فلسطيني يروي اعتقاله سنتين في سجن سري للمخابرات الأميركية

العديد من المشتبه في انتمائهم لـ«القاعدة» مروا عبر «المواقع السوداء»

TT

في اليوم الاخير لاعتقاله من قبل وكالة الاستخبارات المركزية، تم تعرية مروان جبور، وهو متهم بتمويل «القاعدة»، واجلِسَ على مقعد ثم صوره ضباط الوكالة. وبعد ذلك قيد وعصبت عيناه، وحقن بمادة جعلته مثل السكير. وبعد ذلك وضع في سيارة فان، اتجهت الى مهبط طائرات ووضع في طائرة يوجد سجينان في الأقل بها. وكان الافراج عنه من موقع سري في افغانستان في 30 يونيو(حزيران) 2006 مفاجأة لجبور ـ وقد صدر القرار بعد رفض المحكمة العليا ادعاءات ادارة بوش بأن معاهدات جنيف لا تنطبق على سجناء مثله.

وقضى جبور سنتين فيما يعرف باسم «المواقع السوداء» وهي سلسلة تسهيلات اعتقال تديرها وكالة الاستخبارات المركزية حول العالم. وروايته عن الحياة في تلك الفترة، التي رواها لـ«واشنطن بوست» خلال ثلاث مقابلات، تقدم صورة عن عالم سري يحتجز المزيد من السجناء أكثر من 14 رجلا اعترف الرئيس بوش بوجودهم وانتقلت المسؤولية عنهم من وكالة الاستخبارات المركزية الى جهة اخرى في شهر سبتمبر(أيلول) الماضي. وكان الرئيس قد ذكر «لا يوجد الآن ارهابيون في برنامج وكالة الاستخبارات المركزية». واضاف أنه بعد إصدار تقرير ان السجناء «ليست لديهم قيمة تذكر او ليست لديهم قيمة على الاطلاق، فقد تم اعادة العديد منهم الى بلادهم لمحاكمتهم او اعتقالهم من قبل حكوماتهم».

الا ان خبرة جبور التي سجلتها «هيومن رايتس ووتش» في تقرير اصدرته امس حول مصير المعتقلين في «المواقع السوداء» لا تتوافق مع الصورة التي رسمتها الادارة لما يحدث في برنامج الوكالة، مثل عدد الاشخاص الذين احتجزتهم والتهديد الذي يمثلونه. وبالرغم من نقل 14 معتقلا علنا من وكالة الاستخبارات المركزية الى مركز الاعتقال في غوانتانامو، فإن عشرات منهم لم تكشف الحكومة الاميركية عنهم علنا، ولا يزال مصيرهم سرا. كما لم تعترف الادارة بأن معتقلين مثل جبور، الذين يعتبر وجودهم خطرا الى درجة ان اعتقالهم اعتبر سرا، تم الافراج عنهم. وبعد مرور 28 شهرا من الاعتقال، تم الإفراج عن جبور الذي وصفه مسؤولون عن مكافحة الارهاب في الحكومة الاميركية بأنه «جهادي ملتزم وإرهابي متشدد ينوي الإضرار بالابرياء بمن فيهم الاميركيين» ـ منذ 8 اشهر. وقد اكد المسؤولون الاستخباريون في مجال مكافحة الارهاب احتجازه، وانه احتجز في باكستان وافغانستان. إلا انهم رفضوا مناقشة الظروف داخل المواقع السوداء او معاملة المحتجزين. وفقا لرواية جبور وعدد من المسؤولين الاستخباريين الاميركيين، فإن دخوله برنامج المواقع السوداء بدأ في مايو(أيار) 2004. وذكر في مقابلات صحافية انه تم خطفه من سيارة، وهي تدخل فيلا في العاصمة الباكستانية اسلام اباد. وذكر جبور انه قبل اسبوع من وصوله الى المواقع السوداء، ضربه ضباط الاستخبارات الباكستانية وأحرقوه في سجن في لاهور. وهناك تولت محققتان اميركيتان التحقيق معه وأبلغتاه انه سيصبح ثريا اذا ما تعاون، وانه سيختفي من الحياة اذا ما رفض.

والمنزل الموجود في اسلام اباد، الذي ذكر مسؤولون استخباريون اميركيون انه واقع تحت الادارة المشتركة لوكالة الاستخبارات المركزية والاستخبارات الباكستانية، مجهز بزنازين سجون. وعندما وصل جبور، شاهد ما يقرب من 20 محتجزا، بمن فيهم ابن شيخ مصري في السادسة عشرة من عمره، محتجز في باكستان. ووفقا لروايات العديد من السجناء السابقين وضباط الاستخبارات الاميركيين، فإن العديد من المشتبه في انتمائهم لـ«القاعدة» مروا عبر هذا السجن.

وقضى جبور 5 اسابيع في السجن، مقيدا في حائط وممنوعا من النوم لاكثر من عدة ساعات يوميا. وقال انه كان يتعرض للضرب يوميا من حراسه الباكستانيين بعد ساعات من التحقيق على يد محققين اميركيين، ثم نقل مع آخرين الى مواقع تديرها وكالة الاستخبارات المركزية. وبعض المواقع كانت في اوروبا الشرقية، وذهب جبور لموقع في افغانستان. وقال المحققون ـ الذي ذكر جبور انهم في العشرينات والثلاثينات من العمر ـ انه لن يرى اولاده الثلاثة مرة اخرى.

