«الشرق الأوسط» في إيران (9): الإيرانيون.. والعرب

الإيرانيون العرب الأكثر إطلاعا علي الثقافة العربية.. فليس من النادر أن تسمع «قارئة الفنجان» في منزل إيراني عربي

TT

إذا كان بعض الإيرانيين يشتكون من أن دعم حزب الله وحماس بات مكلفا سياسيا واقتصاديا لإيران، فإن البعض الآخر يقول إن لإيران مصالح حيوية في المنطقة، وإنه لن يمكن تحقيق هذه المصالح بعصا سحرية، ولابد من سياسات واضحة المعالم تحقق لإيران مصالحها في المنطقة، حتى لو كان ثمن هذا عشرات الملايين من الدولارات.

لكن الوضع الإقتصادي والسياسي في إيران الآن ربما يكون مبعث قلق وإعادة تفكير. ويقول شاب إيراني طلب عدم كشف هويته: "القضية لها جانبان، مساندة حزب الله ليست فقط مسألة دفع أموال، إنما مساندة اشقائك. لكن ثانيا بسبب الوضع الاقتصادي السىء، فإن الإيرانيين بدأوا يفكرون مرتين، ويتساءلون: ما هي المنافع التي ستعود على إيران من هذا الدعم؟ كذلك في إيران غموض وشك بدأ يتسلل إلى النفوس حول ما إذا كانت أفعال السيد حسن نصر الله في مصلحة لبنان كأمة؟ إذا حدث أي شىء، مثل اندلاع حرب أهلية في لبنان، فإن هذا سيكون أمرا فظيعا للعالم العربي، وسيقف العرب ضد إيران لأنهم سيقولون إن السبب هو علاقات طهران بحزب الله. كمسلم إيراني أقول إنه لا يجب الانحياز لطرف شيعي على حساب الآخر السني في أي صراع بالمنطقة. الإيرانيون قد يعرضون مصالح أميركا في المنطقة للخطر، لكنهم سيعرضون للخطر كذلك الوحدة الإسلامية. ليس من الجيد الرمي بنفسك في البئر لترى رذاذ الماء يطال الأميركيين. يجب أن نجد في إيران اجابة على هذا السؤال الحيوي: كيف يمكن حماية مصالح إيران من الاستهداف الأميركي والحفاظ على علاقتنا بدول المنطقة. فحتى في وضعنا الحالي يمكن بطريقة ما أن نتعامل مع أميركا بطريقة تساعد العرب أكثر. هذا ممكن، ويمكن وضعه ضمن أجندة شروطنا إذا جلسنا مع أميركا يوما ما، فنحن قوة إقليمية ونريد حصتنا في الإقتصاد والسياسة العالمية. حصتنا هذه ليست في أميركا اللاتينية، إنها يجب أن تكون في الشرق الأوسط. حصتنا هي علاقات اقتصادية وسياسية جيدة مع البلاد العربية والإسلامية. حصة أميركا وأوروبا قد تقل نسبيا، لكن هذا هو الحل إذا كان سيكون هناك سلام في المنطقة. إنها مشكلة يجب على السياسيين حلها. هذه هي وظيفة السياسيين".

ويعترف السياسيون في إيران بأن تطورات الأشهر الماضية شددت الضغوط الداخلية على الدعم المالي لبعض الأطراف والجماعات في العالم العربي، وفي هذا الصدد قال الرئيس السابق للبرلمان الإيراني مهدى كروبي لـ"الشرق الأوسط" إن هناك اختلافات بين الإيرانيين حول الدعم المالي لحزب الله وحماس، غير أنه أشار إلى أن هذا الدعم جزء من الالتزامات الإقليمية لإيران. وتابع "كل دولة في العالم عليها مجموعة من الالتزامات المالية والنفقات، وفقا للمصلحة الوطنية، لكنه ايضا من الطبيعي أن تكون للناس وجهات نظر مختلفة حيال الموضوع. بعض الإيرانيين مع هذه المخصصات، وآخرون ضدها. بشكل عام، غالبية الإيرانيين فيما يتعلق بالمساعدات لحزب الله وفلسطين يؤيدون مساعدة الحكومة لهما، لكن البعض لا يوافق. نحن ساعدنا افغانستان والعراق ايضا، والبعض يتفق مع هذا، والبعض الآخر لا يتفق".

