عراقي يزعم أنه عذب في عهد صدام حسين يعيش معلقا في أميركا

طبيب أيد رواية الزيدي.. لكن شريكه في السكن انقلب ضده وانتهى سجينا بعض الوقت

TT

يقول حسين حيال الزيدي انه قضى ما يقرب من اربع سنوات في السجن في عهد صدام حسين، وذات مرة في زنزانة مساحتها 13 في 13 قدما مع 20 آخرين. وقد عصب سجانوه عينيه بعد أن وجهوا اللكمات اليهما واتلفوا شبكية احدى العينين، ولديه ندوب على كاحليه وقدميه ويديه حيث كانوا قد علقوه بالحبل وضربوه، وتحمل اعضاؤه التناسلية آثار حروق الصدمات الكهربائية.

وقال الزيدي انه حكم عليه بالاعدام عام 1999 للمشاركة في أعمال شغب ضد نظام صدام. ودفع عم له مبلغ سبعة آلاف دولار لتهريبه من السجن الى خارج العراق. وتوجه بالطائرة من سورية الى موسكو ثم الى كوبا فالاكوادور قبل ان يصل الى مطار في نيوارك، مريضا وشارد الذهن، وقدم طلبا للجوء. صدق موظف الهجرة في نيوارك قصته وسمح له بالبقاء، ولكن قاضية هجرة في منطقة أرلنغتون، التي استمعت الى الحجج النهائية في قضيته بعد الحادي عشر من سبتمبر (ايلول) 2001، لم تصدقه. وأمرت بترحيله. ولكن شأن 165 آخرين لا يمكن ترحيل الرجل الموجود في نورث فرجينيا. ومنذ بدء الحرب في العراق عام 2003 اتبعت الولايات المتحدة تعليمات الامم المتحدة القاضية بعدم اعادة العراقيين بالقوة الى بلادهم لن ذلك في غاية الخطورة. وتظهر وثائق المحاكمة ان مدعي وقضاة الهجرة في الولايات المتحدة لم تكن لديهم فكرة واسعة عما يعنيه السني أو الشيعي أو لماذا يريدون قتل بعضهم بعضا.

ومنذئذ بات الزيدي جزءا من أزمة لاجئين أوسع برزت في الشرق الأوسط خلال عقود، حيث هناك واحد من بين كل ثمانية عراقيين هرب من بيته او من بلده. وفي هذه العملية اصبح قصة أخرى من قصص نتائج الحرب.

وعندما رفض استئناف الزيدي بشأن أمر ترحيله في سبتمبر 2005 ألقى موظفو الهجرة القبض عليه في موقع عمله بمحل لغسيل الملابس وأودعوه السجن، حيث بقي حتى يونيو(حزيران) الماضي. واطلق سراحه لأن السجناء الذين لا يمكن ترحيلهم ولكنهم لا يشكلون خطرا لا يمكن ابقاؤهم رهن الاعتقال اكثر من ستة أشهر، ولهذا فان الزيدي البالغ 39 عاما يعيش مثل رجل معلق بين جحيم ماضيه ومخاوف مستقبله. وفي الولايات المتحدة كان موظفو الحكومة في الولايات المتحدة يعتقدون انه عميل لحكومة صدام. وفي العراق يخشى ان العراقيين، المرتابين بغيابه الطويل، يعتقدون انه يعمل لصالح وكالة الاستخبارات المركزية. وقال بلغة انجليزية ذات لكنة «من الطبيعي انهم سيقتلونني». فاذا لم تسأل الميليشيا الشيعية عنه، فان السنة او الموالين لصدام سيسألون عنه.

وقبل اعتقاله، وعندما كان ما يزال يأمل بالبقاء في الولايات المتحدة، وفر الزيدي مبلغا من المال وفكر بشراء بيت وتكوين عائلة. وكان يستمع الى اشرطة تعليم اللغة الانجليزية، أما الآن فلم يعد يهمه شيء. فقد بدأ يدخن وهو يقضي ايامه في مشاهدة التلفزيون، من دون أي انتباه في الواقع، وفجأة اشترى سيارة جديدة، وقال «لا أعرف ما افعل. في السابق كنت مهتما، أما الآن فبم أهتم ؟ لأتمتع بحياتي»، ولكنه في الواقع لا يتمتع بها.

