«الشرق الأوسط» في إيران (الأخيرة) : الثورة الثانية.. لرجال الدين

المستقبل في إيران لن يتحدد بالصراع السياسي بين الإصلاحيين والمحافظين.. بل بنتيجة الحرب الفكرية * اشكفاري: ولاية الفقيه ليست فكرة دينية فقط.. بل سياسية فهناك ولي فقيه بباكستان وتركيا وهو الجيش.. وهناك ولي فقيه في سورية وهو البعث * بازركان اختلف مع الخميني في «جمهورية إيران الديمقراطية الإسلامية» أو

TT

28 عاما مرت بعد قيام الثورة الإيرانية 1979، والجدل ما زال دائرا حول «نوع الحكومة في مجتمع إسلامي»، كان هذا الجدل حيا وساخنا ومتنوعا قبل قيام الثورة، وما زال حتى اليوم حيا وساخنا، وبه ترتبط الكثير من القضايا الهامة في إيران ومن بينها حريات الصحافة والنشر وحقوق المعارضة، وحقوق النساء، ووضع منظمات حقوق الإنسان، والحريات الشخصية، هذا الجدل الداخلي، يظهر بوضوح في الصحف الإيرانية، وعلى المواقع الانترنتية الشخصية لرجال الدين بمختلف انتماءاتهم، وفي كتب أساتذة الجامعات، وفي الندوات الفكرية والجلسات الخاصة، وفي محاضرات المثقفين، آية الله الخميني قائد الثورة الإيرانية يقع في قلب هذا النقاش اليوم، الجميع، محافظون واصلاحيون وبراغماتيون، يتصارعون على «روح الخميني» وعلى ما قاله وكتبه، وهل كان يقصد «جمهورية إسلامية بولاية فقيه مطلقة»، أم ولاية فقيه مقيدة»، أم «بلا ولاية فقيه على الإطلاق»؟ كل طرف سياسي وفكري يستخدم ما قاله الخميني بطريقته ولخدمه حججه، ووسط الحرب السياسية بين الإصلاحيين والمحافظين والبراغماتيين، هناك حرب فكرية دائرة في إيران، يقودها رجال دين، ليسوا جزءا من السلطة، لكنهم يدعون إلى إحياء حركة الإصلاح الديني في إيران من اجل تعديل شكل الممارسة السياسة، وتكوين «جمهورية ديمقراطية إسلامية»

* (اعتبارا من اليوم تنشر حلقات «الشرق الأوسط» في إيران عبر الموقع الالكتروني تباعا).

* الفرق بين هؤلاء المثقفين المنتمين إلى حركة «النخبوية الإسلامية» وبين الإصلاحيين في السلطة أن الإصلاحيين لا يدعون إلى تغييرات فكرية أو فلسفية في أسس النظام، بل إلى تغييرات سياسية جزئية بهدف توسيع هامش الحريات الشخصية، فيما المثقفون من «النخبوية الإسلامية» يوجهون انتقاداتهم إلى الكثير من المفاهيم المؤسسة للجمهورية الإيرانية ومن بينها ولاية الفقيه، الذي يرون أنه لابد من تضييق سلطاته وإعادة تعريفه، إذا كان لـ«جمهورية الثورة» أن تتطور للأمام، وتلبي الاحتياجات الداخلية للتعددية السياسية.

من بين هؤلاء المنتمين إلى حركة «النخبوية الإسلامية» حجة الإسلام محسن كديور وحجة الإسلام محمد مجتهد شبستري وحجة الإسلام (سابقا) يوسفي اشكفاري، الذي نزعت عنه عمامته ولقبه الديني بعدما شارك في مؤتمر ببرلين انتقد فيه بعض أوضاع الحريات في إيران. رجال الدين التجديديون يدعون لإحياء فكرة الإصلاح الديني، وفكرتهم هي أن الثورة الإيرانية عندما قامت كانت جذورها الفكرية والفلسفية هي الإسلام الثوري الإصلاحي. الكثير منهم اليوم يرى أن ما تحقق منذ الثورة حتى الآن، لم يكن ما حلم به تماما الذين قادوا أو شاركوا في الثورة.

