولفترة زادت على ثلاث سنوات كان بوش ومستشاروه يشنون الحرب على المعتقد الأساسي في أنهم ما ان يقيموا حكومة ديمقراطية دستورية فان التمرد السني والعنف الطائفي سيتقلصان. وبحلول اوائل الربيع وحتى عندما كان بوش يمضي في الحملة التي تتهم الديمقراطيين بالانهزامية كان ومستشاروه يتوصلون الى استنتاج أن افتراضاته السياسية خاطئة. فالعملية السياسية لن تؤدي الى تحقيق الأمن في العراق. والحقيقة ان الأمر على النحو المعاكس. وبدأوا يشكون بنصيحة وزير الدفاع دونالد رامسفيلد وكبار القادة العسكريين في بغداد من أن مستويات القوات كافية لاحتواء العنف.

وقال مسؤول كبير في الادارة طلب، شأن آخرين شاركوا في مناقشة قضايا داخلية، عدم الإشارة الى اسمه «كان من الواضح عندما تنظر الى افتراضاتنا ان ترى ان كثيرا منها لم يكن صائبا».

وتوصل بوش مع اقتراب انتخابات الكونغرس يوم السابع من نوفمبر الماضي الى انه من اجل تغيير الاتجاه كان يتعين عليه التخلص من رامسفيلد، أكبر شخصية في ادارته ممن هم أكثر اعتراضا على اعادة التفكير باستراتيجية العراق. وفي الوقت نفسه جرت مراجعات من جانب وكالات عدة للسياسة بشأن العراق. ولكن القرارين ظلا سرا الى ان انتهى الاقتراع.

وفي غضون ذلك ارسل بوش مستشار الأمن القومي ستيفن هادلي الى العراق لجلب ما سماه مسؤولو البيت الأبيض «الحقيقة على الأرض». وعاد هادلي من رحلة استمرت من 29 أكتوبر (تشرين الأول) حتى 5 نوفمبر الماضيين قلقا ومنزعجا الى حد كبير بسبب حكومة المالكي وغير واثق مما اذا كان رئيس الوزراء قادرا على القيام بما هو ضروري لكبح جماح المليشيات الشيعية.

وفي اليوم الذي اعقب الانتخابات اعلن بوش انه سرح رامسفيلد وأحل محله مدير وكالة المخابرات المركزية السابق روبرت غيتس. وفي ذلك اليوم ارسل هادلي مذكرة سرية من خمس صفحات الى الرئيس اقترح فيها تعزيز قدرات المالكي الأمنية والسياسية، وطرح امكانية ارسال مزيد من القوات. وفي 14 نوفمبر الماضي امر بوش بجمع مراجعات الوكالات المختلفة في عملية واحدة وأعلن انه سيقود الأمر بنفسه. وبدأت مجموعة يقودها جي. دي. كروتش، مساعد مستشار الأمن القومي، سلسلة من اجتماعات استمرت سبع او ثماني ساعات يوميا. وفي قاعة مؤتمرات حملت اسم كورديل هول، وزير الخارجية في فترة الحرب العالمية الثانية، كان الفريق الخاص بالعراق يناقش الأوراق التي قدمها مسؤولون كبار في الحكومة. وحث مسؤولون في وزارة الخارجية على الاتصال الأكثر حيوية مع العراقيين خارج المنطقة الخضراء في بغداد، من اجل الحيلولة دون فشل حكومة المالكي. وعبر مسؤولون آخرون، بينهم عاملون في مكتب نائب الرئيس تشيني، عن القلق من أن خطوات الولايات المتحدة نحو الاتصال بالعراقيين السنة الذي يشعرون بالاستياء لم تؤد الى تقليص في العنف.

وناقش المسؤولون في البيت الأبيض كيفية الرد على تقرير مجموعة دراسة العراق التي تضم أفرادا من الحزبين السائدين والتي ترأسها وزير الخارجية السابق جيمس بيكر الصديق المقرب من والد الرئيس بوش، وعضو الكونغرس السابق الديمقراطي لي هاميلتون والذي يحظى باحترام واسع. وقال المسؤولون في البدء إنهم يأملون بأن تكون المجموعة وسيلة لجلب الحزبين معا بعد الانتخابات المريرة الأخيرة.

