سفينة «يوليسيس» الفضائية تحلق فوق القطب الجنوبي للشمس

في بعثة فضائية مثيرة لدراسة ألغازه

TT

في حدث فضائي نادر حلقت سفينة فضائية اميركية أمس، بالقرب من القطب الجنوبي للشمس. ويأتي هذا الحدث العلمي قبل ان تمر أقل من 100 عام على اكتشاف القطب الجنوبي للأرض، الذي ظل موقعا مليئا بالألغاز وكان على مستكشفيه الوصول اليه في ظروف البرد والرياح العاتية وفي أجواء تماثل جو كوكب المريخ. ونجح المستكشفان روالد أميوندسن وروبرت سكوت في الوصول اليه عامي 1911 و1912. ويجد علماء الفضاء انفسهم اليوم في وضع مماثل.. ولكن في الأبعاد الكونية! وامس نجح علماء الفضاء الاميركيون والاوروبيون في توجيه سفينة الفضاء «يوليسيس» للتحليق فوق القطب الجنوبي للشمس، الذي لا يزال مجهولا تماما لديهم! وقال اريك بوزنر الباحث في فيزياء الشمس في وكالة الطيران والفضاء الاميركية (ناسا)، ان «القطب الجنوبي للشمس منطقة مجهولة تماما». واضاف: «اننا لا نتمكن من رؤيته من الارض تقريبا، كما ان اغلب سفننا الفضائية المخصصة لدراسة الشمس تحلق فوق خط الاستواء للشمس ولها رؤية سيئة للمناطق العليا للشمس».

وتمكنت «يوليسيس من التحليق فوق قطبي الشمس، وتنفذ مهماتها ضمن بعثة مشتركة بين وكالتي الفضاء الاميركية والاوروبية. وقال بوزنر الذي يشرف على الجزء الاميركي من بعثة «يوليسيس»، في رسالة وصلت بالبريد الالكتروني من «ناسا» الى «الشرق الاوسط» ان «السفينة وصلت في السابع من هذا الشهر (أمس) الى ارتفاع 80 درجة شرقا ـ أي بالتقريب فوق القطب الجنوبي مباشرة».

وشاعت اجواء من الاثارة والحبور بين صفوف علماء الفضاء، خصوصا ان سفينة «يوليسيس» كانت قد نجحت في التحليق مرتين فوق قطبي الشمس، الاولى عامي 1994 ـ 1995 والاخرى عامي 2000 ـ 2001 لفترة قصيرة لكنها كانت كافية لاكتشاف حقيقة ان القطبين كانا منطقتين غريبتين! ويعدد العلماء اربع خصائص تميز الشمس، اولاها ان القطب المغناطيسي الشمالي لها «ينطلق خارجا» من قطبها الجغرافي الجنوبي، أي ان الشمس مقلوبة رأسا على عقب! و«هذه هي حالة الارض ايضا، الا ان غالبية الناس لا تعرف ذلك»، كما يقول بوزنر، ويضيف ان «القطب المغناطيسي الشمالي للارض ينطلق خارجا من القطب الجنوبي».

وتتماثل الارض كثيرا مع الشمس من الناحية المغناطيسية، «فقطبا الشمس والارض المغناطيسيان يتحركان باستمرار وقد ينقلبان احيانا، بأن يغير الشمالي والجنوبي موقعيهما». ويحدث هذا في الشمس كل 11 عاما تزامنا مع دورة النشاط لها، اما على الارض فلا يحدث الا بعد 300 الف عام تزامنا مع أشياء لا يزال العلماء يجهلونها! «ولذلك فان دراسة المجال المغناطيسي للقطبين في الشمس قد تقدم بعض المعلومات حول المجال المغناطيسي للارض» وفقا لبوزنر.

ومن خصائص الشمس الاخرى، وجود ثقوب على قطبي الشمس، وهذه الثقوب التاجية هي التي تسمح بانفتاح المجال المغناطيسي لها كي يتم قذف الرياح الشمسية الى الكون. واذا حدث ان وقفنا فوق قطب الشمس وثقوبه فان دفقات من البروتونات، وهي اجسام موجبة الشحنة والالكترونات السالبة الشحنة المنطلقة بسرعات تبلغ مليون ميل في الساعة ستضرب وجوهنا! وتدرس سفينة «يوليسيس» الآن انطلاق الرياح الشمسية.

ثالثة خصائص الشمس تتمثل في ان قطبيها يسمحان ايضا بعبور الاشعة الكونية نحوها في نفس الوقت الذي يسمحان فيه بانطلاق الرياح الشمسية. ولذلك يستطيع العلماء بواسطة سفينة الفضاء اخذ عينات من الاشعة الكونية الداخلة اليها. اما رابعة الخصائص الشمسية فهي ان الدراسات السابقة اشارت الى ان درجات الحرارة تبدو مختلفة بين القطبين الشمالي والجنوبي لها، وهذا لغز كوني آخر، ولذلك يرغب العلماء في فك اسراره، بعد تحليق السفينة فوق القطب الجنوبي هذا، ثم تحليق «يوليسيس» فوق القطب الشمالي عام 2008 المقبل.

ويشبه العلماء سفينة «يوليسيس» بالمستكشف ريتشارد بيرد اكثر من مستكشفي القطب الجنوبي للارض أميوندسن وسكوت، لأنه كان اول من حلق فوق القطب الجنوبي للارض عام 1929.

ومع ذلك، فان السفينة ستتبع خطى سكوت الذي لم يحالفه الحظ ويعود ناجيا من رحلته المثيرة والذي كتب يقول «لو قدر لنا ان نحيا لسجلنا قصة الصعوبات الهائلة والثبات والشجاعة»، اذ لن يقدر لـ«يوليسيس» ان تعود الى الارض أبدا.