وبسبب نقاشات هذا الجيل الثاني من رجال الدين من الذين عاصروا الثورة، وهم طلاب في الثانوية العامة أو السنوات الأولى من الجامعة، انتعشت مجددا حركة «النخبوية الإسلامية» أو بالفارسية «روشنفكري ديني» التي تشبه في فلسفتها، مع فارق الزمان والمكان والظرف التاريخي، حركة الإصلاح الديني في أوروبا في العصور الوسطى. فإذا كانت حركة الإصلاح الديني في أوروبا بدأت على يد رجال دين مسيحيين، مثل لوثر كينغ من أجل فصل الدين عن السياسة، فإن حركة «النخبوية الإسلامية» في إيران بدأت برجال دين أيضا، وذلك في القرن التاسع عشر، وتجسد تأثيرها عمليا بالثورة الدستورية الأولي في إيران (1906ـ 1911) التي قادها رجال الدين ضد السلطات المطلقة لحكام إيران في ذلك الوقت من الأسرة الغاجارية. وتطورت خلال النصف الأول من القرن العشرين على أيدي فلاسفة وكتاب ومثقفين وعلماء اجتماع وعلماء سياسة.

والأسس الفكرية والفلسفية لهذه الحركة هي إصلاح الفكر الديني، وتضمين مبادئ التعددية في النظام السياسي الحاكم، ومعارضة الولاية المطلقة للفقيه. كما أن من أسسها أن العلمانية ليست «حتمية» للتحديث، ربما تكون كذلك في التجربة الغربية، لكن هذا ليس قدرا تاريخيا أو حقيقة علمية مسلما بها، وعلى هذا الأساس يقولون إنه يمكن خلق حداثة إسلامية بدون علمانية، أو بمعنى آخر أن الالتزام بالقيم الدينية، لا يتعارض مع قيم الحداثة. وقيم الحداثة هذه ليست التصنيع أو زيادة معدلات استخدام التكنولوجيا، بل احترام الحريات والحقوق والاختيارات الشخصية، واحترام التعددية بحسب ما يرى هؤلاء.

ومن أبرز رجال الدين في إيران في مطلع القرن العشرين من الذين قادوا حركة الإصلاح الديني آية الله محمد كاظم خروساني (1839 ـ 1911)، وكانت فكرة خروساني آن مبدأ الولاية المطلقة للولي الفقيه مرفوض. وقسم شؤون الناس إلى قسمين:

1 ـ شأن عام، وهو المتعلق بالحكم والسياسة والمجال العام والسلوكيات فيه.

2 ـ شأن خاص، وهو المتعلق بالقضايا الشخصية للناس مثل الطلاق والزواج والميراث، وهو جزء من أحكام القرآن الكريم، ويجب أخذ رأى علماء الدين فيه.

وقال خروساني إن الولي الفقيه أو علماء الدين ليس من وظيفتهم وضع القوانين العامة، لكن القوانين المتعلقة بالنواحي الدينية أو الشرعية يجب أن يصدق عليها رجال الدين «لضمان توافقها مع مبادئ الشريعة»، ومن ضمن ذلك قوانين الميراث والزواج والطلاق والحدود، غير أنه من ناحية أخرى قال إن الشؤون العامة للناس، وشؤون الحكم لا تحتاج إلى موافقة رجال الدين أو الولي الفقيه. وقال عبارته التاريخية «في غيبة الإمام المهدي.. الحكم للناس». وكانت هذه هي العبارة التي انطلقت منها مدرسة «النخبوية الإسلامية» في تصوراتها حول تأسيس ديمقراطية في دولة إسلامية. وهى المدرسة التي خرج منها مفكرين إيرانيين مثل الدكتور علي شريعتي، والدكتور عبد الكريم سوروش، وحجة الإسلام محمد مجتهد شبستري، وحجة الإسلام محسن كديور، وحجة الإسلام يوسفي اشكفاري، والمفكر سعيد حجاريان وغيرهم.

