مؤسس حركة «فتح الإسلام»: نريد أن نتمدد في كل المخيمات بلبنان

شاكر العبسى لـ«الشرق الأوسط»: لم أقاتل في العراق كما يشيعون وإن كنت قاتلت في نيكاراغوا

TT

دخول مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين، الذي يبعد 16 كلم فقط عن طرابلس، ثاني المدن اللبنانية، بعد كل الذي يروى حوله، يبدو أقرب إلى المغامرة. فالجيش اللبناني يرابط على مدخل المخيم، يدقق في الهويات والوجوه ويفتش السيارات والبشر ان لزم الأمر، والأسلاك الشائكة التي أحاطت بالمخيم حولته إلى موقع مغلق ومعزول عن العالم الخارجي. والهدف هو حصار جماعة «فتح الإسلام» وشل حركتهم، بعد ان اتخذوا من مخيم نهر البارد (شمال لبنان) مركزاً لهم، وتنامت التهم الموجهة اليهم. فهم متهمون بأنهم مدسوسون من قبل سورية لاغتيال شخصيات لبنانية، والقيام بعمليات تفجيرية ضد قوات اليونيفل في الجنوب. وهناك من يعتبرهم تابعين لتنظيم القاعدة، ويستقدمون المقاتلين من العراق ودول أخرى مثل مصر والسعودية، وثمة من يقول انهم يتلقون دعما من آل الحريري، وآخرون يفضلون نسبتهم إلى حزب الله.

حين تقترب من مبنى «صامد» حيث زرع عناصر «فتح الإسلام» قيادتهم، تلحظ ما يشبه برج مراقبة بدائي، يرصد الحركة حول المبنى القديم المكون من طابق واحد مسوّر، وحين يلمحك الرجل المسلح الموجود هناك، يأتي من يفتح لك باباً صغيراً يؤدي بك إلى فناء المبنى الرملي المتسع الذي يستخدم لتدريب العناصر، وقد حفرت فيه خنادق متواضعة، وزودت أنحاؤه بمعدات عتيقة تشبه تلك التي يستخدمها الرياضيون. سيارتا جيب عسكريتان عتيقتان جداً اصطفتا في الفناء، ينتظرنا قربهما رجال بعضهم حملوا أسلحة فردية، يرحبون بنا ويدخلونا إلى غرفة فيها مكتب اعتلته راية سوداء كتب عليها لا اله إلا الله محمد رسول الله، واصطفت كراس بلاستيكية كثيرة في محيط الغرفة. يعرفنا شاكر العبسي، مؤسس «فتح الإسلام» على نفسه بعد ان يجلس وراء المكتب وإلى جانبه «أبو سلمى» الذي يلف رأسه بكوفية حمراء»، ويلبس ثيابا عسكرية. يقول العبسي، وهو رجل خمسيني «ان كل الاتهامات ألصقت بنا، وقيل اننا وافدون من سورية علماً بأنني كفلسطيني أردني، تركت الأردن وأنا صغير جدا، ومنذ السبعينات، وانا أتنقل بين المخيمات في سورية ولبنان. نحن كعسكريين في حركة فتح الموجودة في البلدين، نتواجد حيث يطلب الينا ان نكون. عناصرنا كانوا موجودين في مختلف المخيمات اللبنانية قبل الحادثة الأمنية التي حصلت في نوفمبر الماضي في «مخيم البداوي» (شمال لبنان)». وهو يشير بذلك إلى صدام بين «فتح الإسلام» وتنظيمات أخرى، انسحب على أثرها عناصر الحركة، وتجمعوا في مخيم نهر البارد واحتلوا مباني تابعة لـ«فتح الانتفاضة» المنشقة أصلا عن «فتح»، واستولوا على اسلحتهم، واتخذوا من مخيم نهر البارد مركزا اساسيا لهم.

