صباغ أحذية: زبائني فنانون ومسؤولون حكوميون.. ونساء

جمال الكردي معروف من قبل نصف شباب بغداد

TT

لم يكن يعلم أن مهنته البسيطة التي قد ينظر إليها البعض نظرة دونية ستصل به الى هذه الحدود من الشهرة بين أوساط مختلفة من العراقيين، لاسيما شريحة الشباب الذين يبحثون عن كل ما هو جديد في عالم الموضة والأزياء. جمال محمد الكردي المعروف بجمال الصباغ، 42 عاما، ورب عائلة متكونة من خمسة أفراد، يقول إنه مارس مهنة صباغة وتلميع الأحذية منذ سبعينات القرن الماضي، أي لأكثر من 30 سنة متنقلا بين مناطق مختلفة من البلاد. إلا انه استقر في العاصمة بغداد ومنها حصل على شهرته، وبالتحديد في منطقة الباب الشرقي، المركز التجاري فيها وملتقى معظم شباب ورجال المدينة.

ويقول الكردي بشيء من الاعتزاز، إنه يمتلك زبائن دائمين من مختلف مناطق العاصمة بغداد، وان بعضهم يأتي اليه بشكل يومي بحكم مكان عملهم القريب من مكان وجوده، ان اصحاب محلات الأحذية المستعملة يجلبون له أعدادا كبيرة من الأحذية لكي يقوم بتلميعها وتغيير ألوانها ليقوموا بعرضها للبيع في محلاتهم الخاصة ببيع الملابس والأحذية المستعملة.

وتعود شهرة الكردي دون سواه الى «مهارته في عمله»، كما يقول احد زبائنه، فهو متميز عن بقية الصباغين «بالرغم مما يقدمونه للزبائن من تخفيضات في الاسعار او استخدامهم أنواعا أجنبية من الصبغ والفرشاة».

ويقول رعد عبد الرزاق، 33 عاما، وهو صاحب محل لبيع الأحذية المستعملة بالقرب من مكان وجود جمال «اجلب له اكثر من مائة زوج من الاحذية المستعملة شهريا ولا أصبغها إلا عندما يكون جمال موجودا واضطر للانتظار لفترات طويلة لكي يصلني الدور وادفع له المبلغ الذي يدفعه صاحب الحذاء الواحد، لأن جمال يغير من هيئة الحذاء حتى وان كان متروكا لفترة طويلة». ويقول عبد الرزاق بشيء من الثقة إنه «يتفاءل» كثيرا عندما يجلب الاحذية لكي يصبغها الكردي لأنها (الأحذية) «ستباع بسرعة وبالسعر المطلوب».

ويقول الكردي بفخر إن من بين زبائنه فنانون ورياضيون ومسؤولون في الحكومة الحالية والنظام السابق، «يقوم افراد حمايتهم، وهم ايضا من زبائني ايضا، بجلب عدد من أحذية عائلة المسؤول وبعضها يكون نسائيا لأقوم بتلميعه».

وبالرغم من المهنة التي يصفها بالشاقة، إلا ان جمال يشعر بالاعتزاز لأنه يحظى باحترام زبائنه كافه وتقديرهم من خلال «تعاملهم اللطيف والمهذب معه وإكرامه بمبلغ يفوق قيمة ما يطلب». وأحيانا يعرضون عليه إيصاله الى منزله بسياراتهم الفارهة عندما يشاهدونه بالصدفة يسير على قدميه في الشارع. إلا ان جمال الكردي اشتكى من ان الكثير من زبائنه تركوا البلاد بسبب العنف الذي ضرب بالبلاد، خصوصا بعد أحداث تفجيرات سامراء في فبراير (شباط) عام 2006. ويقول إن تردد زبائنه عليه في الوقت الحالي انخفض بالمقارنة عما كان عليه الوضع قبل «الاحتلال» وان «الكثير منهم لم يعد يأتي بسبب الوضع الأمني المتردي في منطقة الباب الشرقي وتخوفهم مما قد يصيبهم وهم في طريقهم، فضلا عن هجرة الكثير منهم خارج البلاد».

وذكر الكردي أن الأمر انعكس سلبيا على المردود المالي الذي كان يجنيه من عمله الذي تدنى هو الآخر وبنسبة كبيرة قياسا لما كان يحصل عليه في السابق، وأوضح أن عدد زبائنه الضئيل في الوقت الحالي ساعد على «تقليل الوقت الذي كنت أقضيه في العمل؛ فبالسابق كانت أعمل لفترة تزيد على عشرة ساعات، أما في القوت الحاضر فان مجمل الساعات التي أقضيها في العمل لا تتعدى خمس ساعات».

وقد اضطر الكردي الى ترك منزله في حي الدورة جنوب بغداد، بسبب الوضع المضطرب فيها، مما اضطره العودة الى مسقط رأسه الأصلي في كردستان العراق وبالتحديد في مدينة السليمانية، إلا انه بقي يعمل في بغداد. ويقول «تطلب مني الأمر تحمل معاناة اخرى وهي ترك عائلتي في السليمانية لفترة تزيد على أسبوعين أحيانا لتغطية متطلبات الحياة». ويتمنى جمال الكردي ألا يضطر لترك عمله في العاصمة والذهاب الى السليمانية؛ ففي بغداد حظي على شهرته كواحد من أشهر صباغي الأحذية، كما يحب أن يطلق على نفسه.