محيطات العالم مورد جديد للطاقة والمضادات الحيوية

رحلة علمية لمدة عامين في قارب شراعي بحثا عن الحياة الميكروبية البحرية

TT

تطلب الأمر مرشحات في غاية الدقة، إلا ان العلماء الذين قضوا عامين يطوفون بمحيطات العالم بحثا عن البكتريا والفيروسات استكملوا اكبر واشمل دراسة عن الحياة الميكروبية البحرية، كشفت عن تنوع مثير ومدهش وغريب.

وكشف التقرير الذي صدر اول من امس عن عالم من الكائنات الحية، تشمل آلافا من الأشكال الجديدة غير المعروفة من قبل والتي يمكن ان تساعد في الإسراع بتطوير مضادات حيوية جديدة ومصادر جديدة للطاقة وتوضيح دور المحيطات في تغييرات الطقس.

وقد اعد التقرير ـ الذي ضاعف عدد الجينات المعروفة في المملكة البيولوجية ـ من رحلة مشابهة لرحلة تشارلز داروين على متن السفينة «بيغل» في القرن التاسع عشر. وقاد الرحلة فريق من روكفيل طاف حول العالم في قارب شراعي معد إعدادا خاصا. ولم يركز المشروع على الميكروبات نفسها ـ معظمها يصعب الاحتفاظ بها على قيد الحياة ـ ولكن على الحمض النووي، الذي يسهل الحصول عليه من الخلايا ويمكن الكشف عن شفرته بعد العودة من الرحلة.

وقال رئيس فريق الدراسة، كريغ فنتر، ان اكثر الأشياء اثارة هي ان معدل استكشافات الجينات والبروتينات الجديدة ـ وهي كتل تشكيل الحياة ـ اكبر في نهاية الرحلة من بدايتها، مما يشير الى الانسانية لم تقترب بعد من اغلاق سجل التنوع الحيوي العالمي.

وقد امتدح ميتشل سوجين، من المختبرات الحيوية البحرية في وودز هول بولاية ماساتشوسيتس، الدراسة باعتبارها «انجازا تقنيا مميزا». وأوضح ان الميكروبات تمثل حوالي 90 في المائة من الكائنات الحية في المحيطات، وتتحكم في كل الدورات البيولوجية والكيماوية الجغرافية التي تحافظ على التوازن البيئي الأرضي. ولذا فمن المهم معرفة تلك الكائنات الحية.

وتعتمد الاكتشافات الجديدة التي نشرت في عدد شهر مارس (آذار) من مجلة «بلوبيولوجي» على النتائج التي حصل عليها فريق فنترز خلال رحلة تجريبية في عام 2003 في بحر سارغاسو، الذي يعتبر منطقة بحرية خالية من المياه. وقد تم اكتشاف اكثر من مليون ميكروب جديد ـ وهو دليل على ان البحار تحتفظ بميكروبات اكثر تعددا وأكثر غرابة مما كان العلماء يعتقدون.

وقد بدأت الرحلة الجديدة على السفينة «سورسرر 2» في نوفا سوكتيا بكندا ومرت بقناة بنما، ثم جزر غالبيغوس وبولنسيا والقرن الأفريقي وجزر الكاريبي والساحل الشرقي للولايات المتحدة، وكانوا يتعاونون مع علماء البيولوجيا المحليين.

وكل 200 ميل كان الفريق يضخ 200 لتر من مياه البحر عبر طبقات من المرشحات تفصل الفيروسات والأنواع المتعددة من الخلايا طبقا لحجمها. والتقرير الذي صدر اول من امس يغطي ربع الرحلة من نوفا سكوتيا الى جزر غالاباغوس والفيروسات والخلايا الاصغر فقط.

الا ان تحليل الحمض النووية على مجموعة محدودة من العينات كشف عن شفرة جينية لأكثر من 6 ملايين بروتين جديد، وهو الأمر الذي يضاعف عدد البروتينات الموجودة في قواعد المعلومات الجينية.

ومن بين تلك الاكتشافات اكثر من 2000 Proteorhodopsins وهو عبارة عن بروتين بحري يمكنه تحويل شعاع محدد من الشمس الى طاقة بيولوجية عبر وسائل مستقلة تماما عن التخليق الضوئي. وهو ما يقدم للعلماء مجموعة من الوسائل الجديدة يمكن تقليدها للحصول على الطاقة من الشمس.

وهناك بعض الجينات الجديدة التي يبدو انها مصممة لمساعدة الكائنات على الحصول على الطاقة من ثاني اوكسيد الكربون في الهواء، وهو بديل مثير للنفط والفحم الذي تعتمد عليه الانسانية. ويأمل العلماء ان تكشف تلك الخريطة البيولوجية الجديدة للعلماء كيفية القضاء على غازات الاحتباس الحراري من المناخ.

ويتوقع فنتر امكانية العثور على جينات اخرى لإنتاج مضادات حيوية جديدة، بما ان البكتريا تنتج تلك المضادات، التي تستخدمها في الدفاع عن نفسها ضد الميكروبات الاخرى.

وقد تم نشر المعلومات الجديدة على الانترنت مجانا – وهو منطلق يقدره الكثير من العلماء والحكومات ولكنه يثير بعض الضيق في بعض الدول التي تفكر في تحقيق الربح من التراث الجيني في اراضيها. وبالرغم من ان فريق «سورسرر 2» حصل على تصاريح لجمع كل العينات، فهناك شيء من سوء الفهم كما اعترف فنتر. وهو سوء الفهم الذي ادى الى مواجهة استمرت اسبوعا في بولنسيا الفرنسية حيث تعرض الفريق لتهديدات من الأسطول الفرنسي.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الأوسط»