«الشرق الأوسط» في إيران (15) : ماذا تبقى من ربيع طلاب طهران؟

منذ انتخاب أحمدي نجاد تم تعيين أساتذة وعمداء جامعات من رجال الدين في الحوزة العلمية * انتقد الإصلاحيون تعيين آية الله عباس علي عميد زنجاني عميدا لجامعة طهران.. وهو أول رجل دين يتم تعيينه عميدا للجامعة طوال تاريخها * طالب إيراني: «أنا لست شخصا مسيسا لأن السياسة تؤدي إلى عواقب سيئة لا يريدها أحد» *

TT

في الصباح تمتلئ الشوارع في طهران بالطلاب الذاهبين إلى جامعاتهم، فأعداد الطلاب كبيرة، فهناك نحو مليون ونصف المليون طالب يخوضون الامتحانات كل عام لدخول الجامعة، والجامعات أيضا كثيرة في طهران، فهناك نحو اربعين جامعة في العاصمة أهمها «جامعة طهران» و«جامعة أمير كبير» و«جامعة شريف للتكنولوجيا»، و«جامعة شهيد بهشتي» و«جامعة شهيد رجائي» و«جامعة مدرسة التربية»، و«جامعة الزهراء» و«ازاد» و«الامام الرضا» و«جامعة طباطبائي»، في «جامعة طهران» الكبيرة جدا، حيث تنتشر الأشجار في كل مكان وتفصل بين الكليات المختلفة، كانت ساحة الجامعة ممتلئة بشباب وشابات يتحدثون وهم في طريقهم إلى قاعات الدرس، لم يكن هناك شيء يشي بنشاط سياسي من أي نوع، فالكثير من النشاطات السياسة للطلبة هدأت منذ نحو 3 سنوات، ولا يعود السبب، كما قال بعض الطلبة الإيرانيين، فقط إلى التخوف من ممارسة السياسة بعد المواجهات الكثيرة التي حدثت بين الطلبة الإصلاحيين والطلبة المحافظين والتي ترتب عليها فصل عدد من الطلاب، أو سجنهم، بل يعود السبب في رأي الكثير من الطلبة إلى الشعور بأن الحركة الإصلاحية ممثلة في الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي «خذلتهم»، وأنه بالرغم من التضحيات التي قدمها الطلبة الإصلاحيون لم تتم حمايتهم. وعبر عن ذلك مهتدي، وهو طالب في جامعة طهران، بقوله «لماذا ينبغي أن أواصل دعمي للإصلاحيين، عندما خرجنا في مظاهرات 1999 كنا ندافع عن الإصلاحات. ما الذي حدث؟ اعتقلنا وطرد بعضنا وضرب بعضنا الآخر. ماذا كان رد فعل حكومة خاتمي؟ لا شيء. لم يتحرك.. لم يستقل الرئيس. لم يساندنا أحد. نحن تركنا وحدنا نواجه الطلبة المحافظين المدعومين من قوات الباسيج».

* الكثير من الطلبة الإيرانيين يقول إن صوت تنظيمات الطلبة الإيرانيين لم يخفت خلال العامين الماضيين فقط، أي بعد ولاية الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، بل بدأ يخفت منذ نهاية التسعينيات ومطلع عام 2000 وواصل الخفوت تدريجيا، حتى كأنه لم يعد يتنفس في العام الأخير من ولاية خاتمي فقد «كان الطلبة فقدوا الأمل في أي تغيير حقيقي»، بحسب مهتدي. لكن في بلد يعد الطلاب قوته السياسية والإجتماعية الأساسية لا تتنازل الأحزاب والتنظيمات السياسية المختلفة بسهولة عن محاولة استقطابهم. واليوم كما يحاول الإصلاحيون استعادة الطلبة، يحاول المحافظون أيضا استقطابهم. فالحراك السياسي في إيران دائما ما ارتبط بالطلبة، الحركة الدستورية 1906 شارك فيها الطلاب، والثورة الإيرانية شارك فيها الطلاب. وكل حركة الإصلاحات في التسعينيات ورد فعل المحافظين عليها، كان الطلاب، من الجانبين الاصلاحي والمحافظ، هم قوتها الاجتماعية الأساسية، أكثر من النساء والمثقفين والصحافيين وأساتذة الجامعة. وفي مسعاه لاستقطاب الطلبة الإيرانيين عزز الرئيس الإيراني أحمدي نجاد، كما