تقرير: الطاقة النظيفة قد تلبي نصف احتياجات العالم بحلول 2050

بالاعتماد على «ثورة» في السياسة و«تحول» في الاستخدام اليومي

TT

طغت قضية الطاقة على الساحتين السياسية والاقتصادية منذ عقود، مع تصاعد المخاوف من تقلص مصادر الطاقة التقليدية وازدياد المطالبة بمواجهة التأثيرات السلبية لتلك الطاقة، من الاحتباس الحراري وتلوث البيئة. وتجدد الحديث حول هذه القضية أمس مع نشر «مجلس الطاقة المتجددة الاوروبي» مع منظمة «غرين بيس» المناصرة للبيئة، تقريراً يؤكد أنه من الممكن ان تزود «الطاقة النظيفة» نصف احتياجات العالم للطاقة بحلول عام 2050. ويطالب التقرير الحكومات والشعوب باتخاذ خطوتين اساسيتين، هي «ثورة في سياسات الطاقة» و«تحول باستخدام الطاقة»، أي ثورة في الطرق المبتكرة لمصادر الطاقة المستقبلية، وتعديل في انماط استخدام الطاقة الحالية. ويبدأ التقرير بتحديد عاملين رئيسيين، ان الخبر الجيد هو انه يمكن للطاقة المتجددة، الى جانب الاستخدام الجيد لها، توفير نصف احتياجات العالم منها، بحلول عام 2050. والخبر السيئ هو أن الوقت اخذ في النفاد. وشدد المجلس الاوروبي وجماعة «غرين بيس» في التقرير، الذي ساهم في اعداده 30 عالماً ومهندساً من جامعات ومؤسسات من كافة ارجاء العالم، على ضرورة التنسيق بين جميع مصادر الطاقة المتجددة من اجل التوصل الى هذه النسبة. واضاف التقرير انه من الممكن تحقيق «الثورة» في الطاقة باعتماد خمسة مبادئ، هي اعتماد حلول مبنية على الطاقة النظيفة والمتجددة، واحترام حدود الطبيعة، والتخلص التدريجي من مصادر الطاقة الملوثة، واتباع العدالة في تقاسم الطاقة، والفصل بين مبدأ استخدام الطاقة المستخرجة من الارض ومبدأ التنمية.

وتعتبر توقعات التقرير، الذي حمل عنوان «ثورة الطاقة»، أكثر تفاؤلا بالنسبة للطاقة المتجددة، من تقرير أصدرته وكالة الطاقة الدولية في عام 2006، توقع زيادة بسيطة في نصيب الطاقة المتجددة من تلبية احتياجات العالم من الطاقة الى 13.7 في المائة بحلول عام 2030. وتوقعت الهيئة التي تقدم المشورة لحكومات العالم الصناعي، أن يواصل النفط والفحم والغاز الطبيعي الهيمنة على امدادات الطاقة في العالم خلال العقود القادمة.

وحث التقرير الدول النامية على اتباع سياسات تراعي البيئة وتعتمد على مصادر طاقة متجددة، بدلا من تطوير صناعاتها اعتماداً على مصادر النفط المستخرجة من الارض. وجاء في التقرير ان «الدول النامية مثل الصين يمكن ان تنمو وتتطور باستخدام الطاقة المتجددة لتجنب اخطاء الدول المتطورة، التي اعتمدت على اسواق نفط (ادت الى) التغيير المناخي. ووضعت الدراسة، التي أعدها مجلس الطاقة المتجددة الاوروبي وجماعة «غرين بيس» افتراضات مختلفة تماماً عن افتراضات هيئة الطاقة الدولية، من بينها ارتفاع أسعار النفط الى 100 دولار للبرميل بحلول عام 2050 مما سيدعو الى التحول الى الكفاءة في استخدام الطاقة واستخدام طاقات نظيفة.

واعتبر التقرير ان «أيام (النفط والغاز الرخيصين) في طريقها الى الانقضاء». ويضم مجلس الطاقة المتجددة الاوروبي منظمات أوروبية، تمثل شركات تصنع كل شيء بدءا من الالواح الشمسية وحتى المحركات الهوائية. واضاف التقرير: «على النقيض من ذلك، فان احتياطيات الطاقة المتجددة التي يمكن الوصول اليها عالمياً من الناحية الفنية كبيرة، بما يكفي لتوفير نحو ستة أمثال الطاقة التي يستهلكها العالم حاليا.. الى الابد».

كما توقع التقرير امكانية تراجع الطلب العالمي الكلي على الطاقة بنحو ستة في المائة بحلول عام 2050، وهو ما يرجع بشكل رئيسي الى زيادة الكفاءة في استخدام الطاقة، على الرغم من تزايد عدد سكان العالم. وقال سفين تيسكي العضو في «غرين بيس»، الذي شارك في كتابة التقرير ان تلك التوقعات واقعية اذا اتخذت الحكومات خطوات أشد صرامة لمواجهة الاحتباس الحراري. وقال: «يمكن حدوث ذلك... احدى المشكلات هي أن الحكومات تقدم حاليا دعما للطاقات المتجددة للتنافس مع الوقود المستخرج من الارض المدعوم، وهذا غير معقول». ولفت التقرير الى ضرورة دعم الصناعات التي تعتمد مصادر الطاقة المتجددة والشركات التي تبحث في سبل تطوير هذا المجال. وقال انه من الممكن ان تزود سوق الطاقة البديلة المئات من الالاف من الوظائف ذات الطابع من التقنية العالية وتأهيل الجيل الجديد لتطوير هذا المجال.

وشدد التقرير من جهة اخرى على مسؤولية كل انسان في مواجهة الاحتباس الحراري، موضحاً: «علينا كأفراد تغيير طريقة استخدامنا للطاقة». ويلفت الى ضرورة اعتماد البشر على نسبة اقل من الطاقة واقتناء آليات جديدة، مثل لوائح التقاط الطاقة الشمسية وتحصين المباني والمنازل لمنع تسريب الطاقة.

ويتزامن اطلاق هذا التقرير الجديد مع استعداد اوروبا لـ«اسبوع الاتحاد الاوروبي للطاقة المتجددة» الذي ينطلق يوم 29 يناير (كانون الثاني) الحالي حتى 2 فبراير (شباط) المقبل. ومن المتوقع ان يكون مؤتمر سياسة اوروبا للطاقة المتجددة بين 29 و31 يناير محطة رئيسية هذا العام لتحديد سياسات اوروبية لمواجهة الاحتباس الحراري وتأمين مصادر جديدة للطاقة. ولفتت الورقة الرئيسية للمؤتمر، التي نشرت الاسبوع الماضي الى ان هناك عاملين رئيسيين يفرضان ضرورة تقوية مصادر متجددة للطاقة، وهما الوضع غير المستقر للدول التي توجد فيها مصادر الطاقة التقليدية، في اشارة الى الازمات السياسية في الشرق الاوسط، وحماية البيئة، التي تتأثر من المحروقات النفطية ومشتقاتها. ويذكر ان اوروبا، كباقي القارات، تعتمد على الوقود المستخرج من الارض من النفط والفحم، الا انها كانت رائدة بتطوير مصادر الطاقة المتجددة، بما فيها الطاقة الهوائية والشمسية. وتعتمد اوروبا اليوم على استيراد 50 في المائة من منتجات الطاقة، بينما يتوقع ان ترتفع هذه النسبة الى 70 في المائة خلال فترة ما بين 20 و30 عاماً، مما يدفع دول الاتحاد الاوروبي للعمل على سياسة شاملة لمواجهة القضية.