مصر ترفض الانتقادات الأميركية بشأن استفتاء تعديلات الدستور

مبارك يؤكد رفضه أية ضغوط أو إملاءات

TT

رفضت الحكومة المصرية أمس انتقادات أميركية حول تقديم موعد لاستفتاء على تعديل الدستور الذي سيجرى غدا الاثنين، ودعا الرئيس المصري حسني مبارك في خطاب أمس الشعب التوجه إلى صناديق الاستفتاء والمشاركة بايجابية، فيما ناشدت أحزاب سياسية وقوى معارضة رئيسية في البلاد الناخبين، الذين يزيد عددهم على 35 مليوناً، مقاطعة الاستفتاء، وشهدت مصر اشتباكات بين متظاهرين رافضين للتعديلات الدستورية، وقوات شرطة، كما تمت اعادة اعتقال ناشطين من جماعة الإخوان المسلمين(المحظورة).

واكد الرئيس مبارك رفضه «أية ضغوط او املاءات او مشروطيات» من شأنها المساس بـ«استقلال ارادة» مصر، مستبقا بذلك وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس التي تعتزم ان تثير معه موضوع التعديلات الدستورية المصرية التي وصفتها بانها «مخيبة للامال». وقال مبارك في خطاب في جامعة اسيوط قبل ثلاث ساعات من وصول رايس الى اسوان (جنوب) انه متمسك بمشروعه للتعديل الدستوري.

وتعهد بـ«الا يفرط ابدا في مصالح مصر او سيادتها او استقلال ارادتها» وبـ«الا يقبل ضغوطا او املاءات او مشروطيات والا ينجرف لما يقامر بمستقبل هذا الوطن».

وفي رد غير مباشر على الانتقادات قال مبارك ان هذه التعديلات «توخت تطوير ديمقراطيتنا وترسيخ سيادة الشعب». واكد ان التعديلات «تمثل تطويرا غير مسبوق لبنيتنا الدستورية يغير وجه الحياة الديمقراطية والحزبية على ارض مصر».واوضح انه حرص عند طرح هذه التعديلات على «تحقيق التوازن الدقيق بين النقلة النوعية في حياتنا السياسية والحفاظ على استقرار الوطن وامنه» وتجنب مخاطر خلط الدين بالسياسة والسياسة بالدين».

ورأى ان التعديلات المطروحة «تعطي دفعة لانشطة الاحزاب وتقطع الطريق على المتاجرين بالدين ومن يمارسون العمل السياسي خارج الشرعية». ودافع مبارك عن المادة 179 التي تقول المعارضة المصرية ومنظمات حقوقية ومصرية انها تشكل انتهاكا للحريات العامة والشخصية للمواطنين، اذ تتيح لاجهزة الامن مداهمة وتفتيش منازل كل من يشتبه بتورطهم في جرائم ارهابية ومراقبة مراسلاتهم والتنصت على هواتفهم.

كما تسمح هذه المادة لرئيس الجمهورية باحالة المتهمين في هذه الجرائم الى محاكم عسكرية او استثنائية.

وقال مبارك «كنت على يقين بان الاستقرار هو ضمان استمرار مسيرتنا وعدم انتكاسها، وان الارهاب هو الخطر المحدق بهذه المسيرة».

وتابع «تعرضنا للارهاب قبل غيرنا وخضنا منذ الثمانينات معركة مع الارهاب الاعمى وما زال يتربص بنا ويطل علينا بين الحين والحين»، محذرا من «اننا نعيش في منطقة تموج بأزمات متتالية وقضايا (لم تحل) تغذي التطرف وسوف تستمر مخاطر الارهاب وتتصاعد في هذه المنطقة المضطربة من العالم».

واضاف «توقفت كثيرا امام ما يتعلق في التعديلات الدستورية بهذه المخاطر وكانت امامي بدائل للموازنة بين حماية استقرار الوطن وحماية الحريات العامة وكنت على اقتناع بان مصائر الاوطان لا تترك في مهب الريح».

واعتبر ان تعديل المادة 179 يستهدف الحفاظ على «امن مصر ومواطنيها» الذي يشكل «خطا احمر لم ولن اسمح لاحد بتجاوزه ولا املك التفريط في حمايته من مخاطر الارهاب»، على حد قوله، وتابع «لهذا جاءت التعديلات الدستورية لتفتح الباب امام تشريع يحاصر الارهاب ويجهض مخططاته ويتصدى لعناصره من دون الحاجة لتطبيق قانون الطوارئ» الساري العمل به منذ تولى مبارك السلطة قبل 26 عاما.

دعت جماعة الإخوان المسلمين وأحزاب معارضة رئيسية أعضاءها للتظاهر أمام مراكز الاقتراع غدا، وقال الدكتور رفعت السعيد رئيس حزب التجمع اليساري (المعارض) في مؤتمر صحافي بمقر الحزب بوسط القاهرة أمس إن أعضاء حزبه سيتظاهرون أمام مقار اللجان في يوم الاستفتاء لدعوة المواطنين إلى مقاطعته.