يقول الإصلاحيون، المخصصات المالية لقوات الباسيج التطوعية، وهي القوات التي تضم عشرات الآلاف من طلاب الجامعة. هؤلاء الطلبة المحافظون، الناشطون في الباسيج، هم الآن مصدر الكثير من النشاطات السياسية في الجامعات الإيرانية. فقد قاموا بتظاهرات احتجاجا على العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على إيران، وتظاهروا ضد رموز إصلاحية، وتصدوا لتنظيمات الطلبة الإصلاحيين. والبعض يلقي على عاتقهم المسؤولية عن تدهور انشطة الطلبة الاصلاحيين غير أن الطلبة المؤيدين للتيار المحافظ يقولون أن الاتهام بلا أساس «خلال ولاية خاتمي كانت تنظيمات الطلبة الاصلاحيين تسيطر على غالبية الجامعات. لماذا اليوم عندما ينشط الطلبة المحافظون يشعر الاصلاحيون أن في الامر خطأ ما؟ الجامعة ليست حكرا على نشاط الطلبة الاصلاحيين» قال طالب إيراني ينتمي الى قوات الباسيج رفض الكشف عن هويته. واليوم من بين الجامعات الإيرانية تعد جامعة «أمير كبير للتكنولوجيا» الأكثر نشاطا من الناحية السياسية، فيما «جامعة طهران» و«جامعة شريف للتكنولوجيا» خافتتا الصوت إلى حد كبير. ويرى الاصلاحيون أن هدوء طلاب الجامعة لا يمكن ارجاعه الى مجرد انتخاب رئيس محافظ محل رئيس اصلاحي، بل الى جملة من الاجراءات والتغييرات اجراها احمدي نجاد. وبحسب ناشطين إصلاحيين فإن الطريقة التي اعتمدها أحمدي نجاد لتعزيز مكانة الطلاب المحافظين تهدد استقلال الجامعات. ويستشهدون بتعيين آية الله عباس علي عميد زنجاني عميدا لجامعة طهران، بالرغم من أن تعليمه وخبرته دينية بالأساس، وهو أول رجل دين يتم تعيينه عميدا لجامعة طهران طوال تاريخها، وكان قبل تعيينه في جامعة طهران يعمل في جامعة «الإمام الخميني الدولية». وأشار هؤلاء إلى أن تعيين وزير العلوم والبحث والتكنولوجيا محمد مهدي زاهدي لآية الله عباس زنجاني في 27 ديسمبر (كانون الأول) 2005، انتهاك لقاعدة ثابتة في جامعة طهران، وهي أن العميد ينتخب من قبل الأساتذة، ولا يعين من قبل وزير في حكومة. لكن تعيين آية الله زنجاني لم يكن مصدر القلق الوحيد، فمنذ تولي أحمدي نجاد عين زاهدي الكثير من رجال الدين كعمداء وأساتذة في العديد من الجامعات الإيرانية، مما دعا الكثير من الصحافيين الإيرانيين إلى تسمية هذه الظاهرة بـ«الثورة الثقافية الثانية»، أي إحلال رجال الدين محل الأساتذة المدنيين، مقابل الثورة الثقافية الأولى التي فعلت العكس. جامعة طهران (دانكشاه طهران)، تأسست عام 1934، وتضم 32 ألف طالب، بينهم 29 ألفا يدرسون للحصول على البكالوريوس أو الليسانس، والآخرون للحصول على الماجستير أو الدكتوراه، وفيها 3500 أستاذ، وهي أكبر الجامعات الحكومية الإيرانية من حيث عدد الطلاب والأساتذة وعدد الكليات. وقد فوجئ حتى الكثير من الإصلاحيين بالهدوء الكبير لطلابها منذ تولى أحمدي نجاد، لأنها كانت معقل الحركة الطلابية خلال العشر سنوات الماضية. أمير، وهو طالب في كلية الفنون بجامعة طهران، قال لـ«الشرق الأوسط» موضحا السبب: «النشاطات السياسية للطلبة في جامعة طهران، وكلية الفنون التي أدرس بها تدهورت بطريقة ما، وذلك بعد انتخاب أحمدي نجاد رئيسا. أنشطة الطلبة عانت في السنوات الثلاث الماضية، أي منذ العام الأخير من ولاية محمد خاتمي والعامين الأولين من ولاية أحمدي نجاد، إلا أنها الآن تدهورت خاصة