شيراك يوافق على إيران «نووية» ثم يتراجع وسط عاصفة.. متهما الإعلام بتصيده

قال إن طهران ستسوى بالأرض إذا شنت هجوما نوويا على إسرائيل

TT

«كبوة دبلوماسية وسياسية كنا في غنى عنها في هذه الأيام المعقدة»: هكذا وصف مصدر سياسي فرنسي «الزوبعة» التي أثارتها تصريحات الرئيس الفرنسي جاك شيراك عن امكانية ان تمتلك إيران سلاحا نوويا، لصحيفتين اميركيتين ولمجلة فرنسية يوم الإثنين الماضي وتراجعه عنها يوم الثلاثاء، ثم اضطرار قصر الإليزيه امس الى تأكيد أن فرنسا «لا يمكنها القبول بأن تمتلك إيران سلاحا نوويا».

ونددت الرئاسة الفرنسية امس بالطريقة التي نقلت بها تصريحات الرئيس الفرنسي حول الملف النووي الايراني، معتبرة انها «جدل مشين»، ومنتقدة وسائل الاعلام الاميركية التي «لا تتردد في استخدام كل وسيلة ممكنة ضد فرنسا». وقالت الرئاسة الفرنسية ان الامر لا يعدو كونه «تفسيرا مغرضا لتصريحات بهدف إثارة جدل مشين حول ملف كان التزام فرنسا ورئيس الجمهورية بشأنه دائما ثابتا وحازما». وقال المصدر الفرنسي ذاته «إنه أمر غير مستغرب من بعض وسائل الاعلام من وراء الاطلنطي (الاميركية) التي لا تتردد في ان تجعل من الحبة قبة ضد فرنسا».

وكان شيراك قد صرح الاثنين في حديث لمجلة «نوفال اوبسرفاتير» و«نيويورك تايمز» و«هيرالد تربيون» ان طهران «ستمحى من على الارض» في حال شنت ايران هجوما نوويا على اسرائيل، وان امتلاك ايران قنبلة او اثنتين نوويتين «ليس بالأمر الخطير جدا»، وذلك قبل ان يعود شيراك ويطلب «تصحيح» تصريحاته في اليوم التالي، على ان ما قاله لم يكن للنشر. وأفردت الصحف الثلاث مساحة واسعة لعملية «التصحيح». وقال الصحافيون، انه بعد يوم من حوارهم مع الرئيس الفرنسي، استدعى شيراك الصحافيين من المطبوعات الثلاث الى مكتبه وقال انه يعتقد ان حديثه لم يكن للنشر وسحب العديد من تصريحاته.

ولم يسبق لرئيس فرنسي أن استدعى في اليوم التالي صحافيين محليين أو أجانب من أجل «تصحيح» كلام أدلى به. كذلك لم ينف شيراك ولا قصر الإليزيه التصريحات الرئاسية كما لم يتم اللجوء الى الطريقة التقليدية بالقول إن الكلام الذي صدر «أسيء فهمه». ببساطة تراجع الرئيس الفرنسي جزئيا عما أدلى به وأعاد تأكيد موقف فرنسا «التقليدي» من الموضوع النووي الإيراني. لكن التراجع لم يضع حدا للمشكلة وهي مرشحة للتفاعل في الداخل والخارج.

وفي مقابلته مع صحيفتي «نيويورك تايمز» و«إنترناشيونال هيرالد تريبيون» ومع مجلة «لو نوفيل أوبسرفاتور»، سئل الرئيس الفرنسي عن موضوع البرنامج النووي الإيراني ومساعي طهران لامتلاك القنبلة النووية، فأجاب: «أود أن أقول إن ما هو خطر بشأن هذا الموضوع ليس في الحقيقة امتلاك إيران قنبلة نووية وربما امتلاك قنبلة ثانية في فترة لاحقة، هذا الأمر ليس خطرا للغاية، ماذا ستفعل إيران بهذه القنبلة؟»، واستطرد شيراك، وفق ما نقلته عنه صحيفة «إنترناشيونال هيرالد تريبيون» وكذلك «لو نوفيل أوبسرفاتور»: «لكن الشيء الخطير للغاية هو الانتشار النووي.. الخطر لا يكمن في القنبلة التي ستمتلكها والتي لن يكون لها استخدام لديها. على من ستلقي إيران القنبلة؟ على إسرائيل؟ لن تنطلق القنبلة مسافة 200 متر في الجو حتى تسوى طهران بالأرض». وفي حديثه ليوم الإثنين، قال شيراك إنه «سيكون من المغري لدول أخرى في المنطقة تملك مصادر مالية عالية أن تقول: حسنا. نحن أيضا سوف نستعد للحصول على التكنولوجيا النووية العسكرية وسنساعد آخرين للحصول عليها. لماذا تمتنع السعودية عن فعل ذلك بدورها؟ ومصر كذلك؟».

