«الشرق الأوسط» في إيران (9): مصطفوي: الإيرانيون بشكل فردي وتطوعي يساعدون حزب الله ماليا

نائب وزير الخارجية الإيراني لـلشرق الاوسط سورية ليست عبئا علينا ونقاط الالتقاء بين الرياض وطهران والقاهرة ودمشق أكثر من نقاط الاختلاف

TT

* تحتل القضايا العربية مكانا بارزا في السياسة الخارجية الإيرانية، فبسبب التاريخ والجغرافيا تعتبر إيران ضلعا، في الكثير من القضايا وعلي رأسها العراق ولبنان والقضية الفلسطينية. وبالرغم من أن التداخلات والتدخلات بين إيران والقضايا العربية، أدى إلى توترات وخلافات في علاقات العرب وإيران، إلا أن هناك مساعي متزايدة، لأن يكون التداخل الإيراني- العربي لصالح الطرفين، وليس علي حساب أحدهما. «الشرق الأوسط» التقت نائب وزير الخارجية الإيراني مهدي مصطفوي في مكتبه بوزارة الخارجية في طهران، حيث جرى حديث عن القضايا العربية- الإيرانية، ومن بينها حزب الله. ونفى مصطفوي تمويل حزب الله من قبل طهران، لتقوية الشيعة على السنة في لبنان، وقال إن الإيرانيين "يقومون بشكل تطوعي وفردي بدعم حزب الله ماليا من مال الزكاة". كما ذكر أن علاقات دمشق وطهران قوية، وأن إيران لن تضحي بهذه العلاقات من أجل فتح قناة حوار مع واشنطن. وشدد مصطفوي على أن التهديدات الدولية الجديدة بفرض عقوبات على طهران، تهديدات غير جدية، قائلا أن هؤلاء الذين يفرضون العقوبات هم أنفسهم يخسرون الكثير من المكاسب. وهنا نص الحوار:

> هناك اتهامات لإيران بأنها تتدخل في شؤون لبنان عبر دعم حزب الله ماليا. الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله قال بعد الحرب مع اسرائيل إن إيران ساعدت الحزب ماليا وعسكريا. هل ما زلتم تدعمون حزب الله بأي شكل الآن؟

ـ كلام نصر الله هذا لم أسمعه، لكننا قدمنا الدعم للبنان، خاصة بعد الهجوم الصهيوني عليه. قلنا للمسؤولين اللبنانيين إننا مستعدون للمساعدة وبدأنا مشروعات لإعادة الإعمار، لكن في كل الحالات نحن دائما ما دعمنا حزب الله معنويا وسياسيا، فحزب الله حزب سياسي وشريك في الحكومة اللبنانية وهو حزب يحترمه كل اللبنانيين والمسلمين حول العالم. انه جماعة مقاومة وطنية شجاعة ضد هجمات الكيان الصهيوني ونحترمه في إيران. الإيرانيون دائما بشكل فردي وتطوعي ساندوا حزب الله، يجمعون الأموال في صناديق التبرعات ويساعدون ماليا اللبنانيين، لكن هذا لا ينطبق على إيران فقط، بل كل المسلمين حول العالم يخصصون جزءا من أموالهم، مثل خمس الزكاة، لمساعدة اللبنانيين، هذا موجود عبر العالم الإسلامي، وليس إيران فقط.

> لكن بعض الأطراف داخل وخارج لبنان تقول إن الدعم المالي الإيراني يصل مباشرة إلى حزب الله، وليس إلى الحكومة اللبنانية، وهو ما يزيد من المشاكل الداخلية في لبنان؟

ـ بعد انتهاء الهجوم الصهيوني على لبنان، كنت ضمن أول وفد إيراني يتوجه إلى لبنان بعد العدوان. وكان أول من التقيناه السيد فؤاد السنيورة رئيس الوزراء اللبناني، واتفقنا على مشروعات لإعادة الاعمار في مجال محطات الطاقة وإعادة بناء الطرق والمدارس. تحدثنا حول هذه المشروعات. أعددنا هذه المشروعات وتحدثنا فيها رسميا مع الحكومة اللبنانية. وفي هذا الوقت تم تحديد مواعيد العمل في هذه المشروعات، ساعدنا الحكومة اللبنانية كثيرا، وما زلنا نساعدها. لكن كذلك هناك أفرادا إيرانيين يعملون بشكل تطوعي فردي لمساعدة اللبنانيين.