في جامعة طهران». وأوضح أمير أن التضييقات التي تمارسها سلطات الأمن في الجامعة، بالإضافة إلى المناخ العام تحبط الطلبة عن الانخراط في السياسة. وتابع «أنا لست شخص مسيسا لأن السياسة تؤدي إلى عواقب سيئة لا يريدها أحد، فلا أحد يريد توريط نفسه في مشاكل السياسة، لكن عموما المناخ السائد في جامعة طهران تغير، والتحولات التي حدثت خلال رئاسة خاتمي، لم تعد موجودة الآن. ولا أعتقد أن هناك شيئا يمكن أن يغير المزاج والمناخ الحاليين على المدى البعيد. لكن لا أعرف أي شىء قد يحدث ويغير الوضع. النشاط السياسي الحقيقي الموجود للطلبة هو في جامعة أمير كبير للعلوم التكنولوجية، فهم الآن ناشطون أكثير من جامعة طهران وباقي الجامعات الأخري في إيران». ولا يشتكي الطلاب من التضييق على النشاطات السياسية بل كذلك من التضييق على الحريات الشخصية "في جامعتنا اعتادت البنات على أن تأتين فقط بغطاء فوق الرأس، لكن الآن لم يعد يسمح لهن بدخول الجامعة إذا كن يضعن غطاء رأس يظهر جزءا من الشعر، لابد من حجاب يغطي الشعر كله. بالنسبة للشباب، كان مسموحا لهم الذهاب للجامعة بشعر طويل، أما الآن فلابد من قص الشعر، والشباب طوال الشعر غير مسموح لهم بدخول كلية الفنون، وهذا تغيير كبير لأن طلاب الفنون كانوا عادة يلبسون ملابس شبابية وبها الحد الأدنى من الالتزام بالزي الإسلامي»، حسب ما قال أمير موضحا. ويقول الإصلاحيون إنه منذ تولي آية الله زنجاني، 68 عاما، منصبه طرد 40 أستاذا إصلاحيا من جامعة طهران بحجة أنهم تجاوزوا سن الـ65 عاما، كما دفع آخرين للاستقالة. وفي هذا الصدد قال أستاذ في كلية العمارة والفنون بجامعة طهران رفض الكشف عن هويته «منذ انتخاب أحمدي نجاد، الأساتذة في جامعتنا وعمداء الجامعات الذين يتم انتخابهم هم هؤلاء الذين درسوا في الحوزة العلمية في قم ورجال دين. لكن الشىء الذي يبرز الآن هو أن جامعة طهران أو أيا من الجامعات الإيرانية الأخرى لا تعمل بنفس الطريقة التي يعمل بها رجال الدين في الحوزة العلمية في قم. كان من الخطأ البالغ التفكير في انه قد يحدث نوع من التنسيق أو التعاون بين الجامعات الإيرانية والحوزة. حكومة أحمدي نجاد أقالت العميد السابق لجامعة طهران، وهو الآن يدرس في كاليفورنيا، وعينت بدلا منه أحد الملالي من الحوزة العلمية وهو آية الله عميد زنجاني. إيران تم التضحية بها لصالح مدينة بها مليون ونصف المليون نسمة وهذه المدينة تسمى قم. ليس لدينا أي حرية سياسية في الجامعة الآن». وأضاف هذا الأستاذ الذي رفض الكشف عن هويته «جامعة أمير كبير هي الأنشط على المستوى الطلابي لأنها جامعة تكنولوجية تدرس العلوم الطبيعية، وأساتذتها غالبا درسوا بالخارج مثل أميركا، خصوصا في كاليفورنيا ونيوجرسي ونيويورك. الطلبة يجب أن يكونوا مميزين جدا للذهاب إلى هذه الجامعة، ولابد أن يحصلوا على درجات عالية لأن الدراسة صعبة وتحتاج قدرات عقلية». وأوضح لـ«الشرق الأوسط»: «الأساتذة لا يسمحون لطلاب من قوات الباسيج بدخول الجامعة على عكس جامعة طهران وجامعات أخرى (دراستها نظرية، خصوصا الأدب والفنون). فعندما يدخل الطلاب الباسيج الجامعات يبدأون في تشكيل تنظيمات سياسية محافظة تعطل وتمنع النشاط الطلابي للطلبة الإصلاحيين، بل وتبلغ عنهم للسلطات». جامعة «أمير كبير» هي جامعة حكومية، تأسست عام 1958، وبها 