«المعدان» سكان الأهوار.. يفضلون البقاء على ضفاف شط العرب من العودة إليها

قالوا لـ«الشرق الاوسط» : لا يمكن مقارنة الظلام والبعوض بالنور والجوال والسيارة

TT

يقول احمد كاظم المعيدي: «فضلنا السكن، بعد رحيل النظام السابق في المناطق الخالية، على ضفاف شط العرب، حيث توزعت البيوتات في مناطق أبي الخصيب والجبيلة والهارثة وجزيرة أم الرصاص، وسط الشط في محافظة البصرة، لعدم توفر المغريات الجدية للعودة إلى الاهوار، التي لم تشهد سوى غمر مساحات منها بالمياه..».

وأضاف المعيدي لـ«الشرق الأوسط»: إن «المعدان، أي سكان الاهوار، لا يمكن أن يمتثلوا لاضطهاد العودة، بعد أن تعرضوا إلى اضطهاد النزوح اثر تجفيف الاهوار..»، واصفا الرجل المعيدي بـ«الغزال الذي تزداد سرعته كلما كثر عدد الذين يطاردونه».

وتقترن كلمة «المعيدي» لدى سكان المدن بالتخلف، ويتداولون بسخرية المثل الشعبي: «اسمع بالمعيدي خير من أن تراه»، وهو المثل الذي أطلقه أول مرة، حسب المصادر التاريخية، النعمان بن المنذر ملك الحيرة، حين كان يطلب رجلا مشاكسا في حي بالكوفة فلا يقدر عليه، وكان النعمان يعجب بما سمع عنه وعن شجاعته وإقدامه، إلى أن آمنه، فلما رآه ازدرى منظره لأنه دميم الوجه، فقال عنه هذا الوصف الذي بات مثلا شائعا. عند اللقاء بمجموعة من المعدان تخرج بانطباعات مناقضة عن الشائع عنهم، ربما أخرجتهم أساليب الاضطهاد والقهر التي تعرضوا لها خلال (أعوام العزلة) من البساطة وأدمنوا على متابعة أخبار الوطن والسياسة. ورد سالم عريان المعيدي، على اتهام المعدان حاليا بالقوة والنفوذ داخل مدينة البصرة، من خلال ارتباطهم باحزاب دينية فقال: «إن المعدان لم يخضعوا اطلاقا في الازمان السابقة لإقطاعيات عشائرية، ولن يخضوا حاليا إلى إقطاعيات دينية.. ». معربا عن احترامهم للمرجعيات الدينية الرصينة، واصفا نظام الحكم خلال الأربع سنوات الماضية بـ«المرحلة الفاشلة»، ومشيرا إلى امتلاكهم إرادة العيش في الاماكن التي يختارونها من ارض الوطن الشاسعة، مستبعدا العودة إلى الاهوار بعد أن تمتعوا بنور الكهرباء والهاتف الجوال والسيارات الحديثة، حيث كانوا يرزحون تحت وطأة الظلام والأوبئة والبعوض والتوجس الدائم من الحكومات، على حد تعبيره. وأطرف ما يميز مجتمع المعدان، هو كرههم الأزلي للحكومة، أية حكومة، وشدة حزنهم عند المصائب لامتناعهم عن تناول الطعام والشراب عدة أيام، حتى باتت هذه الطريقة «حزن المعدان»، من خواصهم وشغفهم بالوحدة والتفرد.

واختلفت آراء المؤرخين والباحثين في تسمية وأصول المعدان، الذين بلغ تعدادهم قبل عمليات التجفيف في عام 1991 أكثر من ثلاثة أرباع المليون، فمنهم من قال: «إنهم من بقايا السومريين أهل الحضارة العراقية المعروفة، سكنوا مناطق الأهوار، التي ورد ذكرها في ملحمة كلكامش، واعتنوا بتربية الجاموس وصيد الطيور والأسماك وصناعة الحصران (البواري)، وأما الرأي الآخر، فيرى أن كلمة المعيدي، مأخوذة من المعاداة، أي المناكفة والرفض، ويرى أصحاب هذا الرأي، أن قوات الاحتلال الإنجليزي شجعت على استخدام هذه المفردة بقصد تحقير سكان الاهوار، الذين قاتلوا الإنجليز عند دخولهم العراق مطلع القرن المنصرم، وأبلوا في قتالهم بلاءاً حسنا فتحولت عملية احتقار العراقيين الاصلاء إلى عرف سياسي غير معلن، وتقليد اجتماعي ظاهر للعيان، وسنة الانظمة التي تعاقبت على حكم العراق. وقال آخرون إن المعدان قبيلة هندية مشهورة بتربية الجاموس البحري اسكنها الحجاج بن يوسف الثقفي في منطقة المستنقعات جنوب العراق. وعرف العرب الأوائل هذه المنطقة المغمورة بالمياه، حيث أطلقوا عليها تسمية منطقة البطائح، أي أنها منطقة منخفضة وانبطح فيها الماء.

واكدت تقارير وزارة الموارد المائية، التي صدرت مؤخرا، أن منطقة الاهوار شهدت معدل تعاف للحياة البرية بعد تجفيفها من قبل النظام السابق. واشارت التقارير الى عودة العديد من الأجناس الحيوانية والنباتية للظهور في بيئة الاهوار الخصبة والثرية بتنوعها الحيوي، ومن بينها أنواع نادرة من الطيور، على الرغم من ان مستويات الحياة البرية لم تعد بعد إلى معدلاتها المعروفة، وأكدت استمرارها في تنفيذ خطة الإنعاش للعام الحالي، وتشتمل على أعمال كري وتوسيع الأنهار وبناء النواظم والمعابر بالموارد المخصصة لها ضمن الميزانية العامة، إضافة إلى منحة اليابان وايطاليا المقدمتين من حكومتيهما ضمن منحة إعادة أعمار العراق.

واشارت الى ان الاهوار تتغذى من مياه نهري دجلة والفرات والمياه القادمة من إيران عبر هور الحويزة الحدودي وتبلغ مساحتها الإجمالية أكثر من 15 الف كيلومتر مربع موزعة بين محافظات البصرة والناصرية والعمارة، وبلغت المساحات المغمورة منها بالمياه حتى الان ما يقارب 7250 كيلومترا. وكشفت التقارير عن أن عدد سكان الاهوار ارتفع الى 234587 ألف نسمة يتوزعون على 267 قرية.