> الأوضاع في لبنان ما زالت متوترة، كيف تتدخلون للمساعدة في حل الأزمة بين الأطراف المختلفة؟

ـ نعمل كل جهدنا من أجل أن يعود الاستقرار إلى لبنان الذي يقاوم ضد الكيان الصهيوني، فلبنان للأسف يتعرض للاعتداءات الصهيونية. ولهذا كلما كان هناك استقرار في لبنان، سيؤدى ذلك إلى رضى إيران. أعتقد أن اللبنانيين أذكياء ومثقفون ويستطيعون تسوية مشاكلهم بأنفسهم. اغتيال رفيق الحريري رئيس الوزراء اللبناني السابق كان تطورا سيئا للبنان، لكن هذا الموضوع لا يجب أن يقود إلى زيادة المشاكل في لبنان. في رأيي يستطيع اللبنانيون أن يتفاوضوا معا ويحلوا مشاكلهم. وإذا كانت أي دولة تستطيع أن تساعد في الإسراع بوتيرة الحل، فإن هذا سيكون مفيدا، لكن بالطبع أي تدخل للدول الأخرى للمساعدة في الحل يجب أن يصب في مصلحة الشعب اللبناني، وقد فعلت إيران كل ما تستطيع وسنواصل نفس النهج.

> أحد المشاكل بين اللبنانيين هي المحكمة الدولية. ما هو الموقف الإيراني من المحكمة الدولية وصلاحياتها؟

ـ موقفنا هو أن تجلس الأطراف اللبنانية معا وتناقش المشاكل، وتقيم مصالح لبنان على المدى الطويل، وتقرر ما تراه متوافقا مع مصالح لبنان وأي شىء تتفق عليه الأطراف اللبنانية سنحترمه في طهران.

> الفترة الأخيرة شهدت تحسنا نسبيا في علاقات إيران الخارجية، لكن البعض يقول إن سورية ربما تكون حملا على أكتاف الدبلوماسية الإيرانية، وإن علاقات طهران مع دمشق تضر بعلاقات إيران مع دول أخرى في العالم، كيف ترون العلاقات مع دمشق؟

ـ كان دائما هناك نوع من التوتر الخفيف في العلاقات بين بعض القوى الإقليمية الجارة في المنطقة. لكن ما ينبغي التركيز عليه هو نقاط الالتقاء بين الجيران في المنطقة. فبين السعودية وسورية ومصر وإيران مثلا الكثير من نقاط الالتقاء، أكثر من نقاط الاختلاف. ليس لنا مشاكل مع سورية، فسورية هي أحد البلدان التي تربطنا بها علاقات وثيقة، لدينا تفاهم متبادل، ولا نشعر أن سورية عبء على إيران.

> هناك كلام في بعض الدوائر في واشنطن حول إمكان فتح حوار مع طهران، مقابل أن تخفف طهران من علاقتها بدمشق؟

ـ أن تسعي أميركا للإضرار بعلاقات دول المنطقة ببعضها البعض لتحقيق مصالحها، جزء من أساليب واشنطن القديمة والمعروفة. لكن إذا أرادوا أن يزرعوا بذور الشقاق بين إيران وسورية، فإن هذا دليل على الأفكار الخاطئة لدى بعض الأميركيين. وهؤلاء الذين يقولون هذا الكلام لا يعرفون المنطقة، ولا يفهمونها. العلاقة بين إيران وسورية لها خلفيات تاريخية وجذور طويلة. ونحن لن نضحي بعلاقتنا مع سورية من أجل أن نقيم علاقات مع أميركا.