6400 طالب فقط، هم عادة من نخبة الطلاب الذين يحصلون على أعلى الدرجات، وعدد أساتذتها 480. وهي متخصصة في التكنولوجيا وعلوم الهندسة، ولها علاقات تعاون مع عدد من الجامعات العالمية. وكانت تسمى جامعة «طهران للتقنية»، ثم تغير اسمها بعد الثورة الإيرانية عام 1979 إلى «جامعة أمير كبير» وهو رئيس الوزراء خلال عهد الملك ناصر الدين شاه من العهد الغاجاري، وكان شخصية إصلاحية فتح أبواب إيران للاستفادة من الغرب. وجامعة «أمير كبير» هي الجامعة الوحيد التي خرجت منها مظاهرات ضد أحمدي نجاد، فقد خرج منها طلبة يهتفون ضد أحمدي نجاد «الموت للديكتاتور» بعدما قاطعوا خطبة كان يلقيها في ديسمبر (كانون الأول) 2006، ثم طالبوا باستقالة عميد الجامعة على رضا راهي، وهو من المنتمين إلى التيار المحافظ، بالاستقالة إذ انه منذ تولى عمادة الجامعة قام بإغلاق مقر اتحاد الطلبة الإسلاميين الإصلاحي، ودفع 100 أستاذ للتقاعد المبكر، وأحال نحو 70 طالبا للتحقيق، ثم أوقفهم بسبب نشاطاتهم السياسية. وهي تعتبر «نموذجا» بالنسبة للكثير من الجامعات الأخرى بسبب رفضها تسجيل الطلبة المنتمين إلى الباسيج. ويشتكي بعض الإيرانيين، من المعاملة الخاصة التي ينالها الطلاب الذين ينتمون إلى قوات الباسيج، لأن لهم حصة محددة أو كوتا في الجامعات، يحصلون عليها بغض النظر عن درجاتهم العلمية في الثانوية العامة. والكثير من الشباب الإيرانيين الذين يريدون ضمان دخول الجامعة أو الحصول على وظائف بشكل أسرع ينضمون إلى قوات الباسيج، وهي قوات تطوعية لا يشترط لمن يريد التطوع فيها أي شروط من أي نوع «هناك 3 فئات لهم معاملة خاصة في الجامعات الإيرانية، عناصر الباسيج، وأبناء الشهداء في الحرب الإيرانية ـ العراقية، وأسرى الحرب الإيرانية ـ العراقية. بالتأكيد نحو 40% من طلبة الجامعات الإيرانية يجب أن يكونوا من هذه الفئات. والآن في زمن أحمدي نجاد لابد أن النسبة زادت لأنه سمح بأعداد اكبر من الباسيج بدخول الجامعات لإضعاف الطلبة الإصلاحيين»، حسب قول خسرو محبي الصحافي الإيراني. وتابع خسرو لـ«الشرق الأوسط»: «الكثير من الأساتذة الإيرانيين تعبوا من هذا، ويتعجبون من الذي يحدث. في زمن خاتمي، حاول أن يلغي الكوتا المخصصة للطلبة الباسيج في الجامعات، وكاد أن ينجح. كما حاول أن يلغي كوتا الطلبة أبناء الإيرانيين الذين قتلوا في الحرب الإيرانية ـ العراقية (20%)، في إيران يطلق عليهم (شاهد ـ من شهيد) فهؤلاء أيضا لهم كوتا في الجامعات. كان خاتمي يدافع عن أن طلبة الجامعات يجب أن يختاروا بناء على كفاءتهم العلمية، وليس بناء على علاقاتهم بهذه المنظمة أو ذاك، أو وجود شهداء في عائلاتهم. كانت هذه فكرة خاتمي، وكل الطلبة الإيرانيين العاديين، الذين يعتقدون انه ليس من العدل للأشخاص من الباسيج أو غيرهم دخول الجامعات من دون أي مبرر علمي على أساس غير أساس التنافس الأكاديمي. هناك مليون وخمس مئة الف طالب يتقدمون كل عام لامتحان كنكور وهو امتحان لدخول الجامعة، لا بد ان يحصل ابنائي على اعلى الدرجات كي يدخلوا جامعة حكومية، فيما طلاب الباسيج يدخلون في كل الحالات». وقد تأسست قوات الباسيج في نوفمبر (تشرين الثاني) 1979 وهي قوات تطوعية أمر آية الله الخميني بتشكيلها لتكون بمثابة موجات بشرية للدفاع عن إيران خلال الحرب. بعد الحرب أصبحت أحد أفرع