الدبلوماسية السعودية تملأ فراغا تخلفه إدارة بوش في الشرق الأوسط

واشنطن بوست في افتتاحية حول لقاء مكة

TT

واحدة من نتائج قرار ادارة الرئيس الاميركي جورج بوش الاخير، تقسيم الشرق الاوسط الى «متطرفين» و «معتدلين»، هو تهميش الدبلوماسية الاميركية في المنطقة. فالادارة ترفض التحدث الى «المتطرفين»، ايران وسورية وحزب الله وحركة حماس، ولكن تلك الحكومات والجماعات موجودة في جوهر كل نزاع، بدءا من العراق الى قطاع غزة. والان تقدم احد حلفاء الادارة «المعتدلين»، وهو المملكة العربية السعودية لملء الفراغ. والنتيجة هي برهان واضح على ان المحادثات مع الاعداء يمكن ان تكون مفيدة احيانا، واشارة الى ما يحتمل ان تخسره الولايات المتحدة بسبب سياستها المتصلبة.

فقد استضاف خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ما يمكن اعتباره مفاوضات مهمة بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس (ابو مازن) وكبار قادة حماس. ومقارنة بمساعي وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس لإجراء محادثات خاصة في الاسبوع المقبل مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس (ابو مازن) ورئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت، فإن الحوار الفلسطيني أهم بكثير: فهو، أي الحوار، يمكن ان يقرر ما اذا كان من الممكن ظهور حكومة فلسطينية يمكن ان تكون راغبة وقادرة على التسوية مع اسرائيل، او ما اذا كانت المعارك بين الفصائل الفلسطينية ستتصاعد. يشار الى ان من بين ممثلي حماس الذين يشاركون في لقاء مكة، خالد مشعل المقيم في دمشق، وعرقل محاولات سابقة نحو اتفاق فلسطيني. والعلاقات السعودية مع سورية التي تدعم مشعل، تتحسن، فالرئيس السوري بشار الاسد سيزور الرياض قريبا، للمشاركة في مؤتمر قمة عربية تستضيفه السعودية. وشارك دبلوماسيون سعوديون، بمن في ذلك الأمير بندر بن سلطان، السفير السعودي السابق في واشنطن، في محادثات مع ايران. بدأت الاتصالات بزيارة لرئيس مجلس الأمن القومي الايراني، علي لاريجاني، الى السعودية.

وزار الأمير بندر في وقت لاحق طهران. ووفقا لتقارير نشرتها «نيويورك تايمز»، استقبل الملك عبد الله قادة «حزب الله»، السعودية التي يحكمها السنّة وإيران الشيعية، تدعمان أطرافا تواجه بعضها بعضا، في النزاع الطائفي في العراق ولبنان، إلا ان المحادثات اثبتت ان الحكومتين ترغبان في تهدئة هذه النزاعات. ورغم انه لم يحرز تقدم، إلا ان الدبلوماسية حققت نجاحا في ما يبدو، على الأقل في تهدئة الوضع في لبنان، حيث أسفرت حملة حزب الله ضد الحكومة المدعومة من السعودية عن أعمال عنف استمرت عدة أيام الشهر الماضي. ويبدو ان ادارة بوش تعمل على تشجيع الدبلوماسية السعودية، إذ أشادت وزارة الخارجية الاميركية باستضافة الملك عبد الله، المحادثات الفلسطينية. وفي واقع الأمر، فإن المبادرات السعودية تدحض اساس سياسة الادارة الاميركية المتمثلة في الفرز بين الأعداء والأصدقاء، رغم عدم اتضاح نتائج هذه المبادرات حتى الآن. وتفترض السياسة الاميركية انه لا يمكن التوصل الى شيء، من خلال إجراء محادثات مع شخص مثل علي لاريجاني كبير المفاوضين في الملف النووي الايراني، وانه ليس هناك ما يمكن ان يدفع اشخاصا يفضلون المواجهة مثل مشعل الى التسوية. امر جيد ان تجرب المملكة العربية السعودية نظرية مخالفة، وربما افضل من ذلك، اذا بذلت الولايات المتحدة جهودا دبلوماسية لا تخلو من مخاطرة.

خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الأوسط»