>أنتم تدعون أميركا دوما للانسحاب من العراق، لكن العراق في وضع أمني صعب، مواجهات بين الشيعة والسنة، هجمات من تنظيم «القاعدة» وغيره من التنظيمات. كيف ترون الحل في العراق. هل خروج أميركا فقط يحل الأزمة؟

ـ مفتاح الحل في العراق هو انسحاب كل القوات الأجنبية خارج البلاد، ونعني بهذا أنه إذا كانت السلطات العراقية لديها السلطة واليد العليا على الوضع، فإنه ستتوافر الإمكانية لإحلال الأمن في العراق. العراق ليس دولة جديدة، هو دولة لها تاريخ وحضارة، والعراقيون يستطيعون أن يحلوا مشاكلهم بأنفسهم، بشرط أن تتركهم قوات الاحتلال يتخذون القرارات بأنفسهم. كل المعلومات والأدلة تظهر أن أزمة الأمن في العراق، وكل التفجيرات تحدث في المناطق التي تسيطر عليها القوات الأميركية والبريطانية، ومع هذا يضعون مسؤولية الأمن على أكتافنا. كل يوم للأسف عراقيون أبرياء يقتلون تحت علم أميركا، من الأفضل أن تنسحب قوات الاحتلال بأسرع وتيرة، ويخرجون من العراق، كل الشيعة والسنة في العراق يعرفون كيف يعيشون معا، كما فعلوا هذا من قبل.

> أجرى مسؤول الملف النووي الإيراني علي لاريجاني محادثات مع أوروبا حول الملف النووي، هل وصلتكم إلى ضمانات قبل اجتماع مجلس الأمن لمناقشة العقوبات المحتملة؟

ـأعلنا دائما أننا مستعدون للحوار والمباحثات، لأننا نعتقد أنه ليس هناك أي حل آخر. العقوبات الاقتصادية غير مجدية، ولهذا أسباب عديدة، أحدها أن هؤلاء الذين يفرضون العقوبات هم أنفسهم سيخسرون الكثير من المصالح. الغرب يفكر في مصلحته المادية لا يريد خسارة مصالحه، ولا أعتقد أن التهديدات بفرض عقوبات جديدة على إيران ستكون أكثر من تهديدات، لن يتم تنفيذها، لأنها ليست حلا مفيدا للوضع الحالي. إذا تواصل النهج الخطأ حيال إيران، فإن هذا لن يكون في مصلحة الدول التي تفرض العقوبات، أو مصلحة وأمن المنطقة. وهذه المشكلة يمكن حلها بالمفاوضات والحوار. لدينا تجربة بقاء جيدة جدا مع العقوبات. وبالرغم من أننا لا نميل إلى أن نوضع في خندق العقوبات، إلا أننا مستعدون. لدينا قدرات كبيرة داخل إيران للوفاء بإحتياجاتنا، ولنا أصدقاء عبر العالم كله. هذا العالم تنافسي، ولهذا فإن أسلوب العقوبات لم يعد ذا جدوى.

> هل لديكم أي شروط مسبقة لفتح حوار مباشر مع الأميركيين؟

ـ في الوقت الحالي الظروف ليست مناسبة للحوار مع الأميركيين وليست هناك حاجة لوجود علاقات. والحديث عن شروط مسبقة ليس موضع اهتمامنا الآن. قبل سنوات ماضية كانت هناك أحاديث حول هذا الموضوع، وحددت إيران بعض الشروط للحوار والمفاوضات مع الأميركيين، وأعلنا ساعتها هذه الشروط. الآن نفس الشروط للحوار ما زالت لدينا، لكن الأرضية التي طرحنا على أساسها الحوار المشروط ليست موجودة الآن.

