بيروت: أنصار المعارضة والحكومة قلقون حتى إشعار آخر

جميعهم في حال صدمة بعد ما جرى

TT

استفاق لبنان أمس على يوم جديد يسوده هدوء ما بعد العاصفة. الطرق فتحت والمحال أعادت فتح أبوابها، ولكن اللبنانيين اكتفوا بالحد الأدنى من التحرك، ذلك أن عددا كبيرا منهم لازموا بيوتهم، فيما توجه آخرون إلى وظائفهم كالمعتاد. المشهد صاعق. أكثر ركاب السيارات والحافلات يمرون وكأنهم يتفقدون المكان ويحاولون استيعاب ما حصل.

الإطارات المحروقة أزيلت والسواتر الترابية كذلك، لكنها بقيت مرصوصة إلى جانب الطرق التي اتشحت بالسواد، في انتظار انجاز أعمال التنظيف التي نشطت صباح أمس. فعند تقاطع بشارة الخوري المؤدي إلى وسط بيروت، كان عمال التنظيف يعملون على تنظيف المكان واضعين الأكياس الورقية، في ظل انتشار القوى الأمنية وفوج الإطفاء ودبابات الجيش اللبناني الذي حرص طوال يوم أمس على تسيير دورياته الراجلة والمؤللة في كل المناطق اللبنانية حفاظا على الأمن. وقبل الظهر، بدت حركة السير خفيفة قياسا بالأيام العادية خصوصا ان المدارس والجامعات لم تفتح أبوابها وبعضها لن يفتح قبل إشعار آخر.

الحذر يسود. واللبنانيون بميولهم المختلفة يرفضون العنف الذي اجتاح المناطق. بعضهم ينتقد فريق السلطة للجوئه الى مناصريه للرد على المعارضة، وبعضهم ينتقدون تحرك المعارضة «غير الديمقراطي»، ولكنّ فريقا ثالثا محايدا يرفض تصرف الطرفين. والواضح ان أحدا من اللبنانيين ليس راضيا عما حصل يعربون عن قلقهم بعد مشاهد العنف التي أعادت الى أذهانهم لقطات من الحرب اللبنانية التي خالوا أنهم دفنوها الى غير عودة. أحد سائقي الحافلات في بيروت تحدث إلى «الشرق الأوسط»، فقال «ليتفقوا ويدعونا نعيش بسلام. طيلة حياتي لم أسأل أحدا هل هو سني أم شيعي. إن الزعماء هم من يريدون تفريقنا ودم شبابنا يهدر سدى». لينا فخرو في منطقة الحمرا في بيروت، تقول: «نريد العيش رغما عنهم. لدينا أطفال نريد إعالتهم وهناك إيجارات علينا تسديدها نهاية الشهر. ولا أحد من هؤلاء الزعماء سيساعدنا. والجو السائد اليوم مخيف أكثر من (أول من) أمس. البلاد للجميع فلنعش بسلام». وتضيف بانفعال: «لقد غادرت الولايات المتحدة بعد إنهاء تحصيلي العلمي رغم أنني عملت في أحد المصارف لقاء 35 ألف دولار سنويا. لقد تخليت عن كل شيء لأنني أحب لبنان. وقد أتيت وتزوجت وأسست عائلة (...). لا أريد أن يعيش أبنائي ما قاسيناه في طفولتنا حين كان يحملنا والدي ويهرب بنا من مكان الى آخر».

وسألت سيدة أخرى رفضت الكشف عن اسمها: «لماذا لم يقطعوا أي طريق في الضاحية (الجنوبية لبيروت)؟ أعتقد ان على الجميع البحث عن طريقة لبناء لبنان وليس هدمه. للحظة اعتقدت أنني في فلسطين أو غزة وليس في لبنان. في السابق كان اللبنانيون يقتلون على الهوية واليوم يضربون على الهوية». إيمان قبيسي وهي تعمل في احد محال الأزهار في منطقة عين الرمانة، تقول: «الجو مسموم فلا أحد يشعر بأنه قادر على الشراء. الواقع أننا مشدودو الأعصاب. لقد فتحت أبوابي يوم الإضراب لأنني لا أؤيد أحدا أريد فقط ان اعيش». وفي المنطقة نفسها، يقول روجيه: «أصلا لا نعيش حياة طبيعية. أعتقد أن الإضراب كان ناجحا ولكن كان يجدر بالذين تدخلوا لفتح الطرق ان يلازموا منازلهم ويتركوا الجيش يتولى مهمته. لقد أرادوا افتعال المشكلات ما سبّب وقوع عدد كبير من الجرحى والقتلى». وتقول صاحبة محل للأحذية: «أقفلت لأن الجميع أقفلوا. أعتقد أن التحرك لم يكن يستحق كل هذا التهويل وهذا العناء. لقد أقفلت لأنني أعرف سلفا أنني لن أستقبل زبونا واحدا فالوضع الاقتصادي مترد منذ فترة طويلة جدا». وتضيف: «حين وصلت صباحا وجدت أن مجهولين قد رموا طلاء على واجهتي وعلى الواجهات المحاذية ربما لان هناك لافتة للتيار الوطني الحر وضعت قريبا من المكان».

وفي منطقة فرن الشباك، يقول صاحب محل للألبسة: «لم أستطع فتح أبوابي بسبب انقطاع الطرق. واليوم تبدو الحركة خفيفة جدا وتقتصر على بعض السيارات لكنها ليست كذلك من الأمس إنما منذ فترة طويلة». فاديا عازوري، وهي تعمل في المنطقة نفسها: «بالتأكيد أقفلنا. فالوضع الاقتصادي رديء جدا والسياسات الحكومية تساهم في ترديه. لم نكن نعتقد أن الإضراب سيعلّق. ولكن الحمد لله ان اليوم عاد الوضع طبيعيا، فيوم أمس كان ينذر بالخطر. فقد عادت صور الحرب ومشاهد حصد الضحايا».