على شريعتي من أوائل المفكرين الإيرانيين الذين لم يروا تناقضا بين الحداثة السياسية والمجتمعية، وبين الاحتفاظ بالقيم الدينية، بل اعتبر انه في مجتمع مسلم ملتزم بالتعاليم الدينية، يمكن احترام مبادئ حقوق الإنسان والديمقراطية والحريات الشخصية من دون اي تعارض. ومع أنه كان من المدافعين عن الدور التنويري لرجال الدين في المجتمع، إلا انه في الوقت نفسه حذر من ترك رجال الدين يتحكمون ويحكمون وحدهم باسم ما لهم من سلطة دينية.

ولهذا بعد قيام الثورة الإيرانية 1979، وكان شريعتي قد توفي 1977، عمل البعض في إيران على عدم إظهار كتبه وأفكاره، إلا أن اسمه يذكر في إيران اليوم ربما أكثر مما كان يذكر قبل عشرين عاما، وذلك في إطار النقاشات حول الديمقراطية في إيران. البعض مثلا يرى أن أفكار شريعتي لم تطبق وأن آية الله الخميني استفاد من شعبية أفكار شريعتي بين الإيرانيين دون أن يطبقها وأن في هذا ظلم لشريعتي، والبعض الآخر يرى أن فكر شريعتي فيه الكثير من التناقضات الداخلية مما سهل للخميني أن يفهمه ويطبقه بالطريقة التي طبقه بها.

«شريعتي كان ينقل كلاما عن الخميني حول نظام الحكم، لم يكن الخميني يقصده، وهو بهذا روج لأفكار الخميني في إيران. كان شريعتي كاتب كبير، وكتاباته كالشعر، غير أنه لم يكن متعمقا في الفقه. أعتقد أنه ارتكب خطأ بتغيير خطب الخميني. لقد جعل الخميني يبدو كشخص لطيف جدا. لقد غير الفهم السائد حول أحكام الإسلام بطريقة كتابته الممتازة. وأنا معجبة به ككاتب، لكني أراه لم يعكس حقيقة ما قاله الخميني»، قالت جيلدا، وهي طالبة إيرانية في العشرينات من العمر ناشطة وسط الحركة الإصلاحية. إلا أن ساناز وهي أيضا طالبة إيرانية ترى أن شريعتي لم يفعل أكثر من أنه حاول أن يقرب بين الميل الطبيعي للإيرانيين للتدين بحسب ما ترى وبين بوادر الثورة، موضحة «أعتقد أن شريعتي كان ذكيا، وكان يعرف أن الإيرانيين متدينون ويريدون الإسلام من أجل التحرك. ويمكن فهم أفكاره وعمله على هذا الأساس».

وعلى خطى شريعتي سار مهدي بازركان الذي كان أول رئيس وزراء إيراني بعد الثورة، فقد أراد بازركان أن تسمى إيران «جمهورية إيران الديمقراطية الإسلامية»، بدلا من «جمهورية إيران الإسلامية»، وكان مؤيدا للمسودة الأولى من الدستور الإيراني التي لا تذكر منصب الولي الفقيه، كما كان معارضا لمجلس الخبراء وغيره من المؤسسات التي وضعت لتعزيز سيطرة رجال الدين، مما خلق توترا بينه وبين الكثير من رجال الدين النافذين بعد الثورة ومن بينهم المرشد الأعلى الخميني، وعندما حدثت أزمة احتجاز الرهائن الأميركيين في السفارة الأميركية، استقال في 4 نوفمبر (تشرين الثاني)، ليبدأ من خارج النظام معارضته لبعض ممارساته. وفلسفة بازركان أن المهمة الأساسية لرجال الدين هي تثقيف الناس حول أمور دينهم، وأنه ليس من وظيفتهم تعليم الناس كيف يديرون المجتمع، أو كيف يختارون الحكومة، وانه عند وضع القوانين المتعلقة بالانتخابات مثلا، أو قوانين الضرائب، يجب على المسلمين أن يعمدوا إلى الفكر العقلي ومبدأ المصلحة، واحترام الحقوق الفردية عند مناقشة هذه القضايا.