> قد يفهم من موقفكم أنكم تريدون تجميد الأوضاع على ما هي عليه لحين انتهاء ولاية جورج بوش الثانية، والبدء مع إدارة جديدة، ربما ديمقراطية، تأملون أن تكون اقل تشددا مع طهران؟

ـ الإدارة الأميركية اليوم واقعة تحت ضغط هائل من المشاكل داخل وخارج أميركا، وليس هناك مجال الآن لتسمية وإحصاء هذه المشاكل. إدارة بوش الآن تعاني نوعا من الدوار، ومع حكومة من هذا النوع ليس هناك مجال للمفاوضات أو للحوار، ربما في مناسبات أخرى، عندما تستطيع الحكومة الأميركية أن تفكر وتتصرف بشكل عقلاني، وتفهم الظروف الدولية، وتكتسب نوعا من الفهم الحقيقي للمنطقة، وتحترم مصالح البلدان الأخرى. إذا كانت الظروف السالفة الذكر متوافرة فإننا مستعدون لإعلان شروطنا للدخول في حوار، لكن في الوقت الحالي، الإدارة الأميركية في حالة دوار غريب والتباس، والظرف ليس مناسبا للحوار.

> طهران اشتكت من أن حزمة الحوافز الأوروبية المقدمة لها كانت فضفاضة، ولهذا لم توقف التخصيب، وفشلت المفاوضات. هل لديكم طلبات محددة لأوروبا والغرب لوقف التخصيب؟

ـ موقفنا كان دائما واضحا، قلنا إن أنشطتنا النووية تقع في إطار حقوقنا في إطار اتفاقية منع الانتشار النووي. أنشطتنا مستمرة الآن، وستتواصل مستقبلا. النقطة الأساسية للخلاف بيننا وبين البلدان الغربية، هو أنهم يريدون أن توقف طهران أنشطتها النووية، وبسبب هذا الشرط غير القانوني، لم نقبل. ليس هناك مبرر للقبول، لأن هناك الكثير من البلاد الأخرى حول العالم تعتبر أن التخصيب حق لإيران طالما هو للاستخدام السلمي. ادعاءات البلدان الغربية هو أن الأنشطة النووية لإيران يمكن أن تؤدي إلى أزمة دولية الطابع، أو تهدد الأمن العالمي، دائما ما أعربنا عن استغرابنا لمثل هذه الادعاءات والأفكار. والسبب هو أننا دائما تصرفنا وفقا لمعايير اتفاقية منع الانتشار النووي، وسمحنا للمفتشين الدوليين بالتفتيش دوريا على منشآتنا، وحتى اليوم، لم يسجل أي من المفتشين أننا انتهكنا مبادئ اتفاقية منع الانتشار النووي أو التزاماتنا حيال وكالة الطاقة الذرية، ودائما ما قالوا في تقاريرهم إن البرنامج النووي الإيراني سلمي الطابع. ولهذا لا يجب أن يكون هناك قلق عالمي من اندلاع أزمة دولية بسبب البرنامج النووي الإيراني. رأينا هو أن دول 5 زائد 1، دول مجلس الأمن الدولي وألمانيا، لا يريدون لدولة مثل إيران مواصلة تخصيب اليورانيوم، وهى تكنولوجيا هامة جدا لتطوير وتقدم بلدنا. ولأن أنشطتنا شفافة، وتتبع للقوانين والقواعد الدولية، من الطبيعي والبديهي أننا لن نتراجع عن موقفنا حيال التخصيب. من الغريب بالنسبة لنا كيف أن مجلس الأمن، المفروض أن عمله هو منع الأزمات العالمية، لم يفعل أي شيء لمواجهة ما أعلنه رئيس حكومة الكيان الصهيوني علانية، من أن إسرائيل تمتلك أسلحة نووية. لماذا صمت مجلس الأمن إزاء هذا الإعلان ولم يصدر عنه أي رد فعل؟ كيف لم يؤد هذا الإعلان إلى أزمة دولية. أي شخص يرى هذه القضايا بشكل عقلاني، سيفهم الفرق في التعامل وعدم العدالة والمعايير المزدوجة.