شاكر العبسي يعتقد بأن كل التهم التي حيكت حول حركته سببها الراية الإسلامية التي يحملها. وحين نسأله من أنتم إذاً وكيف تشكلتم، يجيب: «نحن مجموعة من الشباب المسلم في تنظيم «فتح الانتفاضة» أعلنا راية «لا اله إلا الله» لما رأينا ان لا سبيل للوصول للهدف إلا بها، لأن كل الرايات السابقة اسهمت في إفساد شعبنا، وصار الخلاف على متر أو عودة لاجئ واحد. لقد ضيعنا الهدف، لذلك انفصلنا عن فتح الانتفاضة، وعن أبو خالد العملة. وقلنا تكراراً ان للرجل رؤيا قومية علمانية، ونحن لا نرى سبيلا غير الإسلام». يرفض شاكر العبسي ان يتحدث عن بعض تفاصيل تخص مساره الشخصي أو عدد عناصر حركة «فتح الإسلام» في الوقت الحالي او المصادر التمويلية، ويعتبرها معلومات أمنية. لكن مع ذلك يقول: «لم اسجن في الأردن كما يدعون، وسجنت في سورية لأنني كنت احاول التسلل إلى فلسطين عن طريق الجولان، ولم اقاتل في العراق كما يشيعون، وإن كنت قد قاتلت ذات يوم في نيكاراغوا». ويتابع «ما هي تهمتنا؟ أننا نستقبل متطوعين. أحد مبادئ فتح أصلاً تجميع جهود الأمة، فكيف حين نرفع راية لا إله إلا الله؟

ـ نحن لا نقبل الجميع، ونرفض من لا يتماشون مع وضعنا الداخلي، ومن لا ينتمون الى دول الطوق». نستفسر لماذا دول الطوق، وماذا عن المقاتلين الذين يأتونهم من العراق؟ فيجيب: «نحن واقعيون، ودول الطوق أولى بالدفاع عن فلسطين، ثم اننا لا نسأل كل متطوع إن كان قاتل في العراق أم لم يقاتل، كثيرون هم الذين ذهبوا وعادوا من هناك، نحن لا ندقق». لكنكم متهمون بأن عناصركم تتسلل خلسة وبطرق غير شرعية عبر الحدود؟

ـ «الذي يدخل بطرق غير شرعية تتولاه الأجهزة الأمنية اللبنانية، ليست مشكلتنا التحقق من الطريقة التي يدخل بها المتطوع، قبل أن يأتي إلينا. وأريد ان أقول بأن كل التنظيمات الفلسطينية ضمت جنسيات مختلفة. أنا أعمل منذ ثلاثين سنة، ورأيت حتى الآسيويين، فلماذا اختلاق هذه القصة الآن؟».

ينفي شاكر العبسي ان يكون مرتبطاً بجهات سورية، أو ان يكون لتنظيمه اي علاقة بالوضع الداخلي اللبناني، ويحدد بشكل صارم أن هدف تنظيمه تحرير فلسطين والوصول إلى القدس. وحين نسأله لماذا يتمركز إذا، في أبعد مخيم عن الحدود اللبنانية مع فلسطين، يضحك ويقول: نعمل على مرحلتين. المرحلة الأولى التي نعيشها الآن هدفها إصلاح القاعدة الشعبية التي أفسدتها التنظيمات والأنظمة، لحمل الراية. وهذا يتطلب وجودنا في مكان قريب وبعيد، في الآن نفسه، ويحتاج هدوءاً وامناً، لذلك نحن لا نسعى الى افتعال مشكلات، بل نتحاشاها، ولا نرد على الاستفزاز. في المرحلة الثانية، حين تكون الجماهير قد أصبحت مهيئة للانطلاق، عندها لن يقف أمامها كائن على الإطلاق». يبدو الكلام على نوايا تخريبية او تفجيرية محددة الزمن والهدف في لبنان، هي تقزيم لأحلام أكبر وأشمل، يتحدث عنها شاكر العبسي أو «أبو حسين» كما يلقبه انصاره، بحماسة وثقة، خاصة وان مخيم نهر البارد وحده يتعايش فيه 14 تنظيماً فلسطينياً، فهل ينوون الحلول مكانها أو مكان بعضها، ويودون التمدد إلى باقي المخيمات، يجيب شاكر العبسي: «هذا ليس حلماً انه وعد من الله منجز لا محالة، وهو جهد إن لم نتمكن منه نحن فالأجيال القادمة». حين دخلت عناصر «فتح الإسلام» مخيم نهر البارد أثارت فزع الأهالي، ألا يتناقض هذا مع ادعاء حلم دخول باقي المخيمات؟ يعترف العبسي بالصعوبات التي يقول أن الشائعات حولهم كانت سببها «أما الآن، فقد تغير الأمر، وعرف اهل المخيم حقيقتنا، وبات أهالي مخيمات أخرى يطالبون بدخولنا، وسندخلها كما دخل النبي (ص) المدينة باستقبال الأنصار له، هذا هو الذي يتم العمل عليه، هل سيحاصر الجيش كل المخيمات حينها؟ حالياً، نحن متواجدون هنا بشكل علني وفي مخيمات أخرى، وفي اصغر مخيمات الجنوب اللبناني، بشكل سري. وعندنا مجموعات داخل فلسطين، وفي دول الطوق جميعها، ولنا اتصال بهم. هدفنا الوصول إلى بيت المقدس من كل الدول وليس من لبنان وحده».