الدكتور عبد الكريم سوروش مثله مثل باقي المفكرين إلايرانيين الذين ينتمون إلى هذه المدرسة انطلق من أن الدين يلعب دورا اجتماعيا لا يمكن إغفاله أو تجاهله، وبدوره انطلق من أهمية الدين في المجتمع الإيراني، لكن أيضا شدد على أهمية تأسيس نظام سياسي ديمقراطي حديث.النقاش الداخلي في إيران اليوم هو حول «تأسيس ديمقراطية في بلد إسلامي»، وهو جدل معقد ومركب، لأن الحقيقي أن الغالبية الساحقة من الإيرانيين ومن ضمنهم النخبة ترى إيران بلد إسلامي، غير أنها تعارض في الوقت نفسه بعض المؤسسات التي تعمل باسم الإسلام وتقيد الحريات مثل مجلس الخبراء ومجلس صيانة الدستور ومجلس الأوصياء.

لكن في نظر هؤلاء المثقفين اليوم، فإن الطريق للإصلاح السياسي يجب أن يمر أولا عبر إصلاح الفكر الديني. والبعض مثل يوسفي أشكفاري يرى أن حصر القضية في صراع الإصلاحيين ـ والمحافظين تبسيط، وليس لب المشكلة. موضحا أن جمال الدين أسد أبادي (الإيرانيون يقولون أسد أبادي لا الأفغاني لأن جمال الدين ولد في هيرات وكانت ساعتها جزء من إيران، قبل أن تضمها بريطانيا إلى أفغانستان) دعا إلى إنقاذ الإسلام أولا.. والمسلمين ثانيا، بمعني أن تحقيق الحريات الشخصية للمسلمين على سبيل المثال لن تتحقق قبل إصلاح الكثير من الأفكار الدينية السائدة.

وقال أشكفاري في هذا الصدد «ولاية الفقيه ليست فكرة دينية فقط، إنها فكرة سياسية أيضا. فهناك ولاية فقيه في باكستان وفي تركيا والولي الفقيه هو الجيش، وهناك ولاية فقيه في سورية والولي الفقيه هو البعث، وهناك ولاية فقيه في مصر والولي الفقيه هو الأزهر».

ويرى اشكفاري كما أوضح لـ«الشرق الأوسط»: أن «الإصلاح الفكري والديني هو الأساس، وهذا هو درس التاريخ. إقبال لاهور (محمد إقبال الشاعر والفيلسوف الهندي) قال في كتابه الشهير «تجديد التفكير الديني في الإسلام» إن الإصلاح يجب أن يبدأ من الفكر الديني، هذا هو المفتاح الأساسي. جمال الدين أسد أبادي (الأفغاني) وإقبال لاهور ومحمد عبده بدأوا من إصلاح الأفكار التقليدية السائدة حول الدين، واتخذوا الكثير من الخطوات أولها تصحيح الأفكار التي أسيئ فهمها. بعد ذلك جاءت أفكار الشيخ محمد عبده حول إصلاح الأزهر، ومناهج التفكير الديني التي تدرس فيه».

ويعتقد اشكفاري انه على مستوى إيران، فإن علي شريعتي كان أول من فكر في تفكيك الفكر الديني وإعادة بناءه سيرا على خطا محمد إقبال. «شريعتي كان الأول الذي يفعل هذا بشكل أكاديمي جاد. هدف الإصلاح الفكري هو التغيير الاجتماعي وإبعاد المجتمع المسلم عن التشدد عبر الوصول إلى الحرية والاستقلال والديمقراطية».

