«الشرق الأوسط» في إيران (10) : صورة الإيرانيات.. المتغيرة

شابة إيرانية: لن أوافق على الزواج من أي شخص إلا إذا أعطاني موافقة كتابية في عقد الزواج بعدم منعي من العمل * ارتفع سن الزواج إلى ما بين 25 و30 عاما.. كما ارتفعت معدلات الطلاق بـ 1.3% * 30% في سوق العمل نساء.. و65% من طلبة الجامعات بنات * حتى اليوم ممنوع على البنات دراسة الهندسة الميكانيكية في بعض

TT

جلست سبيدة موظفة الإستقبال في أحد فنادق طهران خلف مكتبها تحكي كم تحب أن تسافر إلى الخارج لرؤية البلاد التي يحكي عنها السائحون الأجانب الذين يزورون إيران، سبيدة في الخامسة والعشرين من العمر، وعندما كانت أمها في هذا السن، كانت تزوجت ولديها طفلان، أما سبيدة فهي ما زالت غير متزوجة، ولا تريد الآن. وقالت لـ"الشرق الأوسط" إنها لن توافق على الزواج من أي شخص، إلا إذا أعطى لها موافقة كتابية في عقد الزواج بعدم منعها من العمل. سبيدة ليست استثناء، فمتوسط سن زواج الإيرانيات اليوم ارتفع في المتوسط إلى 25 عاما و30 عاما. لم تعد البنات متلهفات على الزواج في سن صغيرة، وغالبيتهن تفضلن الدراسة الجامعية أولا، ثم الحصول على عمل. وهذه هي المشكلة، فالقانون الإيراني يعطي الرجل حق منع زوجته من العمل بعد الزواج، وبالتالي باتت الكثير من الشابات الإيرانيات تفضلن تأخير سن الزواج، أو حتى الزواج من أجانب. سبيدة، وهي شابة طموحة علمت نفسها الانجليزية، قالت إن أسرتها لا تمانع في أن تعمل الآن موظفة استقبال في فندق لأن الراتب جيد، لكن الكثيرين من الشباب الإيراني قد لا يفضل الزواج من موظفة استقبال في فندق لأن هذا يتطلب الاختلاط كل يوم بأناس جدد، كما قد يتطلب السهر حتى الحادية عشرة مساء في بعض أيام الأسبوع.

