الأردن: يوم في حياة «قهوجي» على الطريق السريع

عزيز سوير يعتبر السائقين عائلته الخاصة

TT

بحركة اصبحت روتينا بفعل الممارسة اليومية، يسكب عزيز سوير ملعقة مليئة بمسحوق البن داخل براد فيه ماء مغلي، ثم يحركه بملعقة قبل ان يعيده الى الموقد مرة اخرى، وهي حركة فعلها عزيز ما لا يقل عن 600000 مرة تقريبا. خلال عمل عزيز في إعداد القهوة لزبائنه انقشعت اخيرا سحب مطر شتوية حولت المنحدرات الجافة على وادي الاردن الى تلال خضراء. بدأت الشمس في السطوع مجددا حوالي الساعة 11 قبل ظهر يوم الجمعة. إلا ان عزيز كان في ذلك الوقت في بداية يوم طويل يمتد من الفجر حتى منتصف الليل يقدم خلاله الشاي والقهوة من محله الأقرب في شكله الى الكوخ على جانب الطريق حيث يتوقف سائقو الشاحنات التي تنقل إنتاج المزارع، وحافلات الركاب وسيارات الشرطة وسيارات الاجرة.

يقول عزيز انه لم ينتقل من هذا المكان على مدى ست سنوات. وكان قد أقام كشكه المتواضع الى جانب هذا الطريق السريع الذي يربط العاصمة الاردنية عمان بمنطقة البحر الميت لتقديم خدماته للسائقين والمسافرين.

قال عزيز بلهجة لا تخلو من الطموح والسخرية: «هذا مركز عزيز للتسوق». لكنه يتحدث بجدية تامة عن قهوته ويؤكد انها «أشبه بالكابوتشينو»، على حد تعليقه.

يقع محل عزيز على منحنى الطريق على بعد حوالي عشرة أميال غرب العاصمة الاردنية عمان. توجد على جانب الطريق منحدرات خضراء تنتشر فوقها أشجار الزيتون والصنوبر، وعلى الجانب الآخر مجموعة من الأودية على اراض قديمة. إلى اعلى قليلا يوجد جليد متفرق من بقايا عاصفة جليدية على المنطقة خلال الليلة السابقة.

الوعود بمستقبل افضل منتشرة على جانبي الطريق السريع، إذ هناك إعلان لوحة إعلانية كبيرة كتب عليها «نمط الحياة الجديد» للترويج لمنتجع جديد في خليج تالا، وإلى جانب هذه اللوحة الإعلانية إعلان آخر كتب عليه «ألم يحن الوقت لقضاء عطلة عظيمة؟»، وحول هذه اللوحات الإعلانية ترعى قطعان الخراف في الطريق الى السوق مع اصحابها حيث يقدر سعر الرأس بحوالي 160 دولارا.

لدى رؤيته زبونا، صاحب سيارة اجرة يدعى أحمد علي، قال عزيز بصوت عال: «الله يعطيك العافية».، وقال ان علي ابن عمه، وهي عبارة يطلقها عزيز على كل من يتحدر من قرية الاسرة في عجرم.

ويقدر سوير انه يعد 300 فنجان من القهوة يوميا، سوية مع 50 قدحا من الشاي. وتباع القهوة بسعر 30 سنتا بينما الشاي بنصف ذلك. ومع كل واحد منهما يجلب اسلوبا يشير الى الفن. فبنقرة يضع الماء في الابريق، وبأخرى يدير القهوة المطحونة حسب مواصفاته. وهي تغلي مع قليل من الرغوة ثم يدير قليلا في قدح بلاستيكي. ويدعها تغلي ثانية ثم يديرها مرة اخرى. ويعتمد السكر على الزبون، حيث تكون الكمية متوسطة أو أكثر او بدون سكر. وينفق ما يقرب من سبعة أرطال من القهوة يوميا وضعف ذلك من السكر.

وبحلول فترة ما بعد الظهر كانت سيارات قليلة بانتظاره، وهي شاحنات تحمل الرمل لبناء فيللات ومكاتب في عمان، وأخرى من طراز بيكاب محملة بالطماطم من وادي الأردن الخصيب، وسيارات اجرة تنقل السياح الى منتجعات البحر الميت. وقال «الطريق يبقى حيا طيلة اليوم».

وسوير غير متزوج. ويقول ان «العزوبية أجمل بكثير». وهو يذهب الى البيت لمدة ساعة او نحو ذلك كل اسبوعين. ويقضي بقية الوقت في مقهاه على الطريق أو في كوخ من الصفيح وفيه فرشة ووسادة قديمتان.

ويقول انه يفضل العمل ويخشى فقدان مسافر في الطريق. ويصر على انهم يأتون من الضفة الغربية عبر نهر الأردن حيث المسافرون يسألون عن القهوة من صبي عجرم.

وقال «أعتبر السواق عائلتي. فأنا أراهم أكثر من غيرهم».

ويتوقف مزيد من السيارات والشاحنات على الطريق. وطلب منه فيصل عدوان أن يرحب بوالده. وقد توقف شرطي بسيارته ونزل الرجل مقبلا سوير على خديه ومتلقيا فنجان قهوة مجانا. وأطلقت سيارات اخرى أصوات منبهاتها، مما جعل سوير يلوح بيده تحية. ثم جاء محمد عدنان شيلبايه وكانت شاحنته البيكاب مليئة بأكياس العلب المستعملة لارسالها الى محل اعادة التدوير في عمان.

وقال شيلبايه «انه الأفضل، وهذه هي الحقيقة» بينما يحتسي قهوته ويدخن سيجارته.

وضحك سوير وقال «كل ما استطيع ان افعله كتابة هذه الكلمات على الثلج المتساقط وعندما تشرق الشمس يذهب كل شيء».

وغادر شيلبايه وأخذ سوير استراحة. كانت الساعة الثانية بعد الظهر وقد تهادى الى مكان آخر. وقال «ما من أحد رئيسي في العمل. ما من أحد يقف فوق رأسي».

وواصل كلامه قائلا «أريد أن أسألك: هل من الأفضل ان تجلس على قمة هذا التل لوحدك وأنت تتطلع في المشهد ؟»، وأشار الى واد على امتداد جبال الملح، مضيفا «أم انه من الأفضل ان تكون وسط حشد من الناس؟».

ولم يكن ينتظر الجواب.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»