باريس تصف الحوار مع طهران «بالأساسي» لكنها تعتبر أن لسورية القدرة على تعطيله

مصادر فرنسية: ثمة تمايز بين موقفي طهران ودمشق من لبنان

TT

لم تغلق فرنسا باب الحوار المباشر مع طهران عبر إرسال مبعوث الى طهران لأنها ترى أن القيادة الإيرانية «يمكن أن تلعب دورا إيجابيا في لبنان وهي اعطت إشارات بهذا المعنى».

هذا ما أكدته مصادر فرنسية رسمية لـ«الشرق الأوسط» مضيفة أن باريس «مقتنعة» بأن ثمة «تمايزا في الموقفين الإيراني والسوري لجهة التعاطي مع الأزمة اللبنانية» من غير أن يعني «اختلافا أو فكا للتحالف القائم» بينهما «بسبب حاجة كل طرف للطرف الآخر في المرحلة الراهنة»، وإذ ترى باريس أن هذا الواقع يفتح «أفقا» للعمل الدبلوماسي والسياسي، فإنها تدعو اللبنانيين الى «عدم المبالغة» في التعويل على هذا المعطى وحده ولا على «العامل الخارجي». وتحث باريس الأكثرية البرلمانية على «استكشاف» كل الإمكانيات الداخلية من أجل الوصول الى «مخرج معقول» على ضوء عاملين اثنين: المهلة التي ما زالت تفصل لبنان عن صدور تقرير المحقق الدولي سيج براميرتز في يونيو(حزيران) المقبل وإمكانية الاستفادة من ذلك داخليا، والآخر أهمية أن تدرس الأكثرية امكانية التعامل مع المعارضة «التي هي معارضات وليست كتلة متماسكة».

وفي الموضوع الإيراني، تركز المصادر الفرنسية على «الرؤية الإقليمية» لإيران التي يبدو أن «همها الأول» في الوقت الحاضر هو «إعطاء حزب الله الفرصة الكافية في عملية إعادة تأهيل سياسية وعسكرية»، ولذا ترى القيادة الإيرانية أن الحزب «بحاجة لفترة تهدئة وبالتالي فإن الفوضى التي يمكن أن تترتب على الأزمة السياسية في لبنان لا تخدم مصالح الحزب ولا مصلحة إيران لأنها تجعل منه مجددا هدفا للخارج». وترى باريس أن هدف التهدئة يساعد إيران التي توجه اليها أصابع الاتهام بتأجيج التنازع المذهبي وبالتالي فإن التوصل الى «السيطرة» على الوضع اللبناني يمكن أن «يوظف إيرانيا» في المنطقة بأسرها، لكن باريس تعترف أن نقطة الضعف في الرؤية الفرنسية تتمثل في الملف النووي الإيراني حيث «المفتاح» في واشنطن وفي مجلس الأمن وبالتالي لا يستطيع أي طرف أن «يخرج على الإجماع الحالي». وما يؤكد هذا الواقع ردة الفعل القوية على تصريحات الرئيس الفرنسي التي أوحى فيها قبل ايام إن حصول إيران على قنبلة أو قنبلتين نوويتين ليس بالكارثة إذ أن إيران لن تستطيع استخدامها.

وتعتبر باريس أن «التهدئة» التي عرفها لبنان في الأيام الأخيرة من «مفاعيل الاعتدال الإيراني» وهي ترى إمكانية لاستمرارها. وكان الرئيس الفرنسي جاك شيراك قد استقبل مساء الأحد الفائت أمين عام مجلس الأمن القومي السعودي الأمير بندر بن سلطان، لكن ما فهم منه أنه تركز على التحرك السعودي لحلحلة الأزمة اللبنانية والحوار الجاري بين الرياض وطهران، وبين العاصمتين وحدة حال في الموقف من سورية، حيث الحوار معها منقطع من الجانبين بينما الخطوط مفتوحة على إيران، لكن إذا كانت فرنسا ترى أن «المفتاح الرئيسي» للأزمة في لبنان موجود في طهران، فإنها في المقابل تعتبر أن سورية «ما زالت قادرة على التعطيل» وبالتالي فإن البحث يجب أن ينصب على كيفية «تحييد» هذا العامل.

وبهذا الخصوص، قالت المصادر الفرنسية لـ«الشرق الأوسط» إن ثمة «اقتناعا» فرنسيا بأن «مفتاح» الموقف السوري «المعطل» يكمن في المحكمة ذات الطابع الدولي. ونقلت مصادر فرنسية عالية المستوى عن وزير خارجية عربي تربط بلاده وسورية علاقات جيدة ووثيقة أنه سمع من دمشق «مباشرة» أن سورية «لن تتساهل ابدا في موضوع المحكمة» وأنها «غير مستعدة للحوار حول هذه النقطة». وبالمقابل ووفق المعلومات الفرنسية، فإن إيران لا ترى ضيرا في قيام المحكمة مع مراعاة هواجس حزب الله الذي يرفض الربط بين كل عمليات أو محاولات الاغتيال التي جرت منذ خريف عام 2004. ولا تريد باريس أن يتخلى لبنان عن حقه في دوره في المحكمة وفي الركون الى مجلس الأمن الدولي. وترى باريس في «انفراد» مجلس الأمن وتخلي البرلمان اللبناني عن دوره سيئتين: الأولى إهدار كل ما تسعى اليه باريس ومعها المجموعة الدولية لترميم سيادة لبنان واستقلاله ـ لأن الركون الى مجلس الأمن يعني اعترافا بعجز الدولة اللبنانية ـ والثاني التعقيدات السياسية والدبلوماسية وصعوبة الوصول الى محكمة دولية صافية يقرها مجلس الأمن بعيدا عن المؤسسات اللبنانية. من هذا المنطلق، تشدد باريس على أهمية وصل الحوار بين اللبنانيين «بعدما فهم الجميع أن التعطيل لا يفيد أحدا وأن الحكومة لن تسقط في الشارع».