يؤكد العبسي ان من يريد أن يقوم بعمل تفجيري او تخريبي، لا يأتي بزوجته وأولاده. «غالبية عناصرنا هنا مع عائلاتهم. هذه أرضنا وديارنا وبلادنا. نحن لا نعترف بحدود قسمها سايكس وبيكو، هذا غير جائز شرعاً، فما بالك أن نعترف باحتلال الصهاينة. نحن منزعجون من حصار الجيش اللبناني لنا لأنه يذكرنا بحصار اليهود للشعب الفلسطيني، ونعتبره استفزازاً، ولن نرد عليه. نحن لا نريد ان نخّرب، هذا مجرد كلام. لماذا لا يتحققون من أمرنا، عبر الإعلام أو أي وسيلة اخرى، ليعرفوا حقيقتنا؟».

هنا يتدخل أبو سلمى الذي بقي مستمعاً طوال الوقت، ليوضح وهو منفعل: «عندنا كادر جامعي ومثقف، ومن الظلم أن نصور على النحو الذي يرسم لنا، اننا قادرون على الإبداع. يصورون المخيمات على انها دون المستوى البشري، ووضعوا سياجاً حولنا لنصبح اشبه بحديقة حيوانات. هذا السياج امتهان للنفس البشرية. المخيم كان سوقا يأتيه الناس، وبات الجيش يطلب منهم عدم الدخول لأن ثمة ما يخيف هنا، والنتيجة كساد اقتصادي في المخيم. نحن متهمون بأننا نؤوي مطلوبين للعدالة، وهذا غير صحيح».

جهات عديدة كانت قد اتهمت حركة «فتح الإسلام» بانتمائها إلى تنظيم القاعدة، ومن بين هؤلاء سلطان أبو العينين، أمين سر حركة فتح في لبنان. شاكر العبسي لا يعلن عداء مع القاعدة: «كلانا يقول لا إله إلا الله، لكن لا ارتباط تنظيمياً بيننا وبين القاعدة. لقد أطلقت شائعات كثيرة حولنا، وهي افتراءات أسبابها سياسية وليست امنية، وحتى بعض التنظيمات الفلسطينية تخشى من أن تعم حالتنا وتتوسع، لذلك تشارك في الشائعات. الجيش اللبناني الذي اعتقل اثنين من اخواننا، وليس اكثر كما يشاع، يعلم جيدا ان كل ما يروى هو محض افتراء».

محال أن تعرف مدى شعبية «فتح الإسلام» في نهر البارد، فالمتعاطفون يؤكدون أنهم قوة ضاربة تستقطب الكثير من الإسلاميين المستقلين الذين يبحثون عن راية تؤويهم، ومعارضوهم يعتقدون انهم مجرد حالة عابرة، لا تريد التنظيمات الأخرى ان تشتبك معها وتودي بأرواح ابرياء. لكن ما هو أكيد ان الخطاب الإسلامي على طريقة شاكر العبسي، لا بد انه يستهوي الكثير من اليائسين والباحثين عن خلاص.