قوات الحرس الثوري (باسداران) وهي تطوعية مهامها الحفاظ على قيم الجمهورية الإسلامية، وضمان تطبيق الالتزام بالزي الإسلامي في الشوارع والأماكن العامة، وهم يقيمون نقاط تفتيش في الشوارع، خصوصا يومي الخميس والجمعة منعا للكحوليات والمخدرات، وتقريبا لكل مسجد ومؤسسة حكومية قوات الباسيج الخاصة بها. ومن المزايا التي يحصل عليها المنضمون للباسيج وعددهم 11 مليون شخص، تخفيض الخدمة العسكرية والانضمام للجامعات بحصة محددة سلفا. وخلال السنوات الأخيرة من حكم خاتمي كانت كذلك هناك الكثير من المواجهات بين الطلبة الإصلاحيين وبين الطلاب الذين ينتمون إلى الباسيج. وكانت واحدة من المواجهات مواجهة أصيب فيها عشرات الطلاب بجروح خلال مؤتمر للطلبة للإصلاحيين دعوا إليه عبد الكريم سروش ومحسن كديور ومحسن رضائي، وهم من أهم رموز التيار الإصلاحي. والواقع أن آية الله الخميني عندما أسس الباسيج والحرس الثوري، لم يعط لهما دورا سياسيا من أي نوع، بل دورا أمنيا للحفاظ على الأمن داخل المدن الإيرانية وحماية القيم الإسلامية. الشخص الذي أعطى الباسيج والحرس الثوري هذه السلطات هو رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني. «في زمن هاشمي رفسنجاني سمح بوصفه رئيسا لإيران لوزارة الاستخبارات (وزارة اطلاعات)، ولقوات الحرس الثوري أو باسدران بأن يمارسوا التجارة مثلهم مثل أي شخص، من أجل أن تكون لديهم مصادر مالية لتمويل عملياتهم في مجال الاستخبارات والأمن. ما الذي يعنيه هذا؟ «الكثير من الفساد طبعا للطرفين، لوزارة الاستخبارات ولقوات باسدران. وهذا ليس في إيران فقط، ففي أي بلد تتورط فيه مثل هاتين المؤسستين في أنشطة تجارية أو مالية يحدث فساد. لأنهم يسيئون استغلال السلطة، ويصبحون فاسدين»، حسب قول الدكتور إبراهيم يزدي زعيم حركة الحرية في إيران. وأضاف يزدي قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «هذا ما حدث ثانية على يد المرشد الأعلى آية الله خامنئي الذي سمح لهم بالانخراط في السياسة، خامنئي بوصفه قائد القوات المسلحة وطلب منهم في الانتخابات الأخيرة أن يصوتوا. وهذا ضد القانون، ففي الواقع يمنع القانون المؤسسة العسكرية بكل أضلاعها من الانخراط في السياسة، يجب أن يكونوا محايدين، في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الماضية تدخلوا في السياسة، بمعنى انه كان لهم مرشحون، وصوتوا ليس كأفراد ولكن كأشخاص في مؤسسة عسكرية، امروا الباسيج وباسداران بالذهاب والتصويت لمرشحين معينين. كمواطنين هم لهم حق التصويت، لكن كمنظمة القانون يمنعهم من دعم أي مرشح، والعمل ضد المرشحين الآخرين، يجب أن يكونوا محايدين، لكنهم ساندوا بشكل علني وصوتوا لأحمدي نجاد. كما قيل لهم وعلى الرغم من القانون، ولهذا الآن الكثير منهم مسؤولون في حكومة احمدي نجاد، أحمدي نجاد نفسه كان عضوا في قوات الحرس الثوري، باسدران، وجاء بالكثير من زملائه في حكومته. إنها حكومة شبه عسكرية. هذا يمكن أن يجلب كارثة. ففي الشرق الأوسط، عندما يأتي العسكر للسلطة لا يغادرون. كذلك المشكلة انه في ظل ثقافة العسكر، يجب إطاعة الأمر من دون سؤال. تعطي الأمر وتنفذه». ما بين جامعتي طهران، التي يترأسها واحد من آيات الله، وجامعة «أمير كبير» التي يترأسها محافظ، تقف جامعة شريف للتكنولوجيا (دانشكاه صنعتي