محاكمة صحيفة فرنسية ساخرة لنشرها رسوما كاريكاتورية مسيئة للنبي

TT

اتخذت محاكمة صحيفة «شارلي هبدو» الأسبوعية الفرنسية الساخرة أمس منحى سياسيا واضحا بعد أن دخل على الخط سياسيون أبرزهم مرشح اليمين وزير الداخلية وشؤون العبادة نيكولا سركوزي، لغرض دعم الصحيفة التي نشرت العام الماضي صورا كاريكاتورية للنبي محمد غالبيتها مأخوذ عن الصحيفة الدنماركية «ييلاندس بوستن» التي أثارت بعملها في العالمين العربي والإسلامي موجة من الاحتجاجات الصاخبة.

وجاءت محاكمة أمس بناء على دعوى تقدم بها مسجد باريس الكبير واتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا والرابطة الإسلامية العالمية ضد «شارلي هبدو» بشخص مديرها فيليب فال.

وبحسب الهيئات المدعية، فإن الصحيفة الفرنسية الساخرة «ارتكبت عمدا عملا عدائيا يسعى الى النيل من مجموعة من الناس (المسلمين) بسبب تمسكهم بإيمانهم». وجاء موقف سركوزي بشكل رسالة قرأها محامي الصحيفة والوزير السابق جورج كيجمان، وفيها يؤكد المرشح الرئاسي وقوفه «بوضوح» الى جانب «شارلي هبدو» التي تمثل بنظره «تقليدا فرنسيا قديما في النقد والسخرية». وإذا كان سركوزي قد عبر عن «تفهمه» لكون بعض الرسوم «صدمت القناعات الدينية لعدد من مواطنينا المسلمين» غير أنه رأى أنه من الأفضل في مجتمع ديموقراطي وجود الرسوم «وإن وقعت في المغالاة من غيابها». ورأى الوزير المرشح أن قوة مجتمع ديموقراطي «كذلك قوة ديانة مشعة مثل الديانة الإسلامية تكمن في قدرتها على تقبل النقد والتهكم وحتى إن وقعا في المغالاة». وجاء الرد على المرشح الرئاسي من عبد الله زكري، مستشار رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية الذي رأى أنه «من غير المقبول» أن يتدخل وزير الداخلية وشؤون العبادة، وهو بالتالي مسؤول عن شؤون الديانة الإسلامية، وكل الديانات الأخرى في هذه الدعوى «لأنه بذلك يتخلى عن حياديته» التي تحتم عليه وظيفته التزامها. وردا على موقف سركوزي، دعا زكري المجلس الإسلامي لتجميد نشاطاته وانتظار الانتهاء من الانتخابات الرئاسية التي ستجري دورتها الثانية في السادس من مايو/أيار المقبل قبل معاودتها.

والمفارقة أن سركوزي لعب دورا رئيسيا في ولادة المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية نهاية العام 2002، وكان عندها يشغل أيضا منصب وزير الداخلية وشؤون العبادة. وإبان شهر رمضان، كان سركوزي من بين الشخصيات السياسية التي دعاها مسجد باريس الكبير لإفطار رمضاني شكل مناسبة للحديث عن الجالية الإسلامية وشؤونها وشجونها. وبالإضافة الى سركوزي، عبر أمين عام الحزب افشترامي فرنسوا هوايند ومرشح الوسط فرنسوا بيرو بدورهما عن وقوفهما الى جانب الصحيفة الساخرة تحت شعار حرية التعبير في المجتمع الديموقراطي. وكان الرئيس شيراك قد أعرب، العام الماضي وعقب صدور الرسوم الساخرة في الصحافة الفرنسية عن إدانته.

ويعود نشر «شارلي هبدو» للرسوم الكاريكاتورية موضع الدعوى للثامن من فبراير/شباط من العام الماضي فيما نشرت الصحيفة الدنماركية نشرت رسومها في سبتمبر/ايلول من العام 2005.

وأمس عمدت صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية اليسارية الى معاودة نشر الرسوم نفسها «تضامنا» مع «شارلي هبدو». وذهبت «ليبراسيون» ابعد من ذلك فاتهمت المدعين بـ«ارتكاب خطأ جسيم» وحملت الرئيس شيراك مسؤوليته لأنه «شجع هذه المحاكمة الحمقاء» ولأنه يريد «إبرام صفقة أسلحة». وخلصت الصحيفة التي اعترفت بأن المسلمين يعانون من «معاملة تمييزية» الى اعتبار أن المحاكمة الجارية هي «محاكمة للصحافة» في بلد الفيلسوف فولتير. ونفى مدير «شارلي هبدو» اتهامات الإساءة للمسلمين وتعمد إهانتهم أو إهانة ديانتهم معربا عن تمسكه بحرية التعبير. وتستمر المحاكمة اليوم على أن يتبعها إصدار الحكم. ونظريا يمكن أن يحكم فال بالسجن ستة اشهر وتغريمه 22500 يورو. غير أنه لا ينتظر أحدا من الادعاء أو الدفاع حكما بهذه القسوة.