وحددت «هيومن رايتس ووتش» 38 شخصا ربما اعتقلتهم وكالة الاستخبارات المركزية ولم يعرف مصيرهم. وقال مسؤولون في الاستخبارات للصحيفة ان عدد المعتقلين في مثل هذه التسهيلات عبر خمس سنوات يعتبر سريا ولكنه اكثر من 60. ولم يتم الكشف عن مكانهم علنا. واعترف جبور في مقابلة مع الصحيفة في منزل أسرته في قطاع غزة بمساعدة مقاتلي «القاعدة» وطالبان الذين فروا من افغانستان في الوقت الذين كانت فيه القوات المسلحة الاميركية تطارد المشاركين في هجمات 11 سبتمبر. وقد ولد جبور لأبوين فلسطينيين في الاردن، وتربَّى في السعودية وتعلم في باكستان. وفي عام 1998، اصبح مهتما بمأساة المسلمين في الشيشان. وعبر الحدود الى افغانستان ليتدرب في معسكرات الجهاديين، ثم قرر الانضمام الى الانفصاليين الشيشان.

واضاف «التقيت في افغانستان مع اشخاص اخرين يؤمنون بالدولة الاسلامية، حيث كان من الممكن ممارسة الاسلام بالطريقة التي نريدها. واصبحت صديقا مع عرب اخرين، من الفلسطينيين والاردنيين. ولكن بعد ثلاثة اشهر من التدريب، ابلغت بعدم وجود فرصة للذهاب الى الشيشان». وعاد جبور الى باكستان عام 1999. وبعدها بعامين، وبعد الحملة العسكرية الاميركية في افغانستان، اتصل به هؤلاء الذين عاش وتدرب معهم، طلبا للمساعدة. واضاف «اصيب بعض اطفالهم، وبعض نسائهم. ومن تلك اللحظة، حضروا الى منزلنا وساعدناهم». وقال جبور، انه استخدم اموالا من ممولي «القاعدة» لشراء الطعام وترتيب العلاج الطبي ووثائق السفر لعشرات من الاشخاص كما رتب لشخصين أفريقيين الهرب من باكستان. ولكنه لم يعد لافغانستان للقتال. وقال انه لم يكن مهتما بمهاجمة اميركا.

وقال المسؤول ان جبور «قدم الاموال والوسائل للجهاديين الآخرين للانتقال من افغانستان الى باكستان»، وقدم اموالا ذهبت لمختبر للاسلحة البيولوجية التابعة للقاعدة. وقال المسؤول «انه شخص سيئ في كل النواحي».

وفي 16 يونيو(حزيران) 2004، وبعد اسابيع في الفيلا، تم تخدير جبور وعصبت عيناه ووضع في طائرة. ولم يرفض المسؤولون عن مكافحة الارهاب انه نقل الى موقع أسود في افغانستان. وقال جبور ان المكان كان يديره اميركان في ملابس مدنية ويتولى حراسته رجال ملثمون يرتدون ملابس سوداء وقفازات. وقال انه لا يعرف اين موقع التسهيلات بالضبط، كما رفض المسؤولون عن مكافحة الارهاب القول ما اذا كان جبور محتجزا في واحد من مركزين معروفين للاعتقال في افغانستان؛ الأول تديره القوات العسكرية الاميركية في قاعدة باغرام الجوية، والآخر تديره وكالة الاستخبارات المركزية. وقال جبور انه كان عاريا خلال الثلاثة اشهر الاولى في الموقع الافغاني، التي قضاها في زنزانة اسمنتية مفروشة بملاءتين وسطل. وكانت الزنزانة مضاءة طوال 24 ساعة. بالاضافة الى جهازي تصوير وميكروفون. وفي بعض الاحيان كانت تذاع موسيقى بصوت عال داخل الزنازن. وفي باقي الاوقات، كان يتردد صوت ازيز منخفض لمنع السجناء من الحديث مع بعضهم بعضا.

وكان يجري التحقيقات اليومية العديد من الاميركيين. وقال جبور انه تم التحقيق معه 45 مرة خلال عامين، بالاضافة الى الموظفين الصحيين واخصائي علم النفس. وقد تعرض للتهديد جسديا إلا انه لم يضرب على الاطلاق.

وفي 18 ديسمبر(كانون الأول) 2004، وبعد 6 اشهر من وصوله، نقل جبور الى زنزانة أكبر. وعثر تحت حوض الغسيل على عبارة منقوشة «مجيد خان 15 ديسمبر 2004، اميركي باكستاني». وكان قد قبض على خان الذي تعيش اسرته خارج بالتيمور في مارس (آذار) 2003 في كراتشي وكان من بين مجموعة من السجناء نقلوا الى غوانتانامو قبل خمسة اشهر. ولم تكشف الحكومة الاميركية موقع احتجاز خان خلال فترة الثلاث سنوات والنصف الاولى من اعتقاله. وقد التقي جبور بسجين آخر خلال وجوده في «الموقع الاسود» وهو الجزائري ياسر الجزائري وهو مشتبه فيه من كبار نشطاء «القاعدة» الذي قبض عليه في باكستان في مارس 2003. وقد رتب الزيارات طبيب الموقع، الذي أبلغ جبور بوجود مكافآت على السلوك الجيد. ولا يوجد سجل علني حكومي اميركي يشير الى أن وكالة الاستخبارات المركزية اعتقلت جبور او الجزائري او نور خان.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الاوسط»