لكن اللجنة قدمت عدة اقتراحات رفضها البيت الأبيض مباشرة خصوصا خطة سحب القوات المقاتلة قبل حلول انتهاء أوائل عام 2008، وفتح مفاوضات مع جيران العراق، سورية وإيران، ووضع شروط بخصوص مساندة أميركا لحكومة المالكي. وكان مفاجئا أن يكون الاقتراح الذي قدمه بوش للمالكي خلال اجتماعهما الأخير في عمان هو نسخة مما اقترحته مجموعة دراسة العراق حسبما قال مسؤولون من البيت الأبيض. فالخطة تستند إلى تطويق بغداد بقوات أميركية بينما تحارب قوات الأمن العراقية العنف الطائفي في المدينة. وتتحرك الوحدات الأميركية الأخرى إلى الحدود مع إيران وسورية لإيقاف المتسللين، وهذا ما يترك القوات الأميركية بمهمة قتالية واحدة هي مهاجمة عناصر القاعدة في محافظة الأنبار الواقع في غرب العراق. والخطة تدعو الى عدم سحب القوات الأميركية من العراق، بينما العراقيون يحاولون حل الخلافات القائمة في ما بينهم. لكن بوش كان قلقا من أن تكون مبادرة من هذا النوع تعني خسارة الحرب.

وقال هادلي في مقابلة جرت معه:«أصبح مقتنعا أن ذلك غير مناسب. دعنا نفترض أن العنف الطائفي تصاعد. هل الوحدات الأميركية في هذه الحالة ستتمركز خارج المدينة بينما يغمر العنف الطائفي بغداد؟ لا أظن ذلك».

وقال دان بارتلت، أحد مستشاري الرئيس بوش، إن تقديم المالكي خطة أثناء اجتماع عمان هو علامة على اهتمامه الكبير في حل مشاكل بغداد الأمنية. وقال «نحن جميعا ندرك أنها طموحة جدا. لكن ما أحبه الرئيس هو العزيمة والإرادة التي أظهرها رئيس الوزراء العراقي في تحمل المسؤولية» .

والمشكلة الأخرى التي واجهها الرئيس بوش تتمثل في عدم رغبة القادة العسكريين حقا بزيادة عدد القوات. فالجنرالان جون أبي زيد قائد القيادة الوسطى الخاصة بالشرق الأوسط، وجورج كيسي آمر القوات الأميركية في العراق، عارضا قدوما واسعا لوحدات أميركية أخرى لأنهما غير مقتنعين بأن ذلك سيغير الديناميكيات على الأرض».

وحاول بوش أن ينتزع بعض المخاوف التي أثارها الجنرالات حول تمطيط قدرات الجيش خارج طاقته وقال لصحيفة «واشنطن بوست» بعد ستة أيام إنه سيزيد من حجم القوات البرية والبحرية الأميركية. وحينما كان غيتس في بغداد ذلك الأسبوع عاد مع موافقة حصل عليها من كيسي لزيادة عدد القوات شرط ألا يتم تحجيم آمر القوات الأميركية من قبل الحكومة الأميركية وأن تعالج الولايات المتحدة حاجيات العراق الاقتصادية. مع ذلك، فإن بوش والقادة العسكريين صاغوا خطة مختلفة في عدة جوانب. فأولا طلب كيسي لواءين لبغداد إضافة إلى لواء ثالث يتم تمركزه في الكويت ويكون كاحتياط مع لواءين يبقيان على أهبة الاستعداد في الولايات المتحدة.

لكن الرئيس الأميركي قرر أن ذلك غير كاف فمستشاروه درسوا التجربة في مدينة الموصل الشمالية تحت قيادة الجنرال بتراوس الذي تمكن من تحجيم التمرد هناك وقرروا أنهم لن يجازفوا بوضع وحدات عسكرية قليلة. وآنذاك قرر بوش تبديل كيسي ببتراوس، ومن خلال وسطاء تمكن بوش أن يمد يده إلى بتراوس، الذي كان أكثر تأييدا لزيادة عدد الوحدات في العراق مما طلبه كيسي.

لذلك قام الرئيس بوش بتغيير خطة كيسي، إذ قرر أن يرسل خمسة ألوية إلى بغداد بدلا من اثنين من خلال نشرها عبر مراحل متتالية.

*خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»