الجيش اللبناني يرد على اتهامه بالتواطؤ: لا ضير فيه إذا كان يساوي خلاص الشعب

الوزير سركيس لـ«لشرق الأوسط»: ما جرى سيكون مدار بحث

TT

كان يوم امس «استراحة محارب» للمعارضة والاكثرية في لبنان بعد الاحداث الدامية التي تخللت يوم الاضراب العام والتي استمرت اهتزازاتها الارتدادية امس. واستغل الطرفان الاستراحة التي فرضتها الاتصالات الاقليمية العاجلة حول الوضع اللبناني لاجراء تقويم لما حصل، في انتظار اتضاح صورة هذه الاتصالات وتأثيرها على الوضع الداخلي. فيما رفعت قوى «14 آذار» لهجتها حيال قوى المعارضة التي سماها النائب سعد الحريري امس «قوى الدواليب»، ويتوقع ان يعقد النائب وليد جنبلاط اليوم مؤتمراً صحافياً للحديث عنها.

وكان الموقف «الحيادي» الذي اعتمده الجيش اللبناني ازاء تحركات المعارضة، موضع تساؤلات من فريق «14 آذار»، وقال وزير «القوات اللبنانية» جو سركيس لـ«الشرق الاوسط» ان ما حصل سيكون موضع بحث مع رئيس الحكومة فؤاد السنيورة والوزراء بعد عودته من مؤتمر «باريس ـ3» مشيراً الى ان انتقاد رئيس الهيئة التنفيذية لـ«القوات» الدكتور سمير جعجع لموقف القوى الامنية كان لأنه اعتبر ما حصل تواطؤا من الجيش او اهمالاً.

اما الجيش اللبناني فرد على الاتهام بالقول: «ان ما اوحي به من تواطؤ لا ضير فيه اذا كان يساوي خلاص الشعب» آملاً ان يحذو الجميع حذو الجيش «للحفاظ على وحدة لبنان ومستقبل ابنائه».

وردا على سؤال لـ«الشرق الاوسط»، قال وزير الاعلام اللبناني غازي العريضي ان القوى الامنية «واجهت وضعا صعبا وأرادت ان تتدارك المشكلات» كاشفا ان الحكومة اجرت اتصالات واجتماعات مع قيادة الجيش اول من امس على مدار اليوم وحتى ساعة متأخرة من الليل «لتقييم الوضع» شملت اجتماعا لمجلس الامن المركزي.

وأضاف العريضي الذي اكتفى بتكرار عبارة «ماشي الحال» ان الوضع في ما يتعلق بكيفية تعاطي عناصر الجيش مع الوضع كان متباينا بين منطقة واخرى. وقال «كان درسا للجميع ونتمنى ان نكون تعلمنا منه جميعا» مضيفا ان «الامور تخضع للعلاج» من دون المزيد من التفاصيل.

وقد وجهت مديرية التوجيه في قيادة الجيش تعميماً الى العسكريين حول مجريات يوم الاضراب امس باسم قائده العماد ميشال سليمان جاء فيه: «شهد لبنان يوم امس، إضرابا واسعا اتخذ اشكال تجمعات واحراق اطارات وقطع للطرق العامة بالعوائق والسواتر الترابية، وعلى الرغم مما حصل من احداث مؤسفة، فإن جهودكم المضنية وتضحياتكم الجسام قد حالت دون تفاقم الوضع الى الاسوأ، وأسهمت في تهدئة النفوس وإفساح المجال امام ابناء الوطن الواحد للعودة مجددا الى جادة الحوار والتلاقي، ودفعتهم الى التأمل بعمق بمجريات هذا اليوم».

ورأى سليمان ان الجيش ادى مهماته «في ظل ظروف دقيقة وحرجة يعرفها الجميع، وكان هدفه الاساس الحفاظ على سلامة المواطنين وأمنهم والممتلكات العامة والخاصة، فعمد الى اتخاذ سلسلة من التدابير الامنية المكثفة شملت اقامة حواجز ثابتة ومتحركة وتسيير دوريات متواصلة لمنع الاحتكاك بين المواطنين، واعادة فتح الطرق التي اقفلت، الا ان اتساع حجم التحرك من جهة، وتبدد انتشار الوحدات العسكرية على مساحة الوطن والنقص الحاصل في عديدها من جهة ثانية، دفعت البعض الى استغلال هذا الواقع والقيام باستعمال وسائل عنف مختلفة واسلحة فردية، مما ادى الى سقوط عدد من الشهداء والجرحى في صفوف المدنيين والعسكريين، رغم ان وحدات الجيش كانت حازمة في التصدي للمخلين بالامن». وقال متوجهاً الى العسكريين «ان ما اوحي به حول تقاعسكم او تواطئكم (العسكريين) خلال يوم امس (الاول)، في حين كنتم تتحملون العبء وحدكم، هو اتهام لا ضير فيه، اذا كان يساوي في الحقيقة خلاص الشعب من محنته»، آملاً من الجميع «الحذو حذو الجيش للحفاظ على وحدة الوطن ومستقبل اجياله (...) وان تكون الدروس والعبر المستقاة مما جرى، حافزا لكل المواطنين لرص الصفوف والتمسك بالوحدة الوطنية».

وقال الوزير سركيس لـ«الشرق الأوسط»: «نحن في مرحلة تقييم لما حصل ونعمل على اخذ العبر منه»، واعتبر ان «ما حصل كان امراً خطيراً جداً ومسألة تتخطى الامور العادية التي يمكن ان تحدث في اي بلد»، مشيراً الى انه «استمرار في محاولة الانقلاب التي تتم على جولات ومراحل» ملاحظاً ان يوم امس (الاول) كان جولة اساسية». وشدد على ان المعارضة لم تستطع ان تصل الى النتيجة التي كانت تتوقعها وهو ما دفعها الى وقف تحركها لانها كانت في حاجة الى التقاط الانفاس وتقويم هذا الحدث».