 وربما يكون الشباب الإيرانيون هم الأكثر تضررا، بحسب ما يرى بعضهم، من الدعم المالي الإيراني لحزب الله وحماس، فالكثير من هؤلاء الشباب مهتم أكثر بأوضاعه الداخلية. كما أن آخرين منهم ممن كانوا أطفالا خلال الحرب العراقية-الإيرانية لديه ذكريات سيئة عن العرب. "لماذا نحن حريصون على قضايا العرب. أنا ما زلت أتذكر عندما كنت صغيرا، وكانت أمي ترسلني أنا وشقيقتي تحت قبو المنزل كي لا نسمع صوت صواريخ صدام حسين فوق رؤوسنا خلال الحرب.. لا يمكنني أن أنسى صوت الصواريخ. وحتى اليوم عندما أسمع صوت أزيز طائرة في فيلم بالتلفزيون أشعر أن جسدي يرتعش، أشعر بالمرض والخوف. من الذي كان يمول العراقيين لشراء السلاح؟ أليس هم العرب والغرب؟ لماذا ينبغي علي الآن، وأنا ما زلت أبحث عن عمل، أن أتفهم دفع عشرات الملايين من الدولارات إلى حماس وحزب الله؟ هذا لا يسعدني، فأنا لست مهتما بهما. أنا مهتم بإيران"، قال ميسام مهتدي، وهو شاب إيراني ما يزال يبحث عن عمل ويشتكي كالكثيرين في عمره من التضخم والبطالة وضعف مستوى الأجور. إيرانيون آخرون لا يشعرون أن هذا الدعم يعني الكثير لإيران، من بينهم سميرة الطالبة الجامعية التي قالت "ما الذي سيفعله العرب للإيرانيين إذا لا قدر الله هاجمتنا أميركا.. على الأرجح سيدين رجال الدين السنة الهجوم. هذا كل شىء".

لكن من الصعب لأي أحد الحديث باسم كل الإيرانيين، فخلال احتفالات الثورة الإيرانية في ميدان "ازادي" يوم 11 فبراير (شباط) الماضي كان آلاف الإيرانيين ممن رفعوا لافتات تؤيد حق إيران من تطوير برنامج نووي سلمي، يرون أن الوحدة الإسلامية ستحمي إيران من أي هجوم ممكن، وهؤلاء لا يتحدثون عن حزبي الله وحماس بوصفهما تنظيمات سياسية عربية، بل بوصفهما تنظيمات إسلامية، سواء شيعية أو سنية، ويرون أن على إيران ألا تقطع أواصر علاقتها مع التنظيمات الإسلامية في المنطقة.

ويعتقد الكثير من الإيرانيين أن المسألة النووية التي تتكئ عليها أميركا من أجل الضغط على إيران، مجرد عذر، موضحين أن هدف أميركا الحقيقي هو اخضاع طهران وتحييدها كقوى إقليمية في المنطقة، مشيرين إلى أن إشراف وكالة الطاقة على المنشآت النووية الإيرانية ضمانة كافية لواشنطن. ولهذا يشدد هؤلاء على أن المجال الإقليمي لإيران هو الحصن الحقيقي لها وليس أي وعود غربية. ويقول خسرو محبي، وهو مترجم وكاتب صحافي، في هذا الصدد إنه لا غنى لإيران عن محيطها الإقليمي، لأن أمن المنطقة مترابط، وطالما كانت علاقات طهران مع دول المنطقة وثيقة، لن تغامر أي قوى خارجية بمغامرة غير محسوبة العواقب. وتابع "الغرب يدعي أن مشكلته الوحيدة مع إيران هي البرنامج النووي وتخصيب اليورانيوم. يريدون أن تثبت إيران حسن نيتها بوقف التخصيب، حسنا سنحاول بطريقة ما تجميد التخصيب. ثم ما الذى سنحصل عليه؟ ثقة الغرب. نريد ضمانات أمنية وسياسية واقتصادية، لابد من المفاوضات. فلنبدأ المفاوضات. إذا أوقفنا التخصيب بدون مفاوضات أو ضمانات، هل سيوقف الغرب هجومه على إيران، ألن يحاولوا تهديد أمننا أو استغلال مسألة حقوق الانسان؟ لا يمكن تجميد التخصيب الآن بدون شروط أو قبل المفاوضات. الشخص الوحيد الذي يمكن أن يقرر هذا هو المرشد الأعلى وليس أحمدي نجاد، وسيكون هذا وفقا لجدول زمني، مثلا سيقول: سنوقف التخصيب لمدة 6 أشهر، لكن قبل هذا يجب على الغرب أن يثبت حسن نيته أيضا"، ولهذا يشعر الإيرانيون أن علاقاتهم مع دول الجوار لابد أن تتحسن".

ويشتكى الإيرانيون عموما من قلة ما يعرفونه عن العرب. فما يعرفه العرب والإيرانيون عن بعضهم البعض قليل جدا، والحقيقي أن العربي أو الإيراني يعرف عن الثقافة الغربية أكثر مما يعرف عن ثقافة الطرف الآخر. ففي إيران، كما قال حميد، وهو طالب إيراني يدرس العربية في الجامعة، يعرف الإيرانيون بأخبار العرب عبر التلفزيون الرسمي وهو لا ينقل غالبا إلا الجوانب السياسية، وقد يعرفون بعض الأغاني عبر محطات روتانا وغيرها، لكن هذا لا يعكس الثقافة العربية.

أما بالنسبة للعرب، فإن ما يعرفونه عن إيران والثقافة الفارسية الحديثة فبدوره قليل جدا، وأغلبه يتم عبر القنوات الرسمية، ويركز على الجوانب السياسية. وربما يكون الإيرانيون العرب هم الأكثر بين الإيرانيين اطلاعا علي الثقافة العربية، فليس من النادر ان تسمع "قارئة الفنجان" في منزل إيراني عربي، أو تسمع إيرانيا عربيا يتحدث بعربية قريبة من اللهجة الخليجية.