قالت سبيدة "لا أريد الزواج الآن، لقد تعلمت ولدي وظيفة ولن أكون سعيدة اذا اضطررت للبقاء في المنزل بعد كل هذا. أريد السفر إلى الخارج، أعرف أصدقاء في هولندا. طلبت من والدي أن اسافر إليهم في الصيف، لكنه رفض". الإيرانيات يسعين منذ التسعينيات من القرن الماضي إلى تغيير الكثير من القوانين التي تميز ضدهن، لكن تغيير القوانين وحده لا يكفي، فالتقاليد الثقافية الشرقية راسخة في المجتمع الإيراني. وتدليلا على هذا قالت زهرة نجاد بهرام، وهي ناشطة في مجال الدفاع عن حقوق النساء، إنه برغم أن من ضمن التعديلات الأخيرة التي أدخلت على القوانين في إيران تعديل يعطي المرأة حق طلب الطلاق ضمن شروط عقد زواجها، إلا أن الكثير من النساء لا يستخدمن هذا الحق خجلا. وقالت بهرام لـ"الشرق الأوسط": "الرجل الإيراني له حق تطليق زوجته عندما يريد، ليس هناك أي قيود على هذا الحق. وقد سعت الكثير من الإيرانيات للحصول على حق طلب الطلاق، وغيرت السلطات القوانين، بحيث بات يسمح للنساء بالاشتراط في عقد الزواج منحهن الحق في طلب الطلاق. لكن الغالبية العظمى من النساء تخجل من استخدام هذا الحق، ويقلن إنه مقدمة شؤم على الزواج أن يكون في عقد القران بند حول الطلاق. هذه أفكار اجتماعية سائدة ولا يستطيع قانون أن يغيرها". لكن الأوضاع الإقتصادية تغير الكثير من الثقافة السائدة وإن كان ذلك بالتدريج، فعلى الرغم من أن تعددية الزوجات أمر شرعي وقانوني في إيران، إلا أن الظاهرة ليست منتشرة، وذلك بسبب الظروف الإقتصادية. كذلك هناك عدد متزايد من الإيرانيات يعملن خارج المنزل لأن الرجال يحتاجون إلى مساعدة إقتصادية من زوجاتهن. هذا بخلاف الجيل الجديد وأفكاره. فالنساء لا يردن أن يتعلمن ويعملن خارج المنزل فقط، بل يردن أن يتم احترامهن ومعاملتهن على قدم المساواة في المنزل. وتقول إلهام، 30 عاما، وهي طالبة إيرانية: "عندما أتزوج، أريد من زوجي أن يساعدني في أعمال المنزل. لن أحب أن أعود من العمل لأنظف وأطبخ وهو لا يفعل شيئا". وربما بسبب هذا تزايدت معدلات الطلاق في إيران بنسبة 1.3% خلال العام الماضي وحده، كما تقول زهرة نجاد بهرام. وبالرغم من أن الثورة الإيرانية أدت إلى تسييس النساء، ودفعهن للانخراط في الشأن العام والسياسة، إلا أن الكثير من الإجراءات والقوانين التي أقرت بعد الثورة ومنها منع النساء من دراسة بعض التخصصات ما زالت موجودة. ففي جامعة "ازاد" الخاصة التي تنتشر أفرعها في كل المدن الإيرانية تقريبا، ويبلغ عدد طلابها 1.6 مليون، ممنوع على البنات دراسة الهندسة الميكانيكية في بعض أفرعها، إلا أن الخريجين من قسم الفيزياء التطبيقية في الجامعة 70% منها نساء، وهي نسبة تشير إلى أن الفتيات لا تتوجهن فقط لدراسة الأدب واللغات والفنون، بل كذلك العلوم الطبيعية. وبالرغم من استمرار منع دراسة الفتيات لبعض العلوم، إلا أن الإيرانيات تقدمن بسرعة، واليوم 30% من سوق العمل في إيران نساء، وهي نسبة مرشحة لارتفاع كبير خلال الأعوام القليلة الماضية، فنسبة تتراوح بين 62% الى 65% من طلاب الجامعات هن من النساء، وهن يخرجن إلى سوق العمل بسرعة فور التخرج. وتقول جيلدا وهي طالبة في السنة الأخيرة من كلية اللغات بجامعة طهران إن الفتيات هن الاغلبية في الجامعة. وأضافت لـ"الشرق الأوسط": "في كلية اللغات، أستطيع أن أقول إن 95% من الطلبة بنات، و5% أولاد. إنهم يجلسون معا ولأن الأولاد أقلية بالكاد تلاحظهم". لكن سوق العمل ليس مفتوحا على مصراعيه أمام الإيرانيات، فما زالت هناك تخصصات من الصعب الدخول إليها. فمع أن الشابات الإيرانيات يمكن أن يدرسن في الجامعة مجالات الطاقة والبترول الغاز، إلا أنه من الصعب جدا على إمرأة أن تجد عملا في شركة للبترول أو للغاز. وفي ظل الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها إيران اليوم، وارتفاع معدلات البطالة والتضخم، أرجع بعض المحافظين في البرلمان الإيراني الحالي المشكلة إلى تعليم البنات الجامعي، وحصولهن على وظائف في سوق العمل "كان من الممكن أن تذهب للرجال". وقد تقدم عدد من النواب، بينهم نساء بمسودة قانون إلى البرلمان الإيراني تنص على أن لا تتجاوز حصة النساء في الجامعات 50% وهو ما يعني انخفاض عدد الإيرانيات اللواتي بامكانهن الدراسة في الجامعة بنسبة 15%. وتقول الهام لـ"الشرق الاوسط": "إنهم يعاقبون الشابات علي تفوقهن، بدلا من تشجيعنا، يتم وضع العقبات أمامنا"، غير أنها استطردت "لن يستطيعوا تمرير القانون.. لا يملكون القوة الكافية لذلك، الكثيرون في المجتمع يرفضونه، حتى بين المحافظين هناك من يرفضونه". وترى الكثير من الإيرانيات أن هناك قوانين لابد أن تتغير لأنها تنتهك حقوق النساء، حتى إن لم تكن تطبق ومن هذه القوانين القانون الذي يحدد سن زواج البنات في إيران بـ9 سنوات، وهو بالرغم من أنه لا يطبق، إلا ربما في المناطق الريفية النائية، لكن الإيرانيات تعتقدن أنه قانون عتيق ينبغي أن يغير. وهو قد يتغير، فالإيرانيات اللواتي ملأن الجامعات، واستفدن خصوصا من فرصة ذهاب الرجال إلى جبهات الحرب مع العراق، واقتحمن الجامعات وسوق العمل بقوة، يستطعن ان يقودن التحولات الاجتماعية في إيران. وهذا ما بدأ بالفعل، حسب تأكيد الكثير من الإيرانيات أنفسهن.