الجيش الأميركي يواجه «أشباحا» في الدورة

علاقات متقلبة لجنوده بسكان المنطقة السنية جنوب بغداد

TT

بغداد ـ أ.ف.ب: يتقدم جنود سلاح المشاة الاميركي ببطء وسط حطام نصب تذكاري تحت الارض، بينما تكشف أضواء جثة ملقاة هناك قبل ان يمزق الصمت انفجار يصم الآذان ثم ينكفئ المقاتلون مثل الاشباح التي تبرز وتختفي فجأة.

كانت الجثة المحدودبة ملقاة على وجهها ومقيدة عند اسفل الدرج المؤدي الى المدخل وسط انقاض كانت ذات يوم رمزا لضحايا حرب سابقة.

وسقطت جراء الانفجار كتل اسمنتية من السقف. فما كان من رجال الدورية الاميركية الذين يرافقهما صحافيان من وكالة الصحافة الفرنسية إلا الانحناء وآذانهم يؤلمها الطنين.

بعد توقف المواجهة، عثر الجنود على ظروف فارغة وحزام رصاص غير مستعمل لبنادق في موقع الكمين. لكن المسلحين سرعان ما تلاشوا في شوارع الدورة جنوب بغداد. لم تكن هناك دلائل تشير الى اصابات في صفوف المسلحين الأشباح ووحدات الجيش الاميركي التي تجوب بغداد. وعاد الجنود ادراجهم من حيث أتوا عابرين شريطا لولبيا من اسلاك حادة وحولهم ركام الآجر المكسر حتى وصلوا الى فريقهم من سرية «غاتور». واندفعوا مسرعين باتجاه عرباتهم «الهمفي».

ساد هدوء بعد لحظات من الاتصالات المتبادلة عبر اللاسلكي؛ فقد أطلق المسلحون قذيفة «ار بي جي» على الجنود الذين يتولون حماية الفريق أثناء نزوله تحت النصب التذكاري الذي يخلد ذكرى 38 تلميذا قضوا بصاروخ ايراني في 13 اكتوبر (تشرين الاول)1987 في مدرستهم.

ولم يكن صدام حسين ليفوت دعاية كهذه، فأمر ببناء نصب تذكاري فخم «للشهداء» يضم متحفا تحت الارض وفوقه ساحة تتوزع فيها تماثيل خشنة عصرية. والنصب مدمر جزئيا اليوم، والمتحف المظلم في السرداب مليء بالحطام. وأطيح بصدام حسين وانتهت الحرب مع ايران منذ أمد بعيد، لكن القتال ما يزال يستعر في شوارع الدورة.

كانت أوضاع المنطقة حيث جرى الاشتباك، تتدهور قبل ان تستدعى سرية «غاتور» الى هذه الضاحية الراقية التي كان يقطنها بعض أعوان صدام حسين ولا تزال في منازلها حدائق مورقة يلعب فيها صبية كرة القدم. ومع ذلك، هناك بعض الأحياء الفقيرة التي يشعر سكانها بالاستياء. والعلاقات بينهم وبين الجيش الاميركي وسكانها السنة متقلبة.. تارة يرحبون به وتارة يعادونه. ومجموعات المسلحين، وبينهم خلايا ترتبط بالقاعدة، قوية هنا. لكن السكان يخافون شرطة الحكومة التي يقودها الشيعة ويتهمونها بممارسة العنف العشوائي وبارتكاب انتهاكات مذهبية الطابع. وفي المقابل، لا يزال الاميركيون وحلفاؤهم في الحكومة العراقية يملكون فرصة للنجاح إذا أظهروا قدرتهم على فرض الأمن وإصلاح الخدمات المحلية.

فقد اتخذت سرية غاتور ومفرزة من الجيش العراقي خطوة مهمة بهذا الخصوص عبر افتتاح قاعدة قريبة في سوق مهجورة كانت عامرة ذات يوم فأصبحت بعدها معقلا للمسلحين. ولقيت الخطوة ترحيب ما تبقى من تجار السوق. وأعيد افتتاح اكثر من محل مهجور منذ بدء تسيير الدوريات الاميركية في سبتمبر (ايلول) الماضي، فأصبح بإمكان الجنود السير على أقدامهم في السوق.

كان الترحيب حذرا لكنه إيجابي، وسرعان ما عبر التجار عن شكرهم للمساعدة التي قدمها الجنود، لكن هذا الشكر لم ينعكس تأييدا للحكومة التي تؤازرها الولايات المتحدة ولا للشرطة. ولدى تبادل الحديث مع التجار، اشتكوا كلهم تقريبا من الشرطة واتهموا عملاء إيران والميليشيات الطائفية باختراقها.

وبينما كان جنود الدورية يشربون الشاي مع إحدى عائلات الدورة، قالت امرأة بانزعاج «سنثق بكم في حال توقفتم عن اطلاق النار علينا». وقالت بعض العائلات إن الشرطة تطلق النار بشكل غير مسؤول وإن عناصرها طائفيون بشكل واضح. وحذر ضابط اميركي إحدى العائلات قائلا ان «الاميركيين لن يبقوا طويلا هنا، وعاجلا او آجلا سيجد العراقيون انفسهم وحدهم». وأضاف متحدثا الى أحد الأشخاص «مهمتي تقضي بأن يسود الأمن في الدورة قبل أن أرحل، لكنني لن أنجح ما لم يساعدني أناس طيبون مثلكم». وبينما كان الموكب الأميركي يغادر، لوح بعض الناس بأياديهم فيما اكتفى آخرون بالنظر بتجهم.