لكن في حديثه الجديد ليوم الثلاثاء، تمسك شيراك بجانب مما قاله سابقا، حيث أكد مجددا أنه «إذا امتلكت إيران القنبلة النووية وأطلقتها، فإنها ستمحى قبل أن تترك السماء الإيرانية إذ لا مناص من أن تتعرض لتدابير عقابية ، إذ هذا هو معنى نظام الردع النووي». كذلك سحب شيراك ما قاله بشأن السعودية ومصر، حيث أكد أنه لم يرد أن يدلل على بلد معين». لكنه بالمقابل، شدد على مخاوفه من السباق على التسلح في المنطقة.

وحقيقة الأمر أن تراجع شيراك عن تصريحاته لم يضع حدا للمشكلة. والسؤال المطروح يتناول معرفة ما إذا كانت تصريحات شيراك مجرد «زلة لسان» أم أنها تعكس حقيقة تقديره للموضوع النووي الإيراني. ونشرت «لو نوفيل أوبسرفاتور» على موقعها على الانترنت المقاطع الرئيسية الخاصة بإيران من مقابلة يوم الإثنين، وفيها يتناول شيراك العقوبات الدولية المفروضة على طهران ويتساءل: «ما الذي تستطيع إيران أن تتحمله من العقويات وما لا تستطيع تحمله؟ النظام في إيران هش بعض الشيء وأظهرت الانتخابات الأخيرة أن الرئيس الإيراني لا يملك كل السلطة التي كان يمكن أن نتوقعها».

ومن أجل قطع الطريق على قيام أزمة بين باريس وواشنطن وعدد من العواصم الأوروبية ، وبالإضافة الى التصريحات الجديدة لشيراك عن الموضوع الإيراني، فقد أصدر قصر الإليزيه بيانا يؤكد فيه أن فرنسا والمجموعة الدولية «لا يمكنها أن تقبل فكرة أن تمتلك إيران السلاح النووي».

وجاء في البيان أن فرنسا تطالب طهران بـ«احترام التزاماتها بموجب معاهدة منع انتشار السلاح النووي ونعيد تأكيد حقها بالحصول على الطاقة النووية السلمية». وشكلت تصريحات شيراك مادة دسمة للمعارضة الاشتراكية التي قفزت على المناسبة لإنتقاد رئيس الجمهورية. ورأى الاشتراكيون في ذلك ردا على الحملة التي تعرضت لها مرشحتهم سيغولين رويال عندما أعلنت أنها تعارض حصول إيران على التكنولوجيا النووية السلمية ما حفز اليمين وقتها ومرشحه نيكولا ساركوزي على التهكم على رويال وعلى انعدام تجربتها في ميدان السياسة الدولية. ووجد الأخير نفسه مضطرا عبر الناطقة باسمه رشيدة داتي الى تمييز موقفه عن موقف رئيس الجمهورية. وقالت داتي إن ساركوزي «لا يتمنى حصول إيران على السلاح النووي» وأنه «كان دائم الوضوح حول هذا الموضوع».

وليست هذه هي المرة الأولى التي يتميز بها شيراك عن الزعماء الغربيين الآخرين بخصوص إيران. ففي الخريف الماضي، اقترح من على منبر الأمم المتحدة صيغة لإطلاق المفاوضات مجددا مع إيران لاقتراح أن تلتزم طهران وقف نشاطات تخصيب اليورانيوم وأن تقبل الدول الخمس دائمة العضوية والمانيا «تجميد» نقل الملف النووي الى مجلس الأمن. ومؤخرا، سعت فرنسا الى إرسال وزير خارجيتها أو مبعوث أقل مرتبة الى طهران لكن واشنطن وبعض أطراف اقليمية عارضا بشدة الفكرة الفرنسية.

وفي واشنطن، قلل البيت الابيض من شأن تصريحات شيراك، مشيرا الى ان شيراك تراجع عنها مؤكدا عدم قبوله امتلاك طهران للقنبلة النووية.