تعلم الإنجليزية هاجس الشباب العراقي بعد الاحتلال.. والدافع الرئيسي وظيفة جيدة

الجهل باللغة أقحم الكثيرين في مشاكل مع القوات الأميركية.. والمعاهد المختصة مغلقة بسبب الأوضاع الأمنية

TT

سعد وزيد وعلي ومها عينة من الشباب العراقي هاجسهم الوحيد في الوقت الحاضر هو تعلم اللغة الانجليزية باتقان تام، لأنها وعلى حد قولهم المفتاح الرئيسي لآفاق المستقبل الزاهر الذي يتطلع لتحقيقه معظم شباب العراق. ويشكو هؤلاء الشباب من ان المناهج التعليمية المقررة من قبل وزارة التربية في المراحل الاولى من الدراسة الابتدائية والثانوية لا تساعد اطلاقا على تهيئة الطلاب لدراسة أعمق وأفضل في المراحل العليا بالنسبة لهذه المادة التي ظلت وعلى مدى سنوات تعاني من استخدام مناهج قديمة وغير عملية في عموم مدارس البلاد، على عكس ما يتم تدريسه في الدول المجاورة للعراق والتي تستخدم مناهج أكثر تطورا عمليا ونظريا وإدخال كل ما هو جديد في هذا المجال من أجل تدريسه ليعود بأفضل النتائج على مستوى الطلاب.

والمشاكل التي يواجهها العراقيون عند تعاملهم مع القوات الاميركية، خير دليل على المعاناة الكبيرة التي يتحملها ابناء الرافدين نتيجة ضعفهم في تكلم اللغة الانجليزية؛ فكثير من العراقيين اعتقلوا وتعرضوا للاساءة نتيجة عدم الفهم بينهم وبين قوات الجيش الاميركي، وخصوصا عند قيام تلك القوات بحملات مداهمة وتفتيش لمختلف مناطق ومدن البلاد الفقيرة والتي لا يتمتع ابناؤها بمستوى تعليمي مناسب.

ويقول سعد عبد الله، 26 عاما، وهو احد الشباب الذين التقت بهم «الشرق الاوسط» في احد المعاهد الاهلية لتعلم اللغة الانجليزية ببغداد «إن سبب الإقبال الكبير للشباب على تعلم اللغات وخصوصا الانجليزية، هو رغبتهم في الحصول على وظائف بمستويات عالية وذات مدخول مالي كبير في مؤسسات وشركات حكومية وأهلية وأجنبية». وأضاف عبد الله، وهو يحمل شهادة البكالوريوس في الاقتصاد التجاري، ان «الكثير من فرص العمل التي يتم الاعلان عنها في الصحف والاذاعات، تشترط إجادة اللغة الانجليزية تكلما وكتابة، والكثير من اصحاب الشهادات العليا لا يجيدون اصلا التحدث بهذه اللغة؛ فبذلك تضيع عليهم هذه الفرص، لذلك فتوجب على كل من يرغب بوظيفة جيدة وذات مردود مادي مناسب فعليه تعلم اللغة الانجليزية وإجادتها قراءة وكتابة». وأوضح عبد الله أن المزايا التي يحصل عليها متقن الانجليزية كثيرة؛ منها الاحترام والتقدير الذي يحظى به من قبل المجتمع، والأولوية عند التقديم للوظائف، فضلا عن الامتيازات الاخرى التي يحصلون عليها عند قبولهم في الوظائف.

أما زيد السلطاني، 23 عاما، وهو طالب في كلية العلوم السياسية جامعة بغداد، فتحدث عن سبب الاقبال المتزايد للشباب العراقي لتعلم اللغة الانجليزية، قائلا «بعد ان تبين أن اللغة شرط اساسي للحصول على وظيفة، سارعت انا وبعض زملائي لإتقانها قبل ان نتخرج من الكلية، وبالتالي ستصبح لنا شهادة عليا ولغة ممتازة، وهذا كاف لضمان وظيفة في احدى وزارات الدولة او في اي شركة أو جهة أجنبية تعمل في البلاد». وأضاف السلطاني الذي يرغب في العمل بوزارة الخارجية «ان احد اساتذة الجامعة قال لنا ان الشخص الذي يمتلك لغتين يعتبر نفسه شخصين، فكل لغة تعني انسانا جديدا، وهذا الكلام أثر بي كثيرا وأخذت على نفسي أن اتعلم اللغة الانجليزية بإتقان عند تخرجي من الكلية العام المقبل، وبذلك سيسهل الأمر أمامي وسأقطع شوطا كبيرا في سبيل الحصول على وظيفة بعد تخرجي مباشرة من الجامعة».

وأصدرت وزارة التربية العراقية مؤخرا قرارا ينص على تدريس مادة اللغة الانجليزية ابتداء من الصف الثالث في المرحلة الابتدائية بدلا من الصف الخامس لنفس المرحلة، بعد ان وجدت خللا في طريقة التدريس وعدم كفاءة النظام السابق وما نتج عنهما من نتائج سلبية ألقت بظلالها على الطلبة الذين تخرجوا من الكليات والمعاهد وهم بمستوى متدني في هذه المادة.

وأكد فخري الأعظمي، المسؤول عن معهد دار المعرفة الاهلي والمجاز من قبل وزارة التربية لتعلم اللغات، أن عددا كبيرا من الشباب تقدموا بطلبات دراسة اللغة الانجليزية في معهده، إلا انه لا يستطيع الموافقة على هذه الطلبات بسبب إغلاقه للمعهد مؤقتا لوقوعه بالقرب من احدى مقرات الجيش العراقي الذي يتعرض لهجومات مسلحة وأخرى بالصواريخ، مما تعذر عليه فتح ابواب المعهد أمام الراغبين بتعلم اللغة الانجليزية. وقال الأعظمي «إن حال معهدي مشابه تماما لحال معاهد أخرى في عموم بغداد؛ فهي مغلقة تماما بسبب الظروف الأمنية التي تمر بها العاصمة وهجرة الاساتذة الذين يدرسون فيها الى خارج البلاد خوفا على حياتهم».

الموظفان علي ومها المتزوجان حديثا، أبديا رغبة جامحة لتعلم الانجليزية وإتقانها بشكل ممتاز، وقالا «ندفع المبلغ المطلوب من أجل تعلم اللغة بأسرع وقت وبطريقة ممتازة، لأن ذلك سيساعدنا في التقديم للدراسات العليا في اختصاصاتنا، اضافة الى التقديم للبعثات الدراسية التي أعلنت عنها وزارة التعليم العالي خارج العراق». وأضافا انهما يستخدمان أقراص «سي دي» وكاسيتات خاصة بتعلم اللغة الانجليزية ويشاهدان أفلاما اجنبية غير مترجمة ويقرآن قصصا وكتيبات انجليزية لتساعدهما على تعلم اللغة بأسرع وقت ممكن ويتلقيان دروسا في معاهد مختلفة، لأنهما وكل مرة يبدآن فيها بمعهد لتعلم اللغة يتم اغلاقه بعد فترة بسبب الظروف الأمنية، مما اضطرهما للبحث عن معاهد في أماكن بعيدة عن منطقة سكناهم.