بعد الإصلاح الديني والفكري يأتي بحسب اشكفاري الإصلاح السياسي. «ما تريده إيران هو إصلاح ديني فكري، ثم سياسي. فمثلا نحن ليس لدينا أحزاب سياسية. لا يمكن الكلام حول حريات وحقوق بدون أحزاب سياسية وتعددية، الأشخاص والأفراد هم القوي الحقيقية الموجودة وليس الأحزاب، حكومة محمد خاتمي وحكومة أحمدى نجاد كلاهما نفس الشئ، قامتا على الأشخاص وليس على الحزب».

المفكرون المنتمون لمدرسة «النخبوية الإسلامية» لهم شعبية كبيرة في إيران، وبعضهم مثل يوسفي اشكفاري ومحسن كديور يعتبرون نجوما لأن محاضراتهم ومقالاتهم ومواقعهم الانترنتية عليها إقبال كبير. وهم يفخرون بأن سهام انتقاداتهم لا تتوجه فقط إلى الداخل، بل إلى الخارج أيضا «نحن ننتقد الغرب والاستعمار والفلسفة الغربية، كما ننتقد تماما الفكر التقليدي السلفي في العالم الإسلامي، ولهذا لا يربطنا الناس بالغرب، أو يقولون إن هؤلاء الذين يدعون إلى التفكير النقدي في الإسلام عملاء للغرب» بحسب ما قال اشكفاري. غير إنهم في الوقت نفسه بعيدين عن دوائر السلطة والقرار وليسوا مؤثرين، وغالبتهم دخل السجن، مثل كديور واشكفاري، وهم بهذا المعني منفصلون عن النظام، وشعبيتهم الأساسية تنحصر في حركة الناشطات النسويات والطلبة وأساتذة الجامعة وطبقة المثقفين. ومع هذا توجه لبعض هؤلاء المثقفين انتقادات قاسية حتى بين مؤيديهم. فمثلا في الوقت الذي يدعو فيه بعضهم إلى مؤسسات ديمقراطية منتخبة بالاقتراع الشعبي المباشر، وقوانين وضعية تخص مسائل الحياة، عندما يأتي الأمر إلى موضوع حقوق المرأة أو لباسها يعودون محافظين اجتماعيا ودينيا. «كل رجل دين في إيران لديه صخرة في ذهنه عندما يأتي الأمر إلى مسألة حقوق النساء. يمكن أن يقولوا كلاما متحررا جدا في كل القضايا، بداية من ولاية الفقيه وعدم إلزامها، إلى تطبيق بعض أحكام الشريعة، لكن عندما تذكر قضايا المرأة، يعود إلى المربع الأول. ويبدأ في تبرير موقفه بدواعي اجتماعية ودينية. ولهذا أقول إن كل رجال الدين لديهم هذه الصخرة أو الحجرة في ما يتعلق بالنساء»، قال شاب إيراني رفض الكشف عن هويته. مدرسة «النخبوية الإسلامية» لها مناوئون فكريون أيضا من قبل معسكر المحافظين، وهؤلاء وأبرز وجه لهم هو آية الله مصباح يزدي، يرون أن التعددية السياسية يمكن أن تكون خطرا لأنها تشتت الناس وتفتنهم. كما أن الولاية للفقيه وليس للناس. فالناس لم تنتصر، كما يرى أنصار هذا التيار لسيدنا على رضى في خلافه مع أصحاب رسول الله بعد وفاة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، وبالتالي لا يمكن الاعتماد على الناس، او الديمقراطية الشعبية، والقرار يجب أن يكون بيد الولي الفقيه.