وقالت «بينما يتطور الشرق الأوسط نحو مزيد من التعددية ومزيد من الديمقراطية، يجب ان تعود مصر لتكون رائدة في هذا التطور». ورد وزير الخارجية المصري، أحمد أبوالغيط، أمس على انتقادات رايس قائلاً، في تصريحات له إن «الشعب المصري فقط هو الذي له الحق في إبداء الرأي بشأن الاستفتاء»، مشيراً إلى أن موضوع الاستفتاء «شأن يتعلق بالشعب المصري الذي سيقرر رؤيته وما يرغب فيه على هذه الأرض وأن ذلك سيتم في الاستفتاء الذي سيجرى يوم الاثنين المقبل».

وأضاف أبوالغيط أن الولايات المتحدة ومصر تجمعهما علاقات ودية وصداقة وعلاقات استراتيجية، و..«مع ذلك فإن مصر لا يمكن أن تقبل أي تدخل في شؤونها من أي من الأصدقاء».

وأطلق الحزب الوطني الديمقراطي (الحاكم) الذي يرأسه مبارك حملة لدعوة المواطنين التوجه إلى صناديق الاقتراع، ووزع أعضاؤه في المحافظات والقرى ملصقات وشعارات دعائية بتأييد التعديلات الدستورية، والمشاركة في الاستفتاء عليها، وقال هاني عايد، عضو أمانة الحزب الوطني في محافظة القليوبية: «لن نخرج إلى الاستفتاء من أجل مصلحة شخصية، ولكن من أجل مستقبل مصر، ومن لا يريد المشاركة ويوزع منشورات بالمقاطعة فهذا أمر سلبي». وتقول جماعة الإخوان المسلمين، وهي أكبر جماعة معارضة في مصر، إن التعديلات الدستورية تجعل من الصعب عليها المنافسة في أية انتخابات نيابية أو رئاسية مقبلة، إضافة إلى حظرها إقامة أحزاب ذات مرجعية دينية. فيما تقول جماعات المعارضة إن التعديلات الدستورية تعزز سلطات رئيس الدولة، وتمهد لسن قانون لمكافحة الإرهاب من شأنه أن يمنح أجهزة الأمن سلطات كبيرة في احتجاز الأشخاص وتفتيش المساكن والتنصت على المكالمات الهاتفية.

و قائلاً إن «كل الاستفتاءات في مصر تُزوَّر منذ سنين طويلة ولن نشارك في هذا العبث حتى لا نعطي هذه التعديلات أية شرعية».

ووقعت اشتباكات بين قوات الشرطة ومتظاهرين من حزب التجمع كانوا يلوحون بلافتات ضد التعديلات، عقب المؤتمر الصحافي بميدان طلعت حرب في وسط العاصمة، وحاولت الشرطة تطويق المتظاهرين وحصارهم على شريط ضيق على أحد الأرصفة القريبة من مقر الحزب. وقاد المظاهرة حسين عبد الرازق، الأمين العام للحزب، وعدد كبير من قياداته، بينهم أبوالعز الحريري، نائب رئيس الحزب والدكتور جودة عبد الخالق عضو المكتب السياسي، وردد المتظاهرون شعارات منها: «الاستفتاء جريمة عصر والبقاء لله يا مصر»، و«زور زور في الدستور بكره مصر تولع نور».

وفي مؤتمر جماهيري حاشد بمقر حزب الوفد الليبرالي (المعارض) مساء أمس الأول قال رئيسه، محمود أباظة، إن ما يمارسه النظام الحاكم يؤكد إننا «نواجه شياطين لكننا نؤكد أن الوفد قادر على صرف الشياطين».

وأعلنت الحركة المصرية من أجل التغيير «كفاية» تنظيم اعتصامات في ثلاث محافظات هي القاهرة والإسكندرية والسويس، احتجاجاً على التعديلات الدستورية، وقال الدكتور عبد الوهاب المسيري، المنسق العام للحركة إن «كفاية» ستنظم اعتصاماً مفتوحاً بميدان التحرير في العاصمة المصرية مساء اليوم (الأحد)، واعتصاماً آخر بميدان المنشية بمحافظة الإسكندرية (220 كيلومتراً شمال غرب القاهرة) غدا الاثنين، بالتزامن مع إجراء الاستفتاء وينتهي بانتهاء التصويت في السابعة مساء، إضافة إلى اعتصام ثالث في محافظة السويس الساحلية (130 كيلومترا شرق القاهرة).

وأوضح المسيري لـ«الشرق الأوسط» أن الحركة وجهت الدعوة لكل الأحزاب والقوى السياسية الرافضة للتعديلات الدستورية للمشاركة في الاحتجاجات، مشيراً إلى أن اعتصام التحرير سيتضمن المبيت، وتوقع حدوث انتهاكات من جانب الأمن.. «سواء بالاعتداء على المتظاهرين أو تزوير التصويت»، على حد قوله.

وأعرب المسيري عن رفضه لتصريحات شيخ الأزهر، محمد سيد طنطاوي، التي قال فيها «إن من يقاطع الاستفتاء فقد كتم الشهادة وآثم قلبه»، وقال المسيري: «المسألة (الاستفتاء) لا تحتاج إلى فتوى، وما قاله فضيلة شيخ الأزهر ليس من الإسلام في شيء لأن الكل يعرف سبب هذه التعديلات».