الأمم المتحدة تفاجئ لبنان بتوقيع نظام المحكمة الدولية ومصادر تتحدث عن «مهلة» للبرلمان لمناقشتها

إقرار صيغتها حظي بموافقة المندوب الروسي

TT

انشغل لبنان بمراجعه السياسية والقضائية والقانونية بتفسير قرار الامم المتحدة المفاجئ بتوقيع نظام المحكمة ذات الطابع الدولي لمحاكمة المتهمين في جريمة اغتيال رئيس الحكومة الاسبق رفيق الحريري، ما يجعل هذا الاجراء مادة لإذكاء نار الخلافات السياسية الهامدة عشية عودة الامين العام لجامعة الدول العربية الى بيروت لاستئناف وساطته في محاولة حل الازمة السياسية الناشئة على خلفية المحكمة الدولية. وقد وقع على الاتفاقية من جانب الأمانة العامة المستشار القانوني للأمم المتحدة نيكولاس ميشيل وعن جانب الحكومة اللبنانية المدير العام لوزارة العدل اللبنانية القاضي عمر الناطور وذلك قبل اسبوع واحد من حلول الذكرى الثانية لجريمة اغتيال الحريري. وما تم التوصل إليه بين الأمم المتحدة والحكومة اللبنانية يشكل خطوة أولى نحو إنشاء المحكمة ذات الصفة الدولية. الا ان الاتفاق لا يصبح نافذ المفعول قبل مصادقة البرلمان والرئيس اللبناني إضافة إلى الحكومة اللبنانية عليه. وقد اشار البيان الذي صدر بهذه المناسبة عن مكتب الأمين العام بان كي مون إلى «أن الاتفاق هو من اختصاص السلطات اللبنانية لاتخاذ الخطوات الضرورية وفق الدستور اللبناني من اجل اعتماد الاتفاق والمصادقة عليه ليدخل حيز التنفيذ». وأوضح البيان أنه عند ذاك ستكون المحكمة جاهزة للعمل مع دعم الأمم المتحدة الكامل لها. وفي الوقت ذاته شدد المستشار القانوني نيكولاس ميشيل على القول «إن التوقيع على الاتفاق لا ينطوي على أي بعد سياسي». وفي لبنان تفاعل التوقيع سياسيا أمس ففي حين وصفه وزير العدل اللبناني شارل رزق بـ«الاجراء الروتيني»، أكد على دور المجلس النيابي اللبناني لمناقشته واقراره، كشفت مصادر قانونية بارزة في لبنان لـ«الشرق الاوسط» ان توقيع المنظمة الدولية بشخص مساعد الامين العام للشؤون القانونية نيكولا ميشال له تفسير واحد وهو ان المحكمة الدولية «باتت قدراً لا مفر منه. وعلى المؤسسات الدستورية اللبنانية وقواها المعارضة للمشروع والمؤيدة له ان تتعامل معه على هذا الاساس تجنباً لمزيد من تدويل الازمة اللبنانية».

وترى المصادر القانونية المواكبة لمسار المحكمة الدولية وبالاستناد الى معلومات واحاديث تدور في الكواليس الدبلوماسية ان المنظمة الدولية تعتبر «ان محاولات قوى لبنانية لاجهاض المحكمة بتحريض اقليمي مكشوف، تعني التفافاً على قرار مجلس الامن الدولي الرقم 1644 القاضي بانشاء المحمكة وتهرباً منه. وهذا يرتب مسؤوليات جسيمة يصعب على لبنان تحملها»، كاشفة ان اقرار صيغة المحكمة في نيويورك، اول من امس، حظي بموافقة المندوب الروسي الذي تأمل بلاده ان يسلك مشروع المحكمة طريقه في المؤسسات الدستورية اللبنانية بتوافق جميع اللبنانيين، وهذا التمني الروسي لا يعني السماح لفريق سياسي او اي جهة اقليمية بنسف المحكمة الدولية ولا حتى تفريغ نظامها من مضمونه.

ولفتت المصادر القانونية اللبنانية الى ان تفويض الحكومة اللبنانية الى المدير العام لوزارة العدل القاضي، عمر الناطور، توقيع نظام المحكمة الاسبوع الماضي ومن ثم ارساله الى نيويورك لم يكن قراراً من طرف واحد، انما جاء نتيجة تنسيق واتفاق مسبق بين الحكومة والامين العام للامم المتحدة بان كي مون الذي يعتبر ان حكومة فؤاد السنيورة حكومة شرعية ودستورية ولا تزال حائزة ثقة البرلمان اللبناني المنتخب بطريقة ديمقراطية لأول مرة بعد الوصاية السورية. كما يأتي بمثابة تأكيد جازم لرفض ادخال تعديلات تمس جوهر المحكمة وتجعل مرتكبي جريمة اغتيال الحريري والجرائم الـ 14 التي سبقتها وأعقبتها بمنأى عن الملاحقة، لأن في ذلك تقويضاً للعدالة الدولية المصممة على معاقبة المجرمين ووضع حد لمسلسل القتل والإجرام والترويع المستمر في لبنان منذ ما يزيد عن عامين. في موازاة ذلك علمت «الشرق الاوسط» من مصادر لبنانية واسعة الاطلاع «ان الامم المتحدة تعطي البرلمان اللبناني مهلة حتى منتصف شهر مارس (آذار) المقبل (موعد بدء الدورة العادية للمجلس النيابي) لمناقشة نظام المحكمة واقرار التعديلات القانونية المطلوبة، وفي حال امتناعه عن ذلك للاسباب السياسية المعروفة، فان مجلس الامن الدولي سيسارع الى اصدار قرار انشاء المحكمة تحت الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة. وعندها لن يكون للبنان اي رأي او اقرار او مشاركة». وعلم ايضاً ان هذه «المهلة اعطيت بطلب من روسيا لتمكين اللبنانيين من الاتفاق كي لا تكون المحكمة سبباً يدفع الازمة اللبنانية نحو التفجّر، الا ان هذه الرغبة لا تعني بالمطلق ان ثمة موافقة روسية على تعطيل المحكمة. وحينها على القوى اللبنانية الرافضة للعدالة الدولية ومن يدعمها تحمل تبعات انشاء المحكمة تحت الفصل السابع مع ما يترتب عنها من تدويل كامل للملف اللبناني ومعه المنطقة برمتها».

وفي سياق متصل حذر وزير العدل شارل رزق امس من خطورة تعطيل المحكمة لما لذلك من سلبيات على كل اللبنانيين من مؤيدين ومعارضين لها. متمنياً على المجلس النيابي عقد جلسة في اقرب وقت واقرارها.