القضايا الداخلية مثل الديمقراطية والتعددية السياسية وحقوق النساء وحريات النشر والتعبير والصحافة والوضع الاقتصادي هي التي تشغل الإيرانيين اليوم، وليس العراق أو لبنان أو الأوضاع الإقليمية، أو التهديدات الأميركية بقصف إيران. لكن الإيرانيين متفائلون بقدرتهم على الحركة والفاعلية. حجة الإسلام محسن كديور قال لـ«الشرق الأوسط» في هذا الصدد: «أعتقد انه في المستقبل القريب ليس لدينا الكثير من الخيارات. يجب أن نحاول في المستقبل الأبعد. المستقبل القريب به الكثير من الصعوبات، من بينها انه ليست لدينا أحزاب سياسية، ومنظمات فاعلة. يجب أن نكون أكثر شجاعة مما كنا». أما آية الله صانعي فقال «داخليا إيران ستكون أكثر ديمقراطية». فيما حدد إبراهيم يزدي زعيم حركة الحرية في إيران قوة التغيير في إيران اليوم بـ«النساء والشباب. حتى رجال الدين التقليديون لا يستطيعون أن يجعلوا أبناءهم مثلهم، أو يفكروا ويتصرفوا بطريقة آبائهم. لا يستطيعون أن يمنعوا أبناءهم من الذهاب إلى الانترنت ومشاهدة بعض الأشياء التي لا ينبغي لهم أن يروها، بسبب الضغوط السياسية والقمع. الكثير من هؤلاء الشباب يخفون اهتماماتهم السياسية، ولا يريدون المشاركة في الأنشطة السياسية. وهذا هو سبب عدم وضوح حركتهم السياسية. ثورة أخرى في إيران مسألة مستحيلة.. ولكن، تغيير تدريجي.. نعم. ولهذا اختارت النساء الإيرانيات التحرك القانوني التدريجي المفتوح والنضال من أجل تحسين أوضاعهن. لأن هذا هو الطريق». هذا التفاؤل بالمستقبل مرهون في نظر الكثيرين بأن لا تتعرض إيران لهجمات عسكرية اميركية، فالحركة الإصلاحية بحسب الكثير من الناشطين الإيرانيين ستعود 20 عاما للوراء. «الديمقراطية وحقوق الانسان يمكن أن تنمو في مناخ سلمي. الحكومات دائما تقوم باستغلال مسألة الأمن القومي لتقييد حريات الناس. ولهذا نحن نعارض أي هجوم على إيران. قصف إيران سيعوق مسار الإصلاحات، لأن هذا سيعطي العذر للحكومة لتقييد حريات الناس»، بحسب ما قالت شيرين عبادي الناشطة الإيرانية لـ«الشرق الأوسط». فيما قالت شهلا شركت رئيسة تحرير مجلة «زنان» النسائية: «أنا دائما متفائلة بشأن المستقبل. إذا لم أكن متفائلة بشأن الحكومة، فأنا متفائلة بشأن الناس في إيران، بالذات النساء. حركة النساء ليست ثورية، إنها تتحرك بدون جلبة أو ضوضاء. ولهذا أنا متفائلة، فلا قوة تستطيع وقف هذه الحركة. ربما في بعض المناطق يمكن أن يحدث تباطؤ، لكن لا أحد يستطيع لا وقفها، ولا إرجاعها للخلف».أما الهام وهي طالبة إيرانية فقالت «المستقبل مفتوح على كل الاحتمالات يمكن ان يكون افضل أو أسوأ. اذا نشبت حرب أعتقد انه سيكون أسوأ. لكن لا أعتقد ان الناس ستعيد انتخاب أحمدى نجاد. كان الفرصة الأخيرة للمحافظين».

انه نقاش حول المستقبل وحول ما يريده الإيرانيون لأنفسهم استكمالا للنقاش السياسي والفكري الذي فتحوه قبل 28 عاما، ولم ينته بعد. حركة «النخبوية الإسلامية» ترى أنها تقدم الحل، فهي ليست ضد دولة إسلامية، لكن مع احترام كل قواعد الديمقراطية والحريات العامة والشخصية، وهي ترى أنها تنطلق من أفكار الفلاسفة والمنظرين الأوائل للثورة مثل بازركان وعلى شريعتي، ومن التراث الصوفي والديني الإيراني الذي خلط الكثير من المدارس الدينية والفكرية والفلسفية معا، بدءا من الفلسفة اليونانية وحتى الفلسفة الهندية، كما قال جلال الدين الرومي الفيلسوف والشاعر المتصوف الإيراني الذي يعتبر أحد الآباء الروحيين لحركة النخبوية الإسلامية في إيران «المصابيح متعددة، لكن النور واحد».