وعن انعكاسات ما جرى على الساحة المسيحية، قال: «خلافاً لما كان يتوقعه الفريق الآخر، انعكس التحرك سلباً على الشارع المسيحي لعدة اسباب اهمها ان تنفيذ الاضراب تم بشكل غير سلمي وغير حضاري، فهم كانوا يخشون من عدم قدرتهم على تنفيذه سلمياً. معتبراً ان الممارسات التي حصلت خلال يوم الاضراب «كانت تحصل خلال الحرب التي قررنا ان ننساها، وهي ممارسات لم يتعودها المسيحيون، خصوصاً في مرحلة اعادة بناء البلد ولا تتماشى مع ثقافة حياتهم».

ورأى ان ما حصل «كان محاولة جدية لتحقيق الانقلاب». مشيراً الى ان ما سماه محاولة «حصار بيروت» من خلال اقفال مداخلها لولا التحرك الذي قام به المواطنون في محلة نهر الموت (شمال بيروت).

وتحدث سركيس عن معلومات توافرت لدى قوى «14 آذار» عن «تباين كبير حصل خلال اجتماع المعارضة ما اضطرهم الى وقف التحرك الذي كان محضراً له ان يستمر». وأكد ان «حزب الله» هو من اتخذ قرار وقف التحرك» لأنه رأى ان الغطاء المسيحي للتحرك يتزحزح». واعتبر ان المحازبين في الشارع المسيحي قلة، والأكثرية الساحقة لا ينتمون الى «القوات اللبنانية» او التيار الوطني الحر. وأعرب عن اعتقاده ان هذه الاكثرية «هي من ستعبر عن رأيها لاحقاً».

وأكد سركيس ان فريق الاكثرية لا يرفض العودة الى الحوار، بل هو اول من يطالب به، وقال: «رئيس الحكومة فؤاد السنيورة يطلب كل يوم لقاء رئيس مجلس النواب للتحضير للحوار، وقوى «14 آذار» تجاوبت مع التحرك العربي وتقدمت خطوات لملاقاة المعارضة، مشيراً الى ان الاكثرية «تنازلت عن اكثرية الثلثين في الحكومة وابدت استعدادها لمناقشة موضوع المحكمة فكان الرد من المعارضة تمسكها باكثر من ثلث الحكومة». واعلن ان هذا «اقصى ما تستطيع الاكثرية تقديمه سواء قاموا بجولة احتجاج رابعة وخامسة وسادسة. نحن اكثرية شعبية سواء قبلوا او لا واكثرية نيابية وحكومية ولا يمكن ان نسلمهم بالثلث المعطل».

ورفض مطلب الانتخابات المبكرة، داعياً الى احترام المهل القانونية ومشيراً الى ان الاكثرية لم تطلب تغيير رئيس البرلمان نبيه بري من هذا المنطلق رغم انه يعطل مجلس النواب ويتصرف كرئيس لحركة أمل».

وعن موقف الجيش اللبناني من حوادث يوم الاضراب، قال سركيس: «كنا في اجواء معلومات واضحة من وزير الدفاع وقائد الجيش مفادها، ان القوى الامنية ستمنع اقفال الطرق والممارسات المخالفة للقوانين وان الجيش سيتحمل مسؤولياته اذا حصل شيء». واضاف: «بدلا من ذلك رأينا الجيش يتفرج على المتظاهرين ولا يتدخل، ولهذا اعتبر الدكتور سمير جعجع ان ما حصل فيه تواطؤ او اهمال او قرار غير واضح فاعلن موقفه ونزلت الناس على اثرها الى الشارع كنوع من الضغط المعنوي على القوى الامنية، فتطورت الامور الى صدامات نحمد الله انها لم تتجاوز هذا الحد ونأمل ان لا يتكرر النزول الى الشارع لئلا يتكرر ما حصل». وقال: «نحن نتفهم وضع الجيش اللبناني وقيادته، ونعرف انه ابن البلد ويريد تجنيب البلاد مشكلة». وأشار الى ان الجيش كان يمكن ان يفتح الطرق قبل الظهر بطريقة حازمة تماما كما فعل بعد الظهر. واستغرب سركيس انتشار الجيش «في كل المناطق ما عدا الضاحية» وطريق المطار. متسائلا عن استثناء المطار وهو مرفق حيوي من اجراءات الجيش.

من جهة اخرى، زار وفد من قوى «14 اذار» البطريرك الماروني نصر الله صفير وتحدث باسمه عميد حزب الكتلة الوطنية كارلوس اده، فقال: «لقد فوجئنا بتقصير الجيش، خصوصا قبل الظهر» معتبرا ان «الذين استشهدوا من (الرئيس) رفيق الحريري وصولا الى (الوزير) بيار الجميل، كان استشهادهم في سبيل فتح الطرق وليس العكس». وقال: «الذين اعطوا الاوامر بالاقفال تصرفوا من منطلق الضعف لانه لو كان لديهم الدعم الشعبي خصوصا عند المسيحيين لكان تجاوب هؤلاء مع الاقفال، ولكن عندما رأوا انهم فقدوا هذا الدعم قرروا اقفال الطرق بالقوة، والذي يقفل الطريق اليوم بالقوة ولا يواجهه احد سيفعلها غدا ويمنعنا عن اشياء اخرى».

ووصف عضو كتلة «القوات» النائب انطوان زهرا ما حصل بانه حركة انقلابية كاملة، محولين مجموعاتهم الى قطاع طرق محميين من القوى الامنية».