شريف) متمتعة بنوع من الاستقلال، فعميدها مهندس أكاديمي خريج جامعة في كاليفورنيا. جامعة «شريف للتكنولوجيا» جامعة حكومية أيضا على غرار طهران وأمير كبير، وقد سميت بهذا الاسم بعد الثورة الإيرانية، تخليدا لذكرى ماجد شريف وهو طالب إيراني قتل على يد زملائه في جماعة «مجاهدي خلق» التي تأسست لمعارضة نظام الشاه، وذلك بسبب رفض شريف التحول من آيدلولوجية الإسلام الثوري إلى الماركسية، وهو التوجه الذي تبناه بعض الطلبة في التنظيم 1975. وكانت الجامعة التي تأسست عام 1965 تسمى قبل ذلك جامعة «آريامهر للتكنولوجيا»، وهي تدرس الهندسة وعلوم التكنولوجيا والبتروكيماويات والهندسة الكهربائية، والفيزياء والاقتصاد وعلوم الكومبيوتر. وكان الهدف من تأسيسها أن تكون مثل معهد «ماساشوستس للتكنولوجيا» في أميركا. واليوم هي مثل جامعة «أمير كبير» جامعة للنخبة، وفيما نحو 9 آلاف طالب فقط، بينهم 700 طلبة دكتوراه، بالإضافة إلى 500 مدرس وأستاذ جامعي. ومن بين خريجيها البارزين علي لاريجاني الأمين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني، ومحمد علي نجفي وزير التعليم العالي السابق في إيران، وعلي دائي لاعب كرة القدم المعتزل، وأساتذة يعملون في جامعات أميركية خاصة في كاليفورنيا. بين أعوام 1997 و2003 كانت جامعة شريف ساحة للمواجهات والتجاذبات بين الطلبة المنتمين للياسيج، وبين اتحاد الطلبة الإسلاميين الميال إلى التيار الإصلاحي في إيران. وفي عام 2006، وبينما غالبية الجامعات الإيرانية هادئة، نشبت مواجهات بين الطلبة المنتمين إلى اتحاد الطلبة الإسلاميين والطلاب الباسيج، وذلك بسبب خطط للطلبة الباسيج دفن رفات عدد من قتلى الحرب العراقية – الإيرانية في حرم الجامعة وهو ما رفضه الطلبة الإصلاحيون على أساس أن الجامعات ليست المكان المناسب لدفن رفات ضحايا الحرب، وإن الدفن خطوة سياسية، ويمكن أن تفتح الباب أمام تدخلات سياسية أخرى في الجامعة. وكانت هذه المصادمات هي الثانية بعد أحداث مشابهة حدثت في جامعة "شهيد رجائي" في طهران، أعترض فيها الطلبة أيضا على دفن رفات القتلى، غير أن عملية الدفن تمت. والجامعة يرأسها الدكتور سعيد سهراب بور وهو أكاديمي متخصص في الهندسة الميكانيكية وقد حصل على الدكتوراه من جامعة «بيركلي» بكاليفورنيا عام 1971، وهو عضو في الجمعية الأميركية للهندسة الميكانيكية. لكن لا تقتصر مشاكل الجامعات الآن على تصاعد دور الطلبة الباسيج، أمام الطلبة الإصلاحيين، فالأساتذة بدورهم يواجهون مشاكل، بعضها سياسي بسبب آرائهم، وبعضها الآخر إقتصادي. فبسبب الصعوبات الاقتصادية يعمل غالبية المدرسين في إيران عملين، التدريس في الصباح وعمل آخر بعد الظهر. علي أكبر بقاني رئيس اتحاد الأساتذة في إيران قال إن مرتبات الأساتذة هي الأقل من بين مرتبات الموظفين الحكوميين في إيران، موضحا أن الأساتذة الإيرانيين يمكن أن ينظموا إضرابا عاما من اجل زيادة مرتباتهم. وأضاف «يدفع للأساتذة 2780000 ريال في الشهر، يعادل 320 دولارا أميركيا، وهو أقل مرتب بين كل الموظفين الذين يعملون في مؤسسات حكومية. نحن كذلك نحصل على أقل مكافآت، مكافآت لا تكفي حتى لشراء عدة كيلوغرامات من الفستق. إذا أردنا أن نوازن المرتبات بمعدل التضخم هذا العام، يجب أن يدفع لنا 17 مليون ريال في الشهر، أي 1950 دولارا أميركيا».