الموالاة والمعارضة تتجاذبان شعار «أحب الحياة» .. ومنظمو الحملة يعتبرون أنه أطلق الحوار اللبناني

TT

لم تستقطب لافتات اعلانية تجاذبا سياسيا واجتماعيا حادا كما فعلت اللافتات التي تحمل شعار «أحب الحياة» والتي أطلقتها مجموعة من المهتمين بالشأن العام في لبنان من فعاليات في المجتمع المدني وإعلاميين وبدعم من هيئات اقتصادية لبنانية. وكأن هذا الشعار يجمّل صورة فريق الاكثرية ويحمل ادانة لفريق المعارضة، لا سيما بعد تداعيات اعتصام هذا الفريق المستمر في وسط بيروت منذ 100 يوم والذي يشل الحركة الاقتصادية لهذا الوسط. واللافت أنه اعتبر عنصرا من عناصر المعركة السياسية الدائرة بين طرفي الصراع الحالي في لبنان.

وكانت البداية الحقيقية للحملة قد انطلقت في حرب يوليو (تموز) الماضي، حين بدأت تظهر من خلال مقالات صحافية ونشاطات تسعى الى ارساء ثقافة بعيدة عن الحرب والموت والقصف والتهجير. إلا أنها نزلت الى «الشارع» عبر لافتات شاركت في تشييع الوزير الراحل بيار الجميل، الذي اغتيل في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، فشكل هذا الحدث الأليم مناسبة لإظهار تحدي فئات واسعة من اللبنانيين لمسلسل الاغتيالات ورفضهم الحروب والأحداث الأمنية والسياسية التي يعيشون تحت رحمتها منذ جريمة اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري... وبالتالي صنفت وكأنها حملة لفريق «14 آذار» والأكثرية بمواجهة المعارضة. سامي نادر، أحد منظمي حملة «أحب الحياة»، نفى أن تكون الحملة لصالح فئة سياسية بعينها، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «نحن مجموعة مستقلة، عملنا على تجميع قوى المجتمع المدني بدعم من مؤسسات اقتصادية لبنانية تهدف الى اعادة الحياة الى لبنان الدولة والوطن. وقد قررنا في غمرة الاصطفاف الطائفي والمذهبي ان نطلق مشروعا للحياة في لبنان. والشعار الذي استقطب كل هذه الحركة بين موالاة ومعارضة هو واحد من مشاريع مجموعتنا التي تتألف من فرق متنوعة». وأضاف: «منظمو الحملة لعبوا دورا في حركة 14 آذار لدى انطلاقتها في مرحلتها الأولى بعيدا عن السياسيين التقليدين والتجاذبات التي تحصل الآن. ولدى اندلاع حرب يوليو (تموز) الماضي خفنا من الغرق في اتون الدمار. وقلنا يجب أن نطلق هذا الشعار في اطار حملة باتجاه تعزيز ثقافة السلام والحياة. وهدفنا منها كان إطلاق صرخة ضد الحرب وضد ثقافة الموت. الا اننا لسنا مع فريق الاكثرية، مع الاعتراف بالدعم الذي قدمه هذا الفريق الينا. وكنا ننتظر ان نتلقى دعما مشابها من فريق المعارضة، لأننا نسعى الى توسيع مساحات الحوار بين اللبنانيين وترسيخ حقوق المواطن في حياته العادية، فهو وحده يدفع الثمن من حقوقه نتيجة الصراعات والأزمات التي تشهدها الساحة السياسية اللبنانية. وشعارنا هو دعوة للمحافظة على حقوق المواطنية المدنية البسيطة كالتنقل والعمل والعيش بعيدا عن السياسة».

ويبدو أن بساطة العبارة المكتوبة بالأبيض على خلفية حمراء، مستبدلة «حب» بقلب نابض، أثارت شهية المعارضة التي لم تتأخر عن «استعارتها» لتضيف اليها عبارات تظهر مآخذها على الحكومة على وزن «أحب الحياة بكرامة» أو «بشرف» أو «بلا ديون»، وكانت الإضافات بخط اليد مع توقيع «المعارضة اللبنانية». وفي حين اعتبر البعض أن هذه الخطوة هي استيلاء غير شرعي على الشعار، وصنفها تعديا على الملكية الفكرية لمطلقيه، قال نادر: «هذه الاستعارة هي بداية حوار تم من خلال لافتات الاعلان، لأن المؤسسات الدستورية التي يجب ان ترعى الحوار مغلقة. ولأن الشعار قوي الى درجة ان الجميع يريدون ان يتبنوه ولا يريدون ان يصنفوا خارجين عنه. ففي النهاية لا أحد يجرؤ على رفض حب الحياة، لأنه اذا فعل يخسر بالتأكيد أوراقه ليس فقط في الصراع الحالي وإنما في المعادلة السياسية». وبالتالي لا يبدي نادر انزعاجه من اضافة المعارضة الى الشعار عباراتها، ومنها «أحب الحياة بالألوان» أو «أحب الحياة بشرف وبكرامة» شرط ألا يقود الشرف والكرامة الى حرب جديدة بين اللبنانيين.

لكن هذه «الاستعارة» ورغم السجال الذي أثارته، استوجبت ردا من منظمي الحملة لتوضيح أبعاد الشعار وشرح وجهة نظرهم، فاستتبعت «أحب الحياة» بعبارات جديدة تبرز معنى الحياة التي يجب ان يحبها اللبناني، ومنها «رايح عالشغل. أحب الحياة» و«راجع الى لبنان. أحب الحياة» و«رايح اسهر أحب الحياة»، وما الى ذلك من مواضيع تتعلق بالعمل او المدرسة او تربية الاولاد أو تمضية السهرة برفقة الأصدقاء في اطار سلوكيات تنبض بالحركة الطبيعية للمواطنين أينما وجدوا. بعد ذلك سادت الفوضى الشعار، لتدخل على الخط مستويات لم تكن تخطر في البال وتراوح بين الاعتراض والسخرية المبتذلة والرفض لاستخدام الشعار في الحرب السياسية الدائرة. وفتح «حب الحياة» على الطريقة اللبنانية الباب واسعا أمام أصناف منه لا تخطر بالبال. ونشطت حركة الرسائل على الانترنت لإبراز هذا «الحب» من خلال دفع اقساط المدرسة وفواتير الكهرباء والهاتف والمياه. ولا بأس ببعض الانتقاد البناء كأن يقول الشعار «سنة 1991 انتهت الحرب وسنة 2007 لا تزال تنقطع الكهرباء. أحب الحياة». أو «أحب الحياة من دون ديون». أو «رايح اسهر على ضوء الشمعة. أحب الحياة». أو «راجع الى لبنان لأصطحب عائلتي وأهاجر».

ولا يعترض المنظمون على هذه الحركة التي تعبر عن الحيوية وحرية التعبير في المجتمع اللبناني. يقول نادر: المهم ان يقول الجميع «لا» للحرب. وقوة الشعار كيفما تنوعت استخداماته تدل على ذلك. فقد تحول الى ما يشبه الإحصاءات لرصد ردة فعل اللبنانيين حيال الفتنة. وكانت الاكثرية رافضة. وبالتالي شكل الشعار في مكان ما ردعا معنويا للجميع، وكأن معناه يحذرهم من الانجرار الى الحرب الجاهلية.