ومنذ اطلاق سراحه يعيش مع صديق في بيت بفيينا، فيه كرسيان بلاستيكيان وجهاز تلفزيون. ولم يعد محل غسيل الملابس يحتاج عمله. وبسبب وضعه القانوني من ناحية الهجرة فان الكلية التي كان يأمل الالتحاق بها لن توافق على ذلك، وهو لا يتناول طعامه بصورة اعتيادية باستثناء القهوة والوجبات السريعة، وينام على قطعة على الأرضية اما وسادته فسترة شتائية مطوية. وفي بعض الأحيان، وفي منتصف الليل، تسيطر عليه فكرة ضرورة رؤية المحيط، وهو يذهب الى أتلانتك سيتي ويراقب الأمواج، وهو لا يستوعب ما الذي يجري له، ويقول «الأمر يشبه انني أدمر حياتي». صدق بعض الناس بالزيدي، وقال طبيب من جامعة جورج واشنطن بأنه «عانى حقا من التعذيب والإساءة اللذين زعم أنهما لحقته». وشخَّص هذا المحلل النفسي أنه يعاني من خلل التوتر الذي أصيب به بعد تجاوز الصدمة، وكتب هذا المحلل: «هو يعاني مما جرى من حط كبير لانسانيته». وكان قد حكى قصته في فبراير (شباط) 2001 امام محكمة أميركية خاصة بالهجرة في أرلينغتون. وقال الزيدي إنه انضم إلى الجيش مثل بقية الرجال العراقيين وخدم كموظف بريد خلال الحرب العراقية ـ الإيرانية.

وجاء اعتقاله الأول، عام 1991 لمشاركته في الانتفاضة التي جرت ضد صدام حسين بعد حرب الخليج الثانية. وحينما حاولت أمه منع رجال الشرطة من دخول بيتهم ضربوها في رأسها، كما قال، ثم قتلوها. وقال إنه اعتقل عام 1996 بسبب وجود كتابات لعالم دين شيعي في بيته. وفي عام 1999 تعرض للاعتقال بعد أن هتف شيعة آخرون ضد صدام حسين بعد اغتيال زعيمهم الديني محمد صادق الصدر.

لم يكن لدى وكلاء النيابة أسئلة كثيرة حول القضية، وقالت القاضية جوان تشرشل لهم: «انتم ما زلتم تأملون بالوصول إلى اتفاق في هذه القضية». وكان جواب أحد وكلاء النيابة: «نعم». ثم تسلمت القاضية في مارس (آذار) رسالة مجهولة تقول إن الزيدي حينما كان في العراق عمل «في أجهزة الأمن» لصلاح صدام حسين وأنه أرسل إلى الولايات المتحدة لقتل مسؤولين كبار. واتضح أن كاتب الرسالة هو رفيق حجرة الزيدي حينما كان في أرلنغتون، ويدعى خالد حمادي. وشهد بأن رحلة الزيدي إلى الولايات المتحدة تمت تغطيتها من قبل صدام حسين، لكنه أقر بأنه كان يقرض الزيدي نقودا. ووقفت تشرشل ضد الزيدي. وقالت إن هروبه المزعوم عبر روسيا وكوبا مثير «للشكوك». ورفضت تقرير الطبيب الذي قال فيه إنه تعرض للتعذيب قائلة إن تلك الأعراض قد «تكون متلازمة مع أعراض أخرى».

لكن ذلك دفع الزيدي ليهتاج بشدة، وقال إن حمادي موجود في الخارج ليستهدفه، وقبل كتابة الرسالة كان حمادي قد هدد بمهاجمة رجل وقال له إنه سيكتب تقريرا ضده. وبعد عدة أشهر هاجم حمادي الرجل ومثلما وعد الزيدي شهد ضده. وكتب وكيل النيابة اليوت كيسي في الكسندريا إلى تشرشل رسالة قال فيها إن شهادة الزيدي «صادقة تماما» وصدر حكم ضد حمادي بالسجن لمدة عشرة أشهر.

وقامت كارلا هار محامية الزيدي باستئناف قضيته في عام 2002. بعد صدور حكم ضده من قاض واحد. لكن لجنة الاستئناف المتكونة من ثلاثة قضاة راجعت طلبه للحصول على اللجوء، وقالت هار: «التعقيد في هذه القضية تطلب مراجعة من لجنة تتكون من ثلاثة قضاة».

وكان الزيدي في مرحلة تقديم استئناف حينما تم اعتقاله في أواخر 2005. وفي مايو (ايار) 2006 وبعد اضراب عن الطعام لمدة شهر واحد طلب إسقاط استئنافه لأنه ظن أن ذلك سيساعده على الخروج من السجن، لكن محاميته أكدت له أن ذلك لن يحدث، وأن إطلاق سراحه سيتم بعد فترة قصيرة بسبب وجود قاعدة تقول إن المعتقلين الذين لا يشكلون أي تهديد لا يمكن احتجازهم لأكثر من ستة أشهر. لن يطلق سراحه بعد فترة قصيرة، لكنه قال إنه يريد أن يخرج من السجن فأسقط استئنافه، وتم إطلاق سراحه في يونيو.

جلس الزيدي في بيت هزيل أمام شاشة التلفزيون. أشار المذيع إلى الناصرية، المدينة التي ولد فيها. وعليه حاليا أن يذهب كل شهر إلى وزارة الامن الداخلي للتوقيع أمام المسؤول المشرف عليه. وهو رسميا بانتظار صدور قرار من الحكومة الأميركية لإعادته إلى العراق. وقال عن حمادي: «هو اعتذر لي، وأنا حقا تعبان جدا» والكوابيس لا تكف عن ملاحقته حينما يحاول النوم.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»