بريطانيا تجمد علاقاتها مع إيران حتى إنهاء أزمة البحارة المحتجزين

طهران تبث تسجيلا للمعتقلين وتنشر رسالة «اعتراف»

TT

أعلنت بريطانيا أمس انها ستجمد علاقاتها مع ايران على جميع الاصعدة ما عدا التفاوض حول اطلاق 15 من العسكريين البريطانيين الذين احتجزتهم ايران الجمعة الماضية. وبعد ايام من «الدبلوماسية الهادئة» لدفع ايران إلى الافراج عن البحارة البريطانيين، أطلقت بريطانيا حملة منسقة للدفاع عن شرعية عمل جنودها في العراق وزيادة الضغوط الدبلوماسية على ايران للافراج عن عناصر البحارة ومشاة البحرية البريطانية. وبعد تصريحات مسؤولين بريطانيين عدة، اعلنت ايران مساء أمس ان «التحقيقات الاولية» تشير الى ان البحارة البريطانيين دخلوا مياهها، وهو امر نفته بريطانيا نفيا قطعياً أمس، قائلة ان البحارة كانوا داخل المياه الاقليمية العراقية. وصرحت وزيرة الخارجية البريطانية، مارغريت بيكيت، أمس بأن بريطانيا ستجمد كل علاقات العمل مع ايران باستثناء الاتصالات بشأن البحارة وافراد من مشاة البحرية البريطانية المحتجزين، مؤكدة: «اننا الآن بصدد مرحلة جديدة من النشاط الدبلوماسي». وقالت في كلمة أمام مجلس العموم البريطاني: «سنفرض تجميدا لكافة علاقاتنا الثنائية مع إيران إلى حين انفراج هذه الأزمة. كما سنبقي كافة أوجه سياساتنا الأخرى تجاه إيران تحت المراجعة الدقيقة وسوف نواصل المضي قدما فيها بحذر».

وكان رئيس الوزراء البريطاني توني بلير قد استبق تصريحات بيكيت، بالقول انه «حان الوقت لزيادة الضغوط الدبلوماسية والدولية» على طهران، مضيفاً انه «لا يوجد مبرر على الاطلاق» لاحتجاز العسكريين البريطانيين. وتوعد بلير بزيادة الضغوط على ايران التي قال انها تواجه «عزلة تامة» في هذه الأزمة. وتقول بريطانيا ان العسكريين التابعين لها كانوا قد أنجزوا لتوهم عملية تفتيش روتينية لسفينة تجارية في المياه العراقية بموجب تفويض من الامم المتحدة وموافقة الحكومة العراقية عندما احتجزوا. وتقول ايران انها تحتجزهم لأنهم دخلوا مياهها.

ولفتت بيكيت الى ان بلادها حاولت حل الازمة بهدوء، ولكنها، اضافت: «يؤسفني ان اقول ان السلطات الايرانية فشلت حتى الآن في تنفيذ مطالبنا أو الرد على رغبتنا في حل هذه القضية بشكل سريع وهادئ ومن خلال دبلوماسية ما خلف الكواليس». ويشمل تجميد العلاقات وقف كل الزيارات الرسمية بين البلدين وستتوقف عن اصدار تأشيرات دخول للمسؤولين الايرانيين الى أن تنتهي الازمة القائمة. وجاء اعلان بريطانيا تجميدها العلاقات مع ايران بعد مؤتمر صحافي عقدته وزارة الدفاع البريطانية للتأكيد على ان البحارة المحتجزين كانوا في مياه اقليمية عراقية عندما احتجزتهم ايران، نافية ادعاء طهران بأن هؤلاء الجنود كانوا قد خرقوا المياه الاقليمية الايرانية. وقال نائب قائد قوات الدفاع الادميرال تشارلز ستايل ان الحادث وقع على بعد 1.7 ميل بحري (3 كيلومترات) داخل المياه العراقية، مما يجعل اعتقال الجنود البريطانيين «خطأ غير مبرر».

وكشفت الوزارة للصحافيين معطيات جمعت عبر الاقمار الصناعية تفيد ان ايران اعتقلت عناصر البحرية داخل المياه الاقليمية العراقية، مستندة الى خرائط لتأكيد ذلك. وقال ستايل: «يشير كل من تقرير المهمة الذي أعده طاقم المروحية المرافقة للبحارة ومحادثة مع قائد السفينة التجارية الى أن الفريق هوجم لدى نزوله من السفينة التجارية». وكان 11 من البحارة البريطانيين قد قاموا بعملية التفتيش الروتينية، بينما بقي 4 آخرون على متن زورقين استخدمهما البحارة ومشاة البحرية للوصول الى السفينة التجارية. وأضاف ان احد الزورقين كان مزودا بنظام تحديد المواقع عبر الاقمار الصناعية متصل بالسفينة التابعة للبحرية الملكية «اتش.ام.اس كورنوول». وأوضح: «ظل الزورقان طوال الوقت داخل المياه الاقليمية العراقية». وأكد ستايل ان موقع الحادث كان «29 درجة و50.36 دقيقة شمالا و48 درجة و43.08 دقيقة شرقاً، وهذا يعني أن موقعها كان ضمن المياه الإقليمية العراقية بمسافة 1.7 ميل بحري. وهذه المرة الاولى التي تعلن فيها الحكومة البريطانية عن الموقع المحدد لموقع الحادث. ولفت ستايل الى ان الحكومة الايرانية حددت للسلطات البريطانية موقعين مختلفين؛ فحددت موقع الحادث الأول يوم السبت والثاني حددته بيوم الاثنين. وقال: «النقطة الأولى تقع ضمن المياه الإقليمية العراقية. وقد أوضحنا ذلك لهم يوم الأحد عبر الاتصالات الدبلوماسية. ومن ثم زودونا بمجموعة جديدة من خطوط الطول والعرض تبين أن موقع الحدث كان في المياه الإقليمية الإيرانية، وهو يبعد أكثر من ميلين بحريين عن الموقع الذي حددته السفينة «كورنوول»، والذي أكدته السفينة التجارية. والمسافة بين الموقعين اللذين قدمتهما إيران تكاد تكون ميلا بحريا ـ 1800 ياردة أو ما نحو ذلك. ونحن نعارض بكل وضوح كلا هذين الموقعين». ولفت مسؤول عسكري رفيع المستوى، طلب عدم الكشف عن اسمه، الى ان البحارة البريطانية لم يدافعوا عن انفسهم لاسباب عدة، ابرزها ان «الهجوم عليهم كان غير متوقع والوقت المتاح للايرانيين للهجوم كان قصيراً جداً، 3 دقائق كان كل ما احتاجه الايرانيون لشن هجومهم مما لم يسمح للبحارة بالرد عليهم». وأضاف: «كانت السفن الايرانية مسلحة بأسلحة ثقيلة، اثقل من تلك التي حملها البحارة البريطانيون في مهمتهم الروتينية». ورداً على التصريحات البريطانية، اعلنت ايران أمس عن انتهاء «المرحلة الاولى من التحقيقات» مع البحارة البريطانيين الذين اثبتت انهم كانوا في المياه الايرانية. ونقلت وكالة الانباء الايرانية الرسمية عن مسؤول ايراني قوله أمس: «المرحلة الاولى من التحقيقات التقنية حول مكان اعتقال البحارة البريطانيين انتهت، وكشفت النتائج ان هؤلاء العسكريين اعتقلوا في المياه الاقليمية الايرانية». من جهة أخرى، اكد مصدر في وزارة الخارجية البريطانية لـ«الشرق الاوسط» ان لندن حتى الآن لم تتأكد من موقع احتجاز البحارة الـ15، مضيفاً انه من الصعب «التكهن حول الخطوات المقبلة». وبينما لم يتضح ما اذا كانت ايران ستسمح للدبلوماسيين بزيارة المحتجزين، إلا أنها أعلنت أمس ان الجندية البريطانية فاي تورنر المحتجزة مع 14 من عناصر البحرية البريطانية في ايران سيفرج عنها في «غضون يوم او يومين».

ونقلت قناة «سي ان ان» باللغة التركية عن وزير الخارجية الايراني منوشهر متقي قوله إن الجندية تورنر سيطلق سراحها خلال «يوم أو يومين». وبث تلفزيون قناة «العالم» الايرانية الناطقة باللغة العربية أمس «مشاهد جديدة» تظهر عددا من البحارة البريطانيين. وعرضت اللقطات مقابلة مع البحارة تورنر، وهي ترتدي غطاء للرأس. وقالت تورنر: «كانوا رؤوفين بنا للغاية»، مضيفة انها لقيت معاملة حسنة. وأظهر التلفزيون رسالة قال انه سمح لها بارسالها لأسرتها في بريطانيا. وجاء في الرسالة التي ارسلتها السفارة البريطانية الى وكالة «اسوشيتد برس» امس: «كتبت رسالة الى الشعب الايراني للاعتذار على دخول مياههم الاقليمية»، مضيفة: «كنا في زوارق عندما اعتقلتنا القوات الايرانية، اذ يبدو اننا دخلنا مياها ايرانية، وأتمنى لو لم نفعل ذلك». وتابعت: «انني بخير وسلام وأحصل على ثلاث وجبات في اليوم». وبينما لم تعلن ايران بعد مطالبها للإفراج عن البحارة البريطانيين، صرح نائب رئيس البرلمان الايراني بأن على بريطانيا ان تقدم اعتذارا في حال اثبات ان عناصر بحريتها المعتقلين في ايران دخلوا المياه الاقليمية الايرانية خطأ. ونقلت وكالة «فارس» شبه الرسمية عن محمد رضا باهونار قوله: «اذا تم اثبات ان الامر حصل خطأ، فان القضية ستنتهي مع تقديم اعتذار الحكومة البريطانية». من جهة اخرى، اكد مصدر في الخارجية البريطانية لـ«الشرق الاوسط» ان بريطانيا طلبت مساعدة دول عدة في المنطقة لدفع ايران إلى الافراج عن البحارة المحتجزين. وقال المصدر: «جرت اتصالات عدة مع حكومات عربية وتركيا لطلب مساعدات في هذا الموضوع وتلك الحكومات أوضحت من جانبها استعدادها للقيام بمساعدة